قررت الكتابة ضد النسيان والكذب والخسارة والتواطؤ، قررت الكتابة لأن الأسوأ ربما لازال قادماً ليس فقط في سوريا ... هذا الكتاب ربما يلخص معركة شعب عازم على إنهاء دكتاتورية عمرت 40 سنة . شعب يتطلع للحرية، لكنه يغرق يوماً بعد آخر في الجحيم أمام أنظار مجتمع دولي غير مبال ... هذا الكتاب هو حكاية ربيع سوري بدأ كميلاد للحرية لينتهي في خراب جهادي له أبعاد وتداعيات إقليمية ودولية ... قبل ذلك شرح لي موظف السفارة أن العلبة التي سلمته لا يمكن أن يتم إرسالها حتى باريس»»سنرسلها فقط إلى لبنان,الحقيبة الدبلوماسية الموجهة إلى باريس تخضع في بعض الأحيان لتفتيش سري من طرف المخابرات السورية في خرق لقواعد القانون الديبلوماسي» وهذه المعلومة لا تطمئن. 15 غشت 2011، السادسة صباحا يوم 16 غشت تاريخ مهم بالنسبة لي، إنه يوم ذكرى وفاة والدي، الذي توفي سنة 1994 في hotel dieu أمام كاتيدرائية Notre dame de paris، يوم ذكرى صعود العذراء، ودون أن أكون مؤمنة بالغيب، اعتقدت أنني لاحظت في عدة مناسبات أن هذا التاريخ جلب لي دائما الحظ, لاسيما سنة 2006، كان لحرب 33 يوميا التي جرت بين حزب الله وإسرائيل أثر بسيكولوجي مدمر على إبني الأصغر، الذي حوصر تحت القصف الإسرائيلي. وقف إطلاق النار أعلن يوم 14 غشت وتوقفت الأسلحة تماما يوم 15 غشت، اليوم كل شئ يسير على مايرام. استغلت الرحلة بالطاكسي لكتابة رسالة نصية جاهزة لإرسالها الى عميل السفارة»اعتقلت صوفيا»«. أعطيت سائق الطاكسي ثمن الرحلة، واقتربت من المطار في البناية، وعلى بعد أمتار فقط من المدخل، كان رجلان بالزي المدني يراقبان هوية المسافرين قبل السماح لهم بالدخول إلى منطقة التسجيل، بمجرد ما سلمت أحدهم جواز سفري. الذي حاول قراءته »مقلوبا« كما لو أن الأمر يتعلق بوثيقة مكتوبة بالعربية. حتى تساءل الآخر: »آه، جواز سفر فرنسي« وأخذ الوثيقة بيد ثم تحدث في جهاز الاتصال بيده الأخرى ليعلن: »سيدي، لقد وصلت«. طلب مني أن أتنحى إلى الجانب، واحتجز هاتفي النقال السوري وذهب يبحث عن ورقة بيضاء موضوعة فوق مكتب كان وراءه. كان مكتوبا عليها اسم واحد: إسمي، وصل رئيسهم، طلب مني مرافقته مع أمتعتي وبدأ التفتيش والاستنطاق أيضا. وبينما توالت الأسئلة حول أسباب مقامي في سوريا، كنت أراقب خلسة حقائبي التي كان يفتشها رجلان، وكنت أجيب بأكثر ما يمكن من الهدوء. بطبيعة الحال، أثار الحاسوب الانتباه على الفور, »نادى على الخبير المعلوماتي« ,أمر الرئيس أحد رجاله، كانت الأرض تنفلت من تحت أقدامي، بدأت أتساءل عن وسائل التعذيب التي يمكن أن يستعملوها معي، وما إذا كان تأميني على الحياة سيكفي لتربية إبني.. احتفظت بكل ما أوتيت على ابتسامة مزعومة وأنا أحاول البقاء، ما أمكن قريبة من حاسوبي، الذي أصبح الآن بين يدي الخبير. هل أخذته الشفقة بي أم أنه كان عديم الكفاءة إلى هذا الحد؟ سيبقى الأمر لغزا. ومع ذلك بدل أن يفتش ملفاتي واحدا بعد الآخر، ركز اهتمامه على نافذة فتحت صدفة على شاشة حاسوبي تؤكد أن القرص المدمج، وهو قرص اشتريته في فرنسا، لا يستطيع حاسوبي أمريكي الصنع قراءته. وبعد عدة محاولات، بدأ الفيلم الذي نسيته في حاسوبي قبل أسابيع يشتغل، وبصوت مرتفع يسمع في أرجاء القاعة، كان الأمر يتعلق بمغامرة Hereule poirot وضعت نهاية لتفتيش حاسوبي. كان النداء الأخير يعلن الإقلاع الوشيك للطائرة، أخبرت رجال الأمن بذلك، لم يعيروا ملاحظتي أدنى اهتمام: سيدة اسمها صوفيا أمارة دخلت سوريا عبر البر قبل 10 أيام، يريدون العثور عليها بأي ثمن»تقولون صوفيا عمارة؟ ولكن أنا أسمي صوفيا أمارة». إسمي العائلي يبدأ بحرف العين ولكن على جواز سفري الفرنسي تم إدغام هذا الحرف ليصبح اسمي الحقيقي المكتوب على الورقة التي رأيت عند مدخل المطار، كان هو AMARA حاولت تغليطهم، بمحاولة القول أنه في سوريا حيث لوائح الأشخاص المبحوث عنهم لا تنتهي ,وحيث الأشخاص والعائلات التي تتشابه أسماؤها شائعة، من المعلوم أن التشابه في الأسماء غالبا ما يدخل أشخاص أبرياء إلى السجن، وذكر اسم الأب وفي بعض الأحيان الأم في جميع الوثائق الإدارية تقريبا يحد من هذه الظاهرة ولو جزئيا. فيما يتعلق بحالتي, اسم والدي غير مكتوب على جواز سفري، عندما وصلنا إلى المعبر البري بين سورياولبنان، كان السائق قد أعطى الأسماء الحقيقية لوالدي، في المطار أعطيت أسماء مزيفة لوالدي حتى أخفي شخصيتي. وأضفت قائلة «»إضافة إلى أن اسمي بالعربية هو »صفية« وليس صوفيا كما كتبتم ذلك. لو كان معي جواز سفري المغربي، كنتم ستلاحظون ذلك« «أحسست برعشة رعب، وثيقة السفر المغربية التي ذكرت، والتي لم استحضر لحظة أنها قد تورطني كانت موجودة في عمق حقيبتي التي كانت لاتزال بين يدي رجال الأمن. إذا اكتشفوها سيرون أن اسمي الشخصي هو صفية ولكنهم سيكتشفون أيضا أن اسمي، العآئلي الحقيقي هو »أعمارة«. أعتقد أنني فهمت ما ينقذني حتى الآن. بما أنني أتهيأ لمغادرة البلاد عبر الطائرة، يفترض رجال الأمن فيما يبدو أنه لا يمكنني أن أكون قد دخلت البلاد إلا بنفس الطريقة. كان يكفيهم فقط أن ينظروا لجواز سفري عن قرب، ليعرفوا بأي وسيلة دخلت سوريا، بعد تفتيش جسدي مجددا، اقتربت من حقيبتي كان رجل أمن لايزال يحوم حولها, لاحظت وسط محتويات حقيبتي، نسخة من بطاقة المعلومات المعبأة لشرطة الحدود البرية خلال دخولي لسوريا قبل 10 أيام، النسخة كان قد سلمها لي سائق الطاكسي. احتفظت بها لأنه كان من المفترض مبدئيا أن أعيدها الى السلطات السورية عند عودتي عبر الحدود البرية السورية اللبنانية. وفي قمة التوتر، لكن بهدوء ظاهري، طلبت تمكيني من بعض المناديل المعطرة من بين أغراضي في الحقيبة. وكما لو أنني أبحث عن المناديل أمسكت بنسخة بطاقة المعلومات بعثرتها بين يدي ووضعتها خلسة وسط منديل مبلل في جيب سروالي على أمل أن تصبح غير مقروءة بعد أن تتبلل، وبسرعة وأنا منحنية على حقيبتي استغلت ذلك أيضا لأخفي تحت غشاء جلدي في عمق الحقيبة، جواز سفري المغربي وفواتير تنقلاتي بالطاكسي، وكلها دلائل اثبات ضدي. احتفظت بها لتبرير تعويضاتي وكانت فواتير كتب عليها سائقو الطاكسي: »رحلة حمص - حماة« »رحلة حمص - مركز المدينة« وهي رحلات لا تتطابق تماما مع الأنشطة السياحية التي زعمت القيام بها. شك أحد الرجال في أمري، تقدم نحوي ثم فتح مرة أخرى حقيبتي. دب/دمية، قميص وحذاء أسود بكعب، بداخل الحقيبة وجد لاقط ميكروفون أعتقدت أنني فقدته. - ما هذه العلبة السوداء؟ - لا شيء، جهاز قديم سلم لي مع آلة الكاميرا العائلية. لم أعرف أبدا لماذا يصلح، أعتقد أنه لا يعمل، كان أولادي يلعبون به ربما خبأوه هنا في الحقيبة. تلقى الرجل مكالمة، لكن ضابطا آخر اقترب مني ليسألني عن ميولاتي السياسية وعن أسباب تواجدي رغم الوضع المتفجر, أعرف جيدا جنوبلبنان وعشت هناك عندما كان لايزال محتلا جزئيا من طرف اسرائيل. كان حزب الله، رأس حربة المقاومة ضد هذا الاحتلال، يشكل قوة ضاربة يستعملها النظام السوري في مفاوضاته غير المباشرة للسلام مع الدولة العبرية. وبالتالي السوريون يكنون احترما كبيرا لسكان الجنوباللبناني الذين تحملوا بأرواحهم وأرضهم العواقب الدموية لهذه المعركة التي لم تتحمل فيها الجمهورية العربية السورية أدنى مواجهة مع اسرائيل منذ 1973 رغم احتلال الجولان السوري من طرف اسرائيل. كنت أتحدث عن لبنان وعن القصف وعن الترحيل القسري خلال الحرب الدموية لسنة 2006، وعموما عن جحيم الحرب «نزهة بالمقارنة مع الأحداث في سوريا» «قلت مازحة». ذكرت أيضا أسماء أصدقاء حميمين من جنوبلبنان، وتحدث عن لقاءاتهم مع مسؤولين سوريين كبار أمثال بثينة شعبان مستشارة الرئيس والمواضيع »المهمة جدا التي تشرفوا بالتطرق اليها مع أسماء الاسد زوجة الرئيس بشار، محاوري تراجع وتركني مع مساعديه قبل أن يختفي عشر دقائق. ثم عاد بخطوات سريعة وقال لي »بسرعة، رتبي اغراضك، سترحلين«. في دقائق، أعدت إغلاق حقائبي، وأمر الرجل احد رجاله بمرافقتي حتى باب الطائرة كنا نجري تقريبا. في آخر قاعة للاركاب فارغة، وراء بهو زجاجي عريض كانت حافلة فارغة تنتظرنا لتقلنا الى باب طائرة الخطوط الأردنية، ركبت الطائرة واستأذن الرجل. بعد عشر دقائق، لم تقلع الطائرة بعد،لاحظت عبر نافذة الطائرة ان الرجل، وكان من السهل التعرف عليه من قميصه الوردي، كان لايزال قرب الطائرة هل سيأتي ليأخذني؟ لماذا هو هنا؟ لن أْعرف الجواب أبدا. بعد لحظة، أعلن المضيف قرب اقلاع الطائرة. وعندما اغلقت الطائرة أبوابها اخيرا، طلبت من أول راكبة كان معها هاتف نقال يبدو انها تتوفر على اشتراك دولي بالنظر الى قيمة الهاتف، اقترحت عليها 100 دولار لإجراء مكالمة .السيدة التي فهمت مثل باقي الركاب بأنني كنت السبب في تأخير الرحلة، ابتسمت بتعاطف وسلمتني الهاتف قائلة: »انه بالمجان«. ركبت بعصبية رقم هاتف رفيقي الذي ابلغته بمعلومات العميل الفرنسي المتواجد بمحيط المطار. وبعد عدة محاولات أجاب وبطريقة الخبر السريع. قلت بسرعة تحت أنظار غاضبة للمضيفة الاردنية»أوقفوني في المطار ساعتين، اطلقوا سراحي للتو، لكنهم اخذوا هاتفي النقال، لم أتمكن من إخبار رجل السفارة الذي سيكون لا محالة قلقا. طمئنه بسرعة واتصل برئيسي في باريس لتحكي له كل هذ ا وتقول له بأن الصور معي في أمان، اضافة الىِ تلك التي سلمتها لأصدقائي«« وكعارف بأساليب الاستخبارات السورية اجابني قلقا» »يا إلهي، كان عليك ان تنتظري ركوب الطائرة واغلاق الابواب قبل ان تتصلي بي. انهم بالتأكيد قادرون على رصد مكالمتك»« كنت أصيح تقريبا «»انا داخل الطائرة، الابواب مغلقة، نحن نقلع للتو«« انهيت المكالمة في الوقت الذي انفصلت العجلات الخلفية للطائرة عن الأرض السورية، في تلك اللحظة انتابني إحساس غريب, اعتقدت لأول مرة منذ وصولي الى هذا البلد ان رئتي امتلئتا عن اخرهما بالاوكسجين وانه طيلة 11 يوما لم أكن أتنفس بشكل طبيعي, بل بجرعات قليلة سرية دون ان استشف كثيرا من الهواء حتى لا يسمع صوت زفيري، وأتساءل بغض النظر عن مغامرتي الصغيرة «كيف يستطيع الشعب السوري العيش منذ عشرات السنين وهو يحبس أنفاسه تحت الماء في هذا الجحيم من القمع». «إلى السلاح، أيها المواطنون» عمر يعشق قوله لجون فيترجيزالد كنيدي. وهو يخشى أن تنطبق ذات يوم على بلده» »من يجعلون الثورات السلمية مستحيلة، يجعلون الثورات العنيفة لا مفر منها«« عمر قادر على قضاء ساعات أمام شاشة الحاسوب يسبح في عالم الانترنيت، كان ينهل من فكر غاندي ومارتن لوتر كينغ وعاشق للفلسفة العربية في القرون الوسطى. عمر وبعد دراسات جامعية في المالية، بدأ مساره في مجال الابناك وهو المسار الذي اوقفه بعد اندلاع الثورة, مركزا بشكل حصري على انشطته كمنسق، يقوم بتنظيم التجمعات ويشارك في التخطيط للمظاهرات وتصويرها من أجل نشر فيديوهات على الشبكة العنكبوتية التي يغرقها بآخر الاخبار عن مدينته. فهو الذي رافقني من دمشق الى حمص، يرشدني في المدينة قبل أن يساعدني على التسلل الى حماه. لكنه ساعدني بالاخص على اكتشاف بلدته، الرستن، التي احتضنت في صيف 2011 احد الانوية الاولى للجيش السوري الحر الناشيء, أوائل المنشقين عن الجيش النظامي لبشار الاسد. وكانوا أول من ألقوا السلاح رافضين ومنددين لقرارات قياداتهم الظالمة وسيحملون هذه الاسلحة عما قريب، ضد رفاقهم القدامى في السلاح من أجل حماية المواطنين الثائرين، وأمام نظام لايستثني لا طفلا ولا مسنا, الصمت يعني بالنسبة لهم جريمة، جريمة أفظع عندما تصبح الفظاعة شيئا عاديا ومقبولا في صمت من طرف رجال يتوفرون على سلاح ومعرفة عسكرية قبل ان ينشقوا، ثم شحنهم بخطابات قومية حول واجباتهم النبيلة في خدمة الأمة وتحرير الاراضي المحتلة من طرف اسرائيل, مهمتهم كانت تقتصر فقط على قمع المدنيين السوريين المسالمين والمتعطشين للحرية. كانت عسكرة الصراع تكبر تحت رماد أوهامهم. دخلنا الي مدينة الرستن يوم 7 غشت 2011 حتى قبل الذهاب الى حمص. يوم 15 أبريل قام سكان الرستن بإسقاط تمثال لحافظ الاسد كان منصوبا عند مدخل المدينة. تعرض السكان لقمع قاس بعد هذا التحدي الاستفزازي. واصبحت الرستن مدينة محاصرة بالدبابات العسكرية مستعدة للتدخل. قبل تجاوز حاجز المدرعات التي تطوق المدينة المتمردة توقف عمر لحظة. جلست في المقعد الخلفي للسيارة بدأت اصور الدبابات عبر الزجاج الملون للسيارة دون ان يروني. دخل عمر الرستن على متن سيارته الجديدة بشكل جد عادي. فالشاب ليس مبحوثا عنه بعد، لكن في حال حدوث مراقبة قد يسبب له تواجدي بجانبه متاعب جدية. وكنا نسير بين الدبابات وجيوش حديدية من نوع t72 روسية الصنع شبيهة بعشرات ضخمة صفراء او خضراء متمركزة على بعد متر منا، ودائما في مدخل المدينة، المحاطة بالدبابات، هناك نادي رياضي ممول من طرف اليابان، اجتاحته قوات الجيش خلال الحملة العقابية التي شنتها في ماي، وتحول الى مقر عام للشبيحة ورجال الأمن. وبمجرد ما اجتزنا هذا الحزام الامني الهائل تغير الجو تماما في مركز الرستن الذي لازال يحمل اثار مرور العسكريين، يبدو أن المواطنين اكثر حرية في تنقلاتهم، وفي كل مكان كانت المدينة تحمل آثار الاحتجاج، كتابات حائطية تتهكم على النظام, رسوم كاريكاتورية للاسد مرسومة على حاويات القمامة, اعلام الثورة تغطي الجدران المحترقة والمدمرة جزئيا بنيران الدبابات او ترفرف على جنبات الساحة التي تستقبل كل ليلة مظاهرات حاشدة. لم نصل بعد الى منزل عائلة عمر, حتى تلقى مكالمة تخبره بوفاة أحد المنشقين العسكريين من الرستن، وهو ضابط انشق للتو عن الجيش من أجل الالتحاق بالمقاومة. لا! هل هو رقيب! آه انه فادي القاسم؟! المسكين قتلوه؟! كنت اعرفه، صورته بالامس وهو يعلن انشقاقه، أنا من نشرت الفيديو على الانترنيت.