في ظل تراجع الصادرات إلى المغرب.. مربو المواشي الإسبان يطالبون بفتح أسواق جديدة    تعزيزات مشددة ليلة عيد الفطر تحبط محاولات للهجرة السرية إلى سبتة المحتلة    حادث خطير في طنجة يوم العيد.. إصابة شابين في اصطدام دراجة نارية بسيارة مركونة    الإمارات.. الحكم بالإعدام على ثلاثة أشخاص في قضية قتل مواطن إسرائيلي مولدوفي    كأس أمم إفريقيا لأقل من 17 سنة (الجولة 1/المجموعة 1).. منتخب زامبيا يفوز على تنزانيا (4-1)    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء.. امطار متفرقة بعدد من المناطق    "المطارات" ينبه إلى التحقق من رحلات    اتفاق ينصف حراس أمن مطرودين    خطيب العيد بتازة يوصي بالأرحام    ارتفاع حصيلة ضحايا زلزال ميانمار إلى 2065 قتيلا    أمير المؤمنين يؤدي صلاة عيد الفطر بمسجد أهل فاس بالرباط    أسود تفترس حارسا في حديقة حيوانات بالجزائر    مارين لوبان تواجه السجن ومنع الترشح بعد إدانتها باختلاس أموال عامة    الجيش الملكي في اختبار صعب أمام بيراميدز بالقاهرة    التسويف والتماطل يدفع مبرزي التربية الوطنية للإضراب والاحتجاج في أبريل المقبل    المصور محمد رضا الحوات يبدع في تصوير إحياء صلاة عيد الفطر بمدينة العرائش بلمسة جمالية وروحية ساحرة    أجواء روحانية في صلاة العيد بالعيون    الادخار الوطني بالمغرب يستقر في 28,8 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي خلال الفصل الرابع من سنة 2024    ترامب يزور السعودية منتصف ماي المقبل    إيقاف خط جوي مع طنجة يُثير غضب ساكنة ورزازات    ست حالات اختناق بسبب غاز أحادي أكسيد الكربون ليلة عيد الفطر    نبيل باها: الانتصار ثمرة عمل طويل    نتنياهو يعين رئيسا جديدا ل "الشاباك"    منع مارين لوبن من الترشح 5 سنوات    أجواء مهيبة في صلاة العيد بسلا    ارتفاع الذهب لمستوى قياسي جديد    مرشد إيران يتوعد ترامب ب"رد حازم"    كان محكوما بالمؤبد.. العفو الملكي يشمل بلعيرج    الملك محمد السادس يؤدي صلاة عيد الفطر المبارك بمسجد أهل فاس بالمشور السعيد بالرباط    وكالة بيت مال القدس تتوج عمليتها الإنسانية الرمضانية في القدس بتوزيع 200 كسوة عيد على الأيتام المكفولين من قبل المؤسسة    الملك محمد السادس يتوصل بتهانئ ملوك ورؤساء وأمراء الدول الإسلامية بمناسبة عيد الفطر المبارك    كأس العالم لسلاح سيف المبارزة بمراكش: منتخبا هنغاريا (ذكور) والصين (سيدات) يفوزان بالميدالية الذهبية في منافسات الفرق    جلالة الملك يصدر عفوه السامي على 1533 شخصا بمناسبة عيد الفطر السعيد    منتخب الأشبال يقسو على أوغندا بخماسية في مستهل كأس إفريقيا    صفقة ب367 مليون درهم لتنفيذ مشاريع تهيئة وتحويل ميناء الناظور غرب المتوسط إلى قطب صناعي ولوجستي    ادريس الازمي يكتب: العلمي غَالطَ الرأي العام.. 13 مليار درهم رقم رسمي قدمته الحكومة هدية لمستوردي الأبقار والأغنام    عفو ملكي عن عبد القادر بلعيرج بمناسبة عيد الفطر 1446 ه.. من هو؟    ترامب لا يمزح بشأن الترشح لولاية رئاسية ثالثة.. وأسوأ السينايوهات تبقيه في السلطة حتى 2037    مطالب لربط المسؤولية بالمحاسبة بعد أزيد من 3 سنوات على تعثر تنفيذ اتفاقية تطوير سياحة الجبال والواحات بجهة درعة تافيلالت    ما لم تقله "ألف ليلة وليلة"    إشباع الحاجة الجمالية للإنسان؟    لماذا نقرأ بينما يُمكِننا المشاهدة؟    آسفي تبلغ ثمن نهائي كأس العرش    طواسينُ الخير    كأس إفريقيا U17 .. المغرب يقسو على أوغندا بخماسية نظيفة    المعهد العالي للفن المسرحي يطلق مجلة "رؤى مسارح"    الاتحاد الإسلامي الوجدي يلاقي الرجاء    الموت يفجع الكوميدي الزبير هلال بوفاة عمّه    دراسة تؤكد أن النساء يتمتعن بحساسية سمع أعلى من الرجال    منظمة الصحة العالمية تواجه عجزا ماليا في 2025 جراء وقف المساعدات الأمريكية    انعقاد الدورة الحادية عشر من مهرجان رأس سبارطيل الدولي للفيلم بطنجة    تعرف على كيفية أداء صلاة العيد ووقتها الشرعي حسب الهدي النبوي    دراسة: النساء يتمتعن بحساسية سمع أعلى من الرجال    الكسوف الجزئي يحجب أشعة الشمس بنسبة تقل عن 18% في المغرب    هيئة السلامة الصحية تدعو إلى الإلتزام بالممارسات الصحية الجيدة عند شراء أو تحضير حلويات العيد    أكاديمية الأوسكار تعتذر لعدم دفاعها وصمتها عن إعتقال المخرج الفلسطيني حمدان بلال    تحذير طبي.. خطأ شائع في تناول الأدوية قد يزيد خطر الوفاة    رحلة رمضانية في أعماق النفس البشرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دور المدرسة في تشكيل التمثلات النفسية الاجتماعية «مقاربة نفسية اجتماعية»

تعتبر التمثلات النفسية الاجتماعية إحدى بؤر اهتمامات عدد كثير من العلوم الإنسانية، خصوصا علم النفس الاجتماعي، لما أصبحت تلعبه من أدوار أساسية في بناء الحقيقة الاجتماعية و في تغييرها حسب الوضعيات التي يحتلها الأفراد الاجتماعيون ضمن السياقات الاجتماعية و السياسية الناظمة للحقل المؤسساتي المجتمعي. و بذلك فاشتغالنا على موضوع التمثلات الاجتماعية من زاوية نفسية اجتماعية يفرض علينا تحديد طبيعة المكونات المشكلنة لها، عبر تجليات الفعل و رد الفعل الذي يمارسه الفرد أو جماعة من الأفراد داخل الوسط السوسيوثقافي في صورته الشمولية و في أبعاده النسقية، أو في عمق المؤسسات الاجتماعية و التربوية التي ينتمي إليها الأفراد الاجتماعيون، أو الممارسة تجاه الذات الناظمة للبعد النفسي الاجتماعي المحدٍّد لهويتها و كنهها الحقيقي؛
ما دام أن التمثلات الاجتماعية – في بعدها المعرفي – تحيلنا في جانب ما ، إلى جوهر و عمق الاختلافات الثقافية و الممارسات المتميزة، داخل مختلف الأوساط الاجتماعية و الثقافية القائمة كحقيقة في بنية المجتمع الكلي.
و يمكن حصر الإشكالية العامة المؤطرة لهذه الدراسة النظرية في التساؤل المركزي التالي:
r هل المدرسة العربية عامة و المغربية خاصة، تلعب أدوار أساسية في تشكيل و تكوين تمثلات إيجابية لدى المتعلمين نحو مستقبلهم التعليمي؟
و هذا التساؤل يحيلنا إلى اقتراح مجموعة من الأسئلة الفرعية بهدف التبسيط و التوضيح:
1. هل المدرسة الحالية بناء على توجهاتها الفلسفية التربوية تقوم بوظيفة التعليم من أجل التثقيف؟، أم تقوم بوظيفة التنجيح بهدف الارتقاء بالمتعلم إلى المسالك التعليمية العليا، أم بوظيفة الاصطفاء اعتمادا على مبدأ الاستحقاق؟.
2. هل المدرسة تقوم أو تلعب دورا استراتيجيا في تكوين تمثلات إيجابية لدى المتعلمين و الآباء نحو المدرسة ذاتها كفضاء للتربية و التعليم بهدف إكساب الوظيف؟. أم أنها تكسبهم تمثلات سلبية يفترض أن تنعكس سلبا على حسن اندماجهم مع وسطها؟
3. ما هي أنواع الأساليب التي يفترض أن تعتمدها المدرسة (إداريون، أطر تعليمية) لتشجيع الاستمرارية في التعلم لدى المتعلمين، بالدفع بهم لاتخاذ قرارات تعليمية تجاه مستقبلهم التعليمي، عن طريق بناء مشاريع تكون نابعة من طموحهم و ميولاتهم و خيارا تهم الذاتية؟، أم أن المدرسة تساهم بأساليب معينة في جعلهم يعرضون عن الاستمرارية في التمدرس، بتشجيعهم على البحث عن ملاجئ أخرى للحماية و تأكيد الذات؟...
قبل الدخول في عمق هذه الإشكاليات تفسيرا و تحليلا، لا بد في البداية من تحديد بعض الأجهزة المفاهيمية التي يحتويها عنوان هذه المقالة:
مفهوم المدرسة:
أغلب الدراسات التي اهتمت بمفهوم المدرسة، لم تحسم بشكل إجرائي في دلالتها كاصطلاح، و هو ما جعلها تتحدث عن وظيفتها الإيديولوجية و أدوارها الاجتماعية.
و هكذا نلاحظ بأن الكتابات السوسيو تربوية و المستهلكة بكثرة كخطاب في الساحة العربية عامة و المغربية بشكل خاص، تعاملت مع المدرسة من موقع البحث عن خلفياتها الاجتماعية و الثقافية، ضمن الحركة العامة للصراع الاجتماعي، و ليس من باب التعامل معها كموضوع و كاصطلاح قابل للتحديد؛ و لقد علمنا من منطلق بحث أنجزناه سابقا إلى إعطاء تحديد دقيق للمدرسة من وجهة نفسية اجتماعية حصرناه كالتالي:
«المدرسة نظام من العلاقات التربوية و الاجتماعية، و التفاعلات النفسية و الاجتماعية بين أطراف و مكونات العملية التعليمية التعلمية، يحكمه الانجذاب أو التنافر حسب الموقع الذي يحتله كل طرف داخل السياق التعليمي العام، و أيضا حسب تمثلات كل طرف عن الآخر و عن المدرسة ككل، و يتيح للمتعلم اكتساب معارف و قيم و نماذج من السلوكات المحددة سلفا تحقيقا للأهداف المرصودة للمؤسسة، و لغاياتها القريبة أو البعيدة» .
مفهوم التمثلات:
تعد التمثلات من المفاهيم الأكثر تعقيدا من حيث التحديد الإجرائي لمدلولها
و مكوناتها، و هذا راجع لتداخل الاختصاصات في الاشتغال على المفهوم و في مقاربته كل من زاويته الخاصة، على العموم يمكن القول بأن مفهوم التمثلات ارتبط بشكل مباشر بالمجال السوسيولوجي التقليدي، و حديثا بالسوسيولوجية الأوربية، خصوصا الفرنسية، و احتل مكانة متميزة في الأنظمة الفلسفية، استعمل في الأدبيات الماركسية، و اشتهر بالخصوص مع دوركايم. غير أن هناك اختصاصين رئيسين تبلور من خلالهما مفهوم التمثلات الاجتماعية كحقل للاستقصاء: السوسيولوجيا مع «دوركايم» و علم النفس الاجتماعي من خلال دراسات «سيرج موسكوفيشي و جودليت و أبريك و غيرهم.
و إذا كانت التمثلات تعتبر شكلا من أشكال المعرفة، فإنها تعد كذلك نظاما من التفسيرات، التي تساهم في بناء حقيقة مشتركة بالنسبة لوحدة اجتماعية (أفراد اجتماعيين، مؤسسات اجتماعية).
فالتمثلات تحيط بمرحلة التفكير التصوري فهي بهذا المعنى و حدة الصور و المفاهيم و التفسيرات المعطاة للمواضيع و الأشياء المعيشة، فهي ليست فقط -حسب وجهة نظر سيرج موسكوفيشي- انعكاسا مباشرا للموضوع المدرك و المعاش أو شكلا من التفكير الملموس بل هي كل هذه الأشياء، إنها طريقة في التفكير الممارس و الموجه نحو التواصل الفهم و التحكم في المحيط الاجتماعي المادي، و تعبر كذلك عن العلاقات التي يقيمها الأفراد و الجماعات فيما بينها مع المجتمع الكبير، و أيضا مع باقي المجتمعات الأخرى في إطار التبادلات و الاحتكاكات الثقافية و القيمية من خلال عملية التأثير و التأثر الجاري بهما العمل، و من هذا المنظور تتجلى أهمية التمثلات في كونها تفتح لنا آفاقا جديدة لمعرفة الحقيقة الاجتماعية و تعطينا تفسيرات واضحة حول تصورات الأفراد و الجماعات حيال الظواهر و الأحداث المعاشة من طرفهم، انطلاقا بطبيعة الحال من عمق التفاعلات الموجودة بينهم و بين الوسط السوسيوثقافي الذي ينتمون إليه.
و كخلاصة يمكن القول على لسان «سيرج موسكو فيشي» بأن التمثلات عملية دينامية لإعادة بناء الواقع و في نفس الوقت إمكانية تتيح لنا فهمه من جديد ،كما أنها عبارة عن حقائق ملموسة بإمكاننا بلورتها و تمريرها أو مصادفتها بدون انقطاع في الخطابات اللفظية و الحركات و المقابلات الجاري بها العمل من طرف أفراد المجتمع داخل مجالات متعددة و مختلفة.
ولهذا الاعتبار نشير للدور الذي تلعبه التمثلات الاجتماعية داخل أحداث التربية، بحيث تسمح لنا بالانتقال من الوصفي إلى التفسيري، و تضمن لنا الوساطة ما بين الأفكار و الأحداث، ما بين النوايا
و الممارسات، كما تفتح للتحليل آفاقا كبيرة لتفسير دلالتها و خلفياتعا الفكرية و الثقافية و الاجتماعية.
علاقة المدرسة بموضوع التمثلات نحو المستقبل التعليمي.
يمكن اعتبار تمثلات المستقبل التعليمي، مجموعة من الرغبات و النوايا و الطموحات و التوقعات التي يكونها المتعلمون حيال حياتهم المدرسية المستقبلية، تتحكم فيها من جهة الظروف السوسيو اقتصادية للوسط الاجتماعي الذي ينتمون إليه، و المتغيرات المحيطة بمسارهم التعليمي، سواء على مستوى الأبعاد العلائقية الموجودة داخل المؤسسة، أو على مستوى طبيعة التقديرات التي يحصلون عليها من جراء عمليات التقويم. و هكذا تعد تمثلات المتعلمين للمستقبل التعليمي كروابط اجتماعية، تتحدد من منطلق القرارات المتخذة من طرف التلاميذ، إما في السير بعيدا في التجربة التعليمية، أو من خلال التوقفات التي يمكن لهم الحسم فيها بشكل مبكر بناءا على طبيعة النتائج المحصل عليها في هذا الإطار.
و انطلاقا من التساؤل العام و التساؤلات الفرعية المذيلة له يمكننا تسجيل مجموعة من الملاحظات العامة، نحصرها كالتالي:
الملاحظة الأولى: من خلال المعاينات المجددة بدون انقطاع، بواسطة الإحصائيات و الدراسات السوسيوتربوية حول المسار المدرسي المتعثر. و ضعف النظام التربوي في التقليص من حدة اللامساواة، نلاحظ ثمة تغيير طرأ على تمثلات المتعلمين و على الوسط العائلي نحو المستقبل التعليمي، تحت تأثير النقد الإيديولوجي «للموهبة»، الموجه من طرف السوسيولوجيين، و مقولة اللامساواة في الذكاء من طرف البيولوجيين، و هو ما أعطى للمدرسة إمكانية التستر وراء الفوارق الفردية الموجودة بين المتعلمين، باعتبارها فوارق طبيعية، و إحالة الضعف المدرسي لأسباب ذاتية، مرتبطة باستعدادات فطرية موروثة أصلا.
الملاحظة الثانية: إذا كان الخطاب العلمي يرمي في مستواه العام إلى الدفع بتغيير الوظيفة الاجتماعية للمدرسة، من موقع مطالبتها بالمشاركة في العملية الديمقراطية، بتبنيها لمقاربات بيداغوجية أكثر فعالية (التقويم نموذجا)، فإن المدرسة، ظلت وفية لوظيفتها الاصطفائية، و تعمل جاهدة الآن للدفاع عنها تحت شعار الاختلافات الثقافية و الاقتصادية و الاجتماعية الموجودة بين المتعلمين.
الملاحظة الثالثة: تسعى المدرسة حاليا من خلال توجهاتها الكبرى إلى برمجة الفشل الدراسي من خلال تحديد الخريطة المدرسية المحصورة في نسب مائوية مقننة لممارسة اصطفاء جديد على كل طفل معوق سوسيوثقافي.
الملاحظة الرابعة: تحاول المدرسة البحث عن مقاييس جديدة، تحرض المتعلمين على الخروج من النظام المدرسي بشكل مبكر، و الدفع بهم إلى البحث عن ملاجئ اصطناعية نتيجة قلقهم على مستقبلهم التعليمي.
الملاحظة الخامسة: إن تمثلات المتعلمين لمستقبلهم التعليمي، سواء على المستوى القريب، والمحدود في زمن تعليمي تعلمي له صلة بسلك أو سلكين تعليميين، أو على المستوى البعيد، أي الطموح و الرغبة في متابعة الدراسات الجامعية كمشروع يتم التخطيط له، و بالرغم من أن المدرسة لها دور في تشكيل هذا التمثل، فيبقى أيضا للأسرة و لوضعها الاقتصادي و الاجتماعي، نصبب كبير في تكوينه كذلك، و هو ما يترجم بروز تلك المشاريع كتمثلات من جهة، و كإمكانيات تمنح للمتعلمين بهدف تحديد مستقبلهم التعليمي، سواء من منطلق الاستمرار أو التوقف عن الدراسة حسب طبيعة الظروف السوسيو ثقافية المعيشة داخل الأوساط التي تنتمي إليها الفئات المستهدفة في العمل التربوي التعليمي.
الملاحظة السادسة: إن عملية تكوين التمثلات لدى المتعلمين نحو المستقبل التعليمي لها علاقة من جهة بنجاحهم المدرسي و بالتقديرات الرقمية و التقويمات الكيفية الممنوحة لهم من طرف الأساتذة، و من جهة أخرى بالوضع الاقتصادي العام السائد في المجتمع، و من جهة أخيرة بالضمانات التي تقدمها الدولة في هذا الإطار، خدمة للتنمية الاجتماعية و الاقتصادية، و هو ما يطرح مشكل انعدام التكافؤ في الفرص التعليمية على الواجهة.
الملاحظة السابعة: إذا كان الأساتذة يعتبرون حكاما عادلين انطلاقا من موقعهم الرسمي كمنفذين للتعليمات الرسمية الموجهة إليهم عبر مذكرات تنظيمية في هذا الشأن، فأنهم مجبرون على تنفيذ اصطفاء جديد على متعلميهم، بعيدا عن تحقيق مبدأ التكافؤ في الفرص التعليمية، و بعيدا عن المقولات البيداغوجية المرفوعة كشعارات في الممارسة التعليمية، ( بيداغوجيتي التقويم و الدعم...).
الملاحظة الثامنة: إن غموض الآفاق المستقبلية بالنسبة للمتعلمين، يدفع بهم في حالات عديدة إلى الذهاب إلى المدرسة إرضاء فقط لآبائهم و ليس لرغبة ذاتية نابعة من قناعا تهم الشخصية، الشيء الذي قد ينعكس بشكل سلبي على مصيرهم التعليمي و على تمثلاتهم الإيجابية للمدرسة عموما كفضاء للتثقيف و التعلم و التنشئة الاجتماعية...
إن طبيعة هذه الملاحظات التي قدمناها كإجابات مرحلية عن الأسئلة الفرعية التي انطلقنا منها في بداية هذا العرض، مازالت في حاجة إلى تأطير نظري و ميداني في نفس الوقت، حتى نعطيها شرعيتها العلمية كحجج و توقعات قائمة بالفعل في البناء العلائقي الموجود بين المؤسسة المدرسية و المتعلمين، و تمثلات الآباء لهما معا.
و داخل نفس السياق الذي نحن بصدد بناء حفرياته، نشير بالمناسبة إلى ظاهرة عامة فرضت نفسها علينا بإلحاح، و تتطلب منا نوعا من التفكير الهادئ لتفسير دلالاتها الاجتماعية و الاقتصادية، و يتعلق الأمر بالعلاقة الكامنة بين المؤسسة المدرسية و الوسط العائلي عموما، من حيث نوع التمثلات الموجودة لدى الآباء نحو وظيفة المؤسسة المدرسية في حياة أبنائهم، إذ يتبين لنا أن الآباء أصبحوا يرسلون أبناءهم للمدارس من أجل الحصول على الوظيف في قطاع الدولة أو القطاع الخاص، إذن فجوهر العلاقة الموجودة بين الأسر و المدرسة، مرتبط في تمثلات الآباء بالكسب المادي ذي الصبغة النفعية، و ألغى الجانب التعليمي و التثقيفي الذي كان مراهنا عليه سابقا. و هذا في اعتقادنا متغير جديد طرأ على البعد العلائقي الذي كان تاريخيا مثاليا و أثر بشكل سلبي على تمثلات المتعلمين للمستقبل التعليمي، خصوصا و أن الآباء في مثل هذه الوضعية غالبا ما يساهمون هم الآخرون في الدفع بالأبناء إلى الانقطاع عن الدراسة مادام الواقع المدرسي لم يعد قادرا على تحقيق مثل هذه التمثلات نتيجة الأزمة. و مثل هذا التصور يحيلنا إلى بعض الأفكار الفلسفية، و كنموذج «نتشه» الذي صرح بأن «كل تربية يرجى من ورائها الرزق لا تعتبر تربية»، نفس القول لدى (علال الفاسي) كذلك، حينما عبر بأنه «ليس الهدف من التعليم هو كسب الرزق و انما هو التثقيف»، و طلب العلم لذات العلم.
و هكذا نخلص إلى التساؤل الإشكالي التالي: كيف يمكن للمدرسة أن تلعب دورا استراتيجيا في تكوين تمثلات إيجابية لدى المتعلمين نحو مستقبلهم التعليمي؟
لتحقيق هذا المطلب و لو في حدوده الدنيا، يشترط في المدرسة أن تتخذ إطارا للعمل الديمقراطي، بين كافة الفاعلين الاجتماعيين و التربويين، من مرتكزا ته الأساسية العدالة الاجتماعية و التربوية، و التكافؤ في الفرص التعليمية بين مختلف الفئات الاجتماعية المستهدفة داخل المؤسسة المدرسية.و أن:
- تعلم الشباب التاريخ و الجغرافيا و الاقتصاد، بهدف فهم آليات المجتمع الذي ينتمون إليه، و تقييم التجارب التي يعيشها مجتمعهم الحالي على جميع المستويات؛
-أن تلقن لكل للشباب العلوم و التقنيات من اجل تقدير رفاهية الإنسان على مستوى الاختراع، و تقدير أيضا الأخطار التي يمكن أن تترتب عنها و آثارها السلبية على حياته؛
- أن تعلم المدرسة الشباب التفكير الرياضي و برهان التجربة العلمية:
- أن تعلم المدرسة جميع أفراد المجتمع بمختلف انتماءاتهم الاجتماعية، كفايات القراءة و الكتابة و البناء و التخطيط، و لم لا كيفية استعمال الحاسوب و الانترنيت؛
- أن تدفع المدرسة الكل لمعرفة استعمال مختلف أشكال التواصل و الفن، من أجل التحاور و التوثيق و مناقشة الأفكار الداخلية و الخارجية؛
- أن تكسب المؤسسة المدرسية المتعلمين و الشباب عقلية ذكية لتفكيك الأحكام المسبقة، و الطموح لثتوير العالم.
فالأهم بالنسبة للمؤسسة المدرسية أيضا، ليس رفع شعارات تحررية و تقدمية، من خلال تداعيات لفظية مدونة في وثائق رسمية و توجيهات فوقية، و إنما هو العمل على تصريف تلك المبادئ تصريفا إجرائيا، من خلال العلاقات الأفقية و العمودية المؤسسة بين أقطاب العمل التعليمي التعلمي، في أفق خلق ضمانات سيكولوجية لدى المتعلمين، و الدفع بهم من موقع العدالة الاجتماعية المراهن عليها على بدل الجهد، و حرق المراحل، و تحقيق القفزات النوعية المرتقبة منهم، ضمانا لحسن اندماجهم مع الواقع المدرسي، و ضمانا لتكوين تمثلات إيجابية نحو مستقبلهم التعليمي.
إن مهمة المدرس في التأثير على البناء النفسي الاجتماعي للمتعلم، تبقى ذات أساس جوهري لإعادة الثقة في المدرسة، و للدفع به إلى المثابرة و الاجتهاد تجاوزا لعتبة الفشل التي أصبحت أكثر استهلاكا في العملة المدرسية حاليا.
و على ضوء ذلك نقترح أن تخلق المدرسة شكلا من الشراكة، و إذا شئتم عقدا بيداغوجيا بينها وبين و الوسط الأسرى، يأخذ إطاره الإجرائي من خلال احترام المبادئ التالية:
̈أن تعمل الأسرة و المؤسسة المدرسية على تحقيق الأهداف التربوية و البيداغوجية المرصودة للمتعلمين بهدف تحقيق الشخصية المرتقبة.
̈يجب مساعدتهم على تحقيق الجودة التعليمية التعلمية من خلال المراقبة، التتبع، التواصل مع المدرسين، الوقوف على عوامل التعثر، و البحث عن وسائل علاجية لها.
̈مساهمة الآباء في تنشيط الأعمال الموازية للمؤسسة المدرسية.
̈تخصيص حصص للدعم خارج إطار العمل و بشكل مجاني.
̈تنشيط المؤسسة بعروض ثقافية، مسرحية، العاب، لتجديد الأنشطة لدى المتعلمين.
̈تنظيم اجتماعات دورية لإشراك الآباء في تقويم أعمال أبنائهم و الوقوف على نتائجهم ضمانا لمستقبل تعليمي مستمر.
̈توعية الآباء بالدور التربوي و التعليمي الذي يجب أن يقوموا به من خلال فتح حلقات تكوينية تساهم في تنشيطها فعاليات تربوية و سيكولوجية لتحقيق التوعية.
̈مراقبة الآباء لأعمال أبنائهم، وبعث تقارير كتابية أو شفوية في الموضوع إلى إدارة المؤسسة بهدف الوقاية و العلاج.
إن عملية تحقيق هذه المبادئ ضمن إطار العقد البيداغوجي الذي يجب أن يؤسس بين الآباء و الأبناء و المؤسسة المدرسية، كفيل بتصحيح تمثلات الآباء نحو المدرسة، و كفيل أيضا بجعل المتعلمين في مستوى اتخاذ قرارات مدرسية في حق مستقبلهم التعليمي، مادام هاجس التوعية و التشارك و الحوار المفتوح بين مختلف الفاعلين التربويين قائم ضمن إطار ضمان عدالة مدرسية و تكافؤ في الفرص التعليمية بالنسبة للجميع.
تلكم مجموعة من الإجراءات التنظيمية التي يمكن أن تتخدها المؤسسة المدرسية ، لكي تكون أكثر انفتاحا على الوسط الاجتماعي المحيط بها، و أكثر تصحيحا لتمثلات كل من الآباء و الأبناء حيال و وظيفتها التعليمية و التنشيئية.
لكننا مهما حاولنا إزالة الحواجز و البحث عن بؤر التنسيق و الشراكة و تجاوز المشكلات التعليمية التعلمية فيبدو أن ثمة أشياء ليست على ما يرام داخل مدرسة اليوم، و كل واحد منا -كفاعل اجتماعي و تربوي- يقترح علاجه البيداغوجي:
̈يجب تغيير هذا الوضع يقول المتعلمون.
̈يجب دعم المتعلمين يقول الأساتذة الذي يقرون بضعف المستوى داخل المؤسسات العمومية.
̈يجب تأسيس التسيير الذاتي البيداغوجي يقول الأساتذة من موقع مبادرتهم الذاتية في حل الأزمة القائمة في صلب المؤسسات التعليمية.
̈يجب تحقيق عدالة مدرسية داخل المؤسسة تقول الجمعيات الحقوقية.
̈يجب فتح المدرسة في وجه الآباء يقول الآباء.
̈يجب تغيير عقلية و سلوك الأساتذة يقول وزراء التربية و التعليم، أمام تفاقم ظاهرة الساعات الإضافية.
̈يجب فتح المدرسة في وجه الشركات يقول المهيمنون.
̈يجب البحث عن نظام للتكوين بالكفايات المهنية، نضالا ضد بطالة الشباب تقول الباترونا.
̈يجب الإبقاء على مجانية التعليم و وقاية المدرسة العمومية تقول النقابات.
و لكن مهما اختلفت هذه الحلول و تعددت يبدو أن هناك اتفاق على وجود أزمة: أزمة مجتمع، أزمة اقتصادية، أزمة معلمين و أساتذة، أزمة تعليم، أزمة متعلمين، أزمة مدرسة، أزمة علاقات بين مدخلات الفعل التربوي التعليمي و بين النسيج الاجتماعي........


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.