هم أصدقاء وصديقات نسبح جميعا في القارة الزرقاء الفايسبوك . نتابع أخبار بعضنا البعض . تعاليق وصور . أفراح وأحزان. مواعيد وانتقادات...على حائط كل منا حكايات .أحيانا ننقر على حبنا لها أو نورد تعاليق نعبر من خلالها على تفاعلنا . داخل المغرب وخارجه هم يوجدون . مهن عليها يتوزعون. من بيوتهم أو من مكاتبهم . من قطار أو سيارة أو ملعب أو نشاط ثقافي ... يفتحون حسابهم الازرق بل منهم من لم يغلقه إلا إضطرارا .يخطون جملا .كلمات . ينشرون صورا . يتعارفون , يوسعون دائرة الصداقة ... يسرقون منك الابتسامة من خلال تعابير أو اجوبة ...يلقون تحية الصباح أو يتمنون لك يوما سعيدا أو نوما هادئا... منهم من يهديك كتابا أوقصيدة أو يدعوك لوجبة افتراضية دسمة. أو يتقاسم معك محنة يمر بها أوتمر أنت بها أو فرحا تحتفل به... أسئلة نوجهها لهم تتعلق بعالمنا المشترك . قارتنا الزرقاء.. من موطن الزعفران قادما يحمل معه عمق الجغرافيا البشرية وطراوتها وطقوسها . هنا والآن في الدارالبيضاء (مسقط رأسه) تشعر به يعيش كالمؤقت وأن بلدة تالوين الرودانية هي الدائم وراحة النفس واستقرار المحارب. فلحسن العسبي هذا الأمازيغي الذي يروي في كل لحظة جذوره الثقافية والإجتماعية بماء يغرفه من منابع التاريخ والسوسيولوجيا تجده محاربا في عدة واجهات . عنيدا كتضاريس جبل سيروا (العالي ب 3350 مترا) موطن العائلة . وعناده هذا هزم التضاريس تلك وزرع فيها بنية تحتية : طرقا وماء شروبا وكهرباء ومستوصفا و... ثقافة المنطقة التي تتأسس على التعاون والتعاضد كانت السند . وفي كل خطوة يبتهج لحسن وينشر نجاحه على حائطه الفايسبوكي فرحا كطفل انتصرت إرادته. الإسم: لحسن العسبي/ المدينة: الدارالبيضاء/ المهنة: صحفي ما هو الفايسبوك بالنسبة لك؟ محطة تلاق مثل أي محطة سفر في العالم. نتعرف فيها على أناس جدد ونفرح بمصادفة آخرين نعرفهم وهم مسافرون مثلي أيضا. هل الفايس مصدر معلومات مهنيا بالنسبة لك؟ الحياة كلها مصدر معلومات. ولأنه من طبيعتنا كبشر "الفضول" (وهو مضاعف عند الصحفيين)، لأنه قليلا ما ننتبه أن أول شئ نقوله لبعضنا البعض حين نلتقي أو نتهاتف هو : "آش خبارك؟" أي ما هي أخبارك. بالتالي، فهو مجال أكيد للأخبار، لكنها أشبه ب "أخبار السوق" لا تصدقها كلها ولا تسقطها من حسابك كلها. أنت مهتم عادة بالتاريخ وبالسوسيولوجيا وبالأدب. هل الفايس كان مفيدا لك في مجالات اهتمامك هذه؟ الفايس هو أكبر مشتل يمكن الإشتغال عليه كمادة سوسيولوجية، وربما أكثر من ذلك "سوسيو نفسية"، لأنه يعكس بأمانة، وبالسرعة المطلوبة في التعبير وردود الفعل حول الأحداث، شكل البنية المؤطرة للسلوك العام للمغاربة. وفي هذا "السوق التواصلي" تتأكد مرة أخرى تلك الخاصية المتمايزة للمغربي، أنه متعدد المعارف والرؤى والمشارب الثقافية، وأنه ليس دوغمائيا، بل إنه جدالي. ليس عاطفيا، بل عقلانيا براغماتيا أكثر (حتى لا أقول ماكرا). هل من أمثلة على ذلك؟ نزوعهم الدائم نحو الجمال أينما كان. سواء في أغنية عالمية أو عربية أو مغربية، أو في قراءة صوفية قرآنية، أو في فيلم سينمائي، أو في صورة للطبيعة أو للإنسان في كافة أشكال تمظهره حياتيا. أي أن التفاعل عندهم، في غالبيتهم، ليس "ستاتيكيا"، بل إنه تفاعل متحرر. مثال ثان، أنهم في خطابهم، لا يصدرون دائما في تفاعلهم مع أسئلة المغرب في علاقته مع الآخرين، من موقع "شوفينية إنغلاقية"، إذ ليست هناك نرجسية، بل ربما هناك نزوع نقدي أكثر. ومن هنا إغراء دراسة ما يمكن وصفه ب "الخطاب المنتج عبر الفايس" (هذا عنوان أطروحة بامتياز)، الذي يعكس تمثلات مختلف الثقافات بين المجموعات البشرية عبر العالم، المؤطرة في نهاية المطاف لسلوك الأفراد والجماعات. تعاليق بصمتك عبر حسابك وتركت أثرا فيك؟ بضع تعاليق مجنونة من أصدقاء وصديقات مجانين عبر العالم. مكر اللغة جميل في الفايس. أسمح لنفسي أن أذكر بعضا من الأسماء فيها كمثال فقط: نديم جرجورة و هوفيك حبشيان وزينة صفير وهدى إبراهيم من لبنان/ مصطفى الكيلاني، إيهاب تابث، أحمد فايق من مصر/ رياض أبوعواد وبشار إبراهيم من فلسطين/ مصطفى المسناوي، عبد القادر وساط، سناء العاجي، حساين بنزبير، بلال مرميد، عمر لبشيريت، عبد الرحيم أريري، فؤاد البهجة،،، من المغرب. هؤلاء من قبيلة المجانين، أما العقلاء الطيبون، الذين تدمع عيني جديا الكثير من تعاليقهم فهم بلا ضفاف، وأعتز بهم عاليا. في النهاية الفايس مجال لامتحان مكانتك عند الآخرين أيضا. ما هو أبرز حدث ثقافي ساهمت في التعليق عليه؟ كثيرة هي الأحداث الثقافية. لكن خبر وفاة الشاعر محمود درويش كان له امتياز تعليقي خاص من قبل الآلاف إن لم أقل الملايين من العالم كله عبر الفايس. لقد توحدت أمم في شخص الشاعر الكبير ذاك. وفي القضايا الوطنية؟ يثيرني دوما الوعي العام للمغاربة حول قضايا مغربية وشخصيات مغربية، يترجم فعليا تلك الحكمة الخالدة : "ما اجتمعت أمتي على ضلال". مثل قضية فلسطين، وقضية الصحراء وسبتة ومليلية، أو شخصيات مثل عبد الكريم الخطابي، محمد عابد الجابري وعبد الرحمان اليوسفي. مثلما يثير شكل التفاعل مع قضايا جدالية هوياتية أو ثقافية، من قبيل سؤال اللغة الأمازيغية أو سؤال الحريات العامة أو سؤال الحريات الفردية. هنا فالنقاش يكاد يتجدد كل يوم مما يصعب معه تحديد موضوع واحد ضمن خانى القضايا الوطنية. بالنسبة لي كل مجتمع يناقش باختلاف هو مجتمع حي. أعرف، مثلما يعرف الكثيرون، عبر الفايس اهتمامك بالرياضة. أول العشق وآخره هنا هي "الرجاء البيضاوي". فهو فريق تأسس أساسا كانتفاضة وليقول "لا". ومثل هكذا مشاريع تعجبني. ثم هو أسلوب لعب ومدرسة و"زاوية". وعبر الفايس تكتشف ما تصنعه الرياضة من فعل السحر عبر العالم. مثلا تيفوهات جمهور المغرب (من الرجاء ومن الوداد ومن طنجة) أصبحت رسالة ثقافية عن وعي سلوكي شبابي للمغاربة عبر العالم. الرياضة ليست مجرد "لعب". الرياضة، كما نتأكد كل لحظة عبر الفايس رسالة حضارية بين الناس. والإبداع هنا اجتهادات ولكل مجتهد أجر، وأجر شباب المغرب فيها كبير عالميا. هل أثر الفايس على عادة القراءة لديك؟ لا أبدا. القراءة فعل مرتبط بالإنسان، لأنه ترياق الذاكرة وصانعتها. فالقراءة ستبقى ما دام هناك إنسان فوق الأرض. هناك من يكتفي بقراءة فاتورة الكهرباء صحيح، لكن هناك الملايين ممن يقرؤون يوميا، مقالة أو نصا مقدسا أو قصيدة أو رواية أو كتاب معرفة. بالنسبة لي لم يؤثر الفايس على عادات القراءة لدي ولن يؤثر عليها. فقط أود أن أثير أمرا مثيرا، مغربيا، حول أمر القراءة، هو أن المغاربة يقرؤون، لكنهم في غالبيتهم يقرؤون "فابور". هذا تجل سوسيولوجي مغر بالبحث أيضا. أجمل الكتب التي قرأتها؟ هذه السنة تمتعت بكتاب "قصة مختصرة للمستقبل" لجاك آتالي. رواية "أمريكا" لربيع جابر. " وأعدت قراءة في رمضان الكتاب التحفة "رسالة الصاهل والشاحج" لأبي العلاء المعري، الذي هو حوار بين بغل وحصان. أجمل فيلم شاهدته؟ هذه السنة، الفيلم التركي "القطع" للمخرج الشاب المتألق فاتح آكين. الفيلم الإيراني "فتاة تمضي إلى البيت وحيدة بليل" للمخرجة الشابة آنا ليلي آمربور. الفيلم المغربي الرائق والجميل "جوق العميين" للمخرج المتألق محمد مفتكر. نطلب منك أن تهدي القراء صورة أعجبتك. هي صدمتني مثلما صدمت الكثيرين. وهي صور بعض من ضحايا فيضانات الجنوب بالمغرب. فهي عنوان على أن ما ينتظرنا إنجازه على مستوى البنية التحتية بالمغرب كثير.