نقل عبد الإله بنكيران قضية الإعاقة من بند السياسة إلى جدول الإجاشة العاطفية، موزعا وضعه الاعتباري بين الداعية الإمام و بين المواطن العاجز، اللهم من عاطفته التي تعوض العجز بنبل العبرات. وهو يضع الرأي العام في وضع التباري على تأويل أدائه العاطفي، عوض التقدير الملموس لسياسات بعينها، يكون قد وضع المناقشة في وضع الحيرة. وهي الحيرة التي نعبر عنها عادة بالسؤال: كيف يمكن أن نزن بالدموع ما تقترفه السياسة؟ أو بالعكس:كيف نقدر بالسياسة ما تخفيه الدموع؟.. أكبر منعطف في قضية الدموع هو أن يتحول وزير أو .. رئيس حكومة إلى حالة إنسانية.! وقد سبق أن تابعنا كيف تحول مصطفى الرميد نفسه إلى حالة جياشة في البرلمان نفسه، مما اعتبر وقتها نوعا من العجز في مواجهة كتاب الضبط واضراباتهم، قبل أن يتحول إلى رجل سياسي بدون شرايين تحمل الدموع إلى عينيه، وفعل ما فعله بهم. تحويل رجل السياسة إلى كتلة عاطفية قابلة التأويل، تلغي الفهم الدستوري للإعاقة أو الاحتياجات الخاصة: عندما تنزل الدموع لا يعني تنزيل المادة 34 من الدستور التي تنص على «حث السلطات العمومية - الحكومة - على وضع سياسات، تيسر تمتع الأشخاص، في وضعية إعاقة بالحقوق والحريات المعترف بها للجميع». لقد وصل الأمر بالمعاقين وذوي الحاجات الخاصة في فبراير الماضي إلى حد الهجوم على الوزيرة بسيمة الحقاوي، وهو الغضب الذي تفجر بعد البكاء من طرف المعاقين. فقد بكى المعاقون قبل رئيس الحكومة، لما واجهتهم أول حكومة في العالم بالهراوات في مارس الماضي، وما زالت أشرطة الفيديو تعيد على أنظارنا، نحن الذين نرى ونبصر العمى السياسي في التنكيل بالذين طالبوا بحق طالب به عاطلون آخرون..مشوا حفاة عماة، وهم يرددون حقنا في العمل بدون وساطات.. لكن من المحقق أن الكثيرين من المعاقين ولا سيما المكفوفون لن يروا دموعه، ومنه من لن يسمع نشيج الأحزان في بكائه التلفزي، ومنهم من لن يستطيع أن يكلمه عن عواطفه.. لكنهم ولا شك شعروا بالعصي تعضهم وتعض ما في القلب من عسل الأمنيات.. ويشعرون في جسدهم وفي وجوههم وفي قلوبهم بأناشيد الاستعراض العضلاتي السابق، و كان من الأجدى ألا نقف أمامه عاجزين، ونبكي في الوقت المناسب، بل أن ذاكراتهم ستحتفظ بكلام الوزيرة الحقاوي، التي ما زالت تتذكر ، ولا شك، ما قالته في حق المكفوفين الذين سعوا إلى الانتحار، في مارس من السنة التي سبقت التدخل العنيف،عندما أقدم 13 مكفوفا من مجموعة الوحدة للمكفوفين المعطلين، على ربط أعناقهم بحبل، و رش البنزين على أجسادهم بشارع محمد الخامس بالرباط يوم الأربعاء 26 مارس 2014، ، وكانت الوزيرة بسيمة الحقاوي خاطبتهم بقولها: (ماعدنا ما نديرو ليكم سيرو نتاحرو). ووضعت نفسها فوق النبي الكريم، الذي قطب في وجه الاعمي إذ أنزل الله سبحانه وتعالى توبيخا صريحا لنبيه الكريم حينما قام بتقطيب جبينه في وجه عبد الله ابن مكتوم، فقال الله سبحانه وتعالى : {عَبَسَ وَتَوَلَّى، أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى}. ولم تحترم الحكومة أيضا في نونبر الماضي بمراكش افتتاح المنتدى العالمي لحقوق الإنسان، لما منعت قوات الأمن العمومي التنسيقية الوطنية للمعاقين من حرية التجوال و التنقل وقامت بمحاصرتهم بالقرب من المحطة الطرقية ومنعت الصحافيين من الاقتراب من المكان ومنعتهم من تصوير المعاقين!!. هناك قاعدة أبسط من الدموع يمكن على أساسها مناقشة السياسة الحكومية، وهي الحق المخول لهذه الفئة بالاستفادة من 7% من مجموع المناصب المالية في إدارات الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية ورفضت وزارة الداخلية ووزارة التربية الوطنية والتكوين المهني تطبيقها. المعاقون أو ذوو الحاجيات الخاصة موجودون منذ ما يزيد عن أربع سنوات في الشارع العام، ينشطون دورة الاحتجاج والمطالبة بالتوظيف ومتشبثين بالإدماج المباشر الذي يعتبرونه الحل الوحيد والناجع للاستفادة من حق هو لهم. ليس المجال للتنكيت أو التبكيت، ولا بوضع ..العاطفة مقابل العقل، بل لنا في الالتزامات الحكومية نفسها قاعدة للحكم على السياسة العمومية، ومنها ما قررته حكومة نبكيران نفسها. وكان حريا به أن يجيب المهتمين والنواب والمعنيين عن مآل 50 مليون درهم مغربي، قررتها الحكومة حول تنفيذ التزاماتها الاجتماعية «هذا الصندوق الجديد لوزارة الأسرة والمرأة والتضامن والتنمية الاجتماعية، الذي يترجم التزام الدولة برمتها والمجتمع معها من خلال المادة 34 من الدستور المغربي التي تنص على "حث السلطات العمومية - الحكومة - على وضع سياسات، تيسر تمتع الأشخاص، في وضعية إعاقة بالحقوق والحريات المعترف بها للجميع». وتتوزع ميزانية هذا الصندوق على 25 مليون درهم مغربي لتحسين ظروف تعليم الأطفال المعاقين، و6 ملايين درهم مغربي، «لشراء الأجهزة الخاصة والمساعدات التقنية»، و5 ملايين درهم مغربي مخصصة ل«تشجيع الاندماج المهني والأنشطة المدرة للدخل»، إلى جانب 14 مليون درهم مغربي، للمساهمة في «إحداث وتسيير وتأهيل مراكز الاستقبال» ذوي الاحتياجات الخاصة. من مكر البكاء أنه يضع الذي يسعى إلى التعليق السياسي في َوضع إعاقة» هو نفسه:إذا لم تحترم الدموع، فأنت قلبك قاسي، وقلبك غلف، وصم وبكم وعمي، إلخ إلخ... وإذا انسقت إلى التفاعل معها، تجد أنك تنسى رئيس الحكومة والموضوع الذي يفرضه عليه موقعه، وتعوضه بالتعاطف ما يجب أن يكون انتقادا سياسيا! هل يمكن أن تمنعنا السياسية، من الدموع، ومن العاطفة ومن العواطف الجياشة؟ لا يمكن أن أدعي، ومنهم كاتب هذه السطور، أنه لم يبك في لحظة إنسانية تخطف العقل، بسبب السياسة أو السياسيين، وكثيرا ما نحيل على «المناضل» السياسي أكثر مما نحيل على السياسي،عندما ننساق مع شرايين القلب.. وقد حدث لي أن رأيت الدموع في أعين شخاص اعتقدت لمدة أن شرايينهم من أسلاك معدنية أو بلاستيك، وأن التفكير بوجود دموع في مآقيهم مجازفة بإعطائهم عواطف إنسانية غير مضمونه، ولكن في لحظات من «الاغتيال السياسي أو المعنوي»، في لحظات التلاشي العام نفقد القدرة على أن نضع الحدود بين السياسة والدموع، وفي هذه الحالة نقر بوضوح بأننا عاجزون عن سياسة لا نجد أمامها سوى الدموع. إن الجواب عن سؤال الفصل بين المشهدين السياسي والعاطفي، لا يمكن أن يكون بالسلب إطلاقا، ولكن المسؤولية قد تفعل ذلك.. وفي النهاية، ما مصير كل الدموع التي لا نذرفها، وتبقى في المحاجر وما مصير دموع الشعوب التي لا تدركها الكاميرا يا ترى؟