توقيف شاب بالخميسات بتهمة السكر العلني وتهديد حياة المواطنين    بعد عودته من معسكر "الأسود".. أنشيلوتي: إبراهيم دياز في حالة غير عادية    «كوب-29».. الموافقة على «ما لا يقل» عن 300 مليار دولار سنويا من التمويلات المناخية لفائدة البلدان النامية    مقتل حاخام إسرائيلي في الإمارات.. تل أبيب تندد وتصف العملية ب"الإرهابية"    نظام العالم الآخر بين الصدمة والتكرار الخاطئ.. المغرب اليوم يقف أكثر قوة ووحدة من أي وقت مضى    الدرهم "شبه مستقر" مقابل الأورو    الكويت: تكريم معهد محمد السادس للقراءات والدراسات القرآنية كأفضل جهة قرآنية بالعالم الإسلامي    هزة أرضية تضرب الحسيمة    المضامين الرئيسية لاتفاق "كوب 29"    حارس اتحاد طنجة الشاب ريان أزواغ يتلقى دعما نفسيا بعد مباراة الديربي    نهيان بن مبارك يفتتح فعاليات المؤتمر السادس لمستجدات الطب الباطني 2024    مع تزايد قياسي في عدد السياح الروس.. فنادق أكادير وسوس ماسة تعلم موظفيها اللغة الروسية    شبكة مغربية موريتانية لمراكز الدراسات    ارتفاع حصيلة الحرب في قطاع غزة    افتتاح 5 مراكز صحية بجهة الداخلة    إقليم الحوز.. استفادة أزيد من 500 شخص بجماعة أنكال من خدمات قافلة طبية    تنوع الألوان الموسيقية يزين ختام مهرجان "فيزا فور ميوزيك" بالرباط    خيي أحسن ممثل في مهرجان القاهرة    الصحة العالمية: جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة        نادي عمل بلقصيري يفك ارتباطه بالمدرب عثمان الذهبي بالتراضي    مدرب كريستال بالاس يكشف مستجدات الحالة الصحية لشادي رياض    توقعات أحوال الطقس لليوم الأحد    مواقف زياش من القضية الفلسطينية تثير الجدل في هولندا    بنكيران: مساندة المغرب لفلسطين أقل مما كانت عليه في السابق والمحور الشيعي هو من يساند غزة بعد تخلي دول الجوار    بعد الساكنة.. المغرب يطلق الإحصاء الشامل للماشية    الإعلام البريطاني يعتبر قرار الجنائية الدولية في حق نتنياهو وغالانت "غير مسبوق"    موجة نزوح جديدة بعد أوامر إسرائيلية بإخلاء حي في غزة    الدكتور محمد نوفل عامر يحصل على الدكتوراه في القانون بميزة مشرف جدا    فعاليات الملتقى العربي الثاني للتنمية السياحية    ما هو القاسم المشترك بيننا نحن المغاربة؟ هل هو الوطن أم الدين؟ طبعا المشترك بيننا هو الوطن..    الأمن الإقليمي بالعرائش يحبط محاولة هجرة غير شرعية لخمسة قاصرين مغاربة    موسكو تورد 222 ألف طن من القمح إلى الأسواق المغربية    ثلاثة من أبناء أشهر رجال الأعمال البارزين في المغرب قيد الاعتقال بتهمة العنف والاعتداء والاغتصاب        ⁠الفنان المغربي عادل شهير يطرح فيديو كليب "ياللوبانة"    عمر حجيرة يترأس دورة المجلس الاقليمي لحزب الاستقلال بوجدة    ترامب يستكمل تشكيلة حكومته باختيار بروك رولينز وزيرة للزراعة    أفاية ينتقد "تسطيح النقاش العمومي" وضعف "النقد الجدّي" بالمغرب    مظلات ومفاتيح وحيوانات.. شرطة طوكيو تتجند للعثور على المفقودات    الغش في زيت الزيتون يصل إلى البرلمان    "طنجة المتوسط" يرفع رقم معاملاته لما يفوق 3 مليارات درهم في 9 أشهر فقط    المغرب يرفع حصته من سمك أبو سيف في شمال الأطلسي وسمك التونة    دولة بنما تقطع علاقاتها مع جمهورية الوهم وانتصار جديد للدبلوماسية المغربية    قوات الأمن الأردنية تعلن قتل شخص بعد إطلاقه النار في محيط السفارة الإسرائيلية    المغرب يعزز دوره القيادي عالميا في مكافحة الإرهاب بفضل خبرة وكفاءة أجهزته الأمنية والاستخباراتية    هزة ارضية تضرب نواحي إقليم الحسيمة    لقجع وبوريطة يؤكدان "التزام" وزارتهما بتنزيل تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية بالمالية والخارجية    المخرج المغربي الإدريسي يعتلي منصة التتويج في اختتام مهرجان أجيال السينمائي    حفل يكرم الفنان الراحل حسن ميكري بالدار البيضاء    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفلسفة لعامّة الناس.. عن القيمة اليومية للفلسفة

يتناول برتراند راسل في واحدة من مقالاته المنشورة عام 1946 السؤال الجوهري عن أهمية الفلسفة و التساؤلات الفلسفية و ينتهي بنتيجة تناوله إلى وجهين متلازمين لأهمية الفلسفة في حياتنا : أهمية كونية وأخرى يومية مع التأكيد على الاشتباك المحكم للاهتمام الكوني مع اليومي في تركيبة واحدة ، ولست أغالي إذا قلت أن أهمية الفلسفة كقيمة يومية في حياتنا - نحن الشعوب المبتلاة بتسلّط الأفكار الطغيانية السياسية والدينية - تتعدى أهميتها الكونية بالنسبة إلى شعوب العالم السباقة في التحضّر والارتقاء بسبب أن الفلسفة قرينة الشك والبحث و الاستقصاء المستديم وعدم الركون إلى المواضعات الجاهزة والمريحة للعقول الراكدة والتي توفرها النظم الدينية والسياسية ذات الطبيعة الشمولية القامعة .
هذه ترجمة لمقالة ثانية كتبتها ( كلير كارليسل ) ونشرتها في صحيفة ( الغارديان ) البريطانية في 6 كانون الثاني 2014 في سلسلة مقالاتها عن جوانب من فكر الفيلسوف البريطاني الأشهر برتراند راسل.
ثمّة شعور طاغِ ينتاب مدرّسي الفلسفة ومريديها اليوم يرى أن الفلسفة قد أضحت في مرمى نار التهديد لا بسبب نقص برامج التمويل الخاصة بدراستها وحسب بل بسبب الانزياح الثقافي المتعاظم والذي بات يحسب القيمة تبعاً لمفردات البراغماتية والعوائد المالية المترتّبة عليها . ولكننا - نحن رهط الفلاسفة ومحبّيها ? إذا ما حاولنا الدفاع عن الفلسفة بكونها اشتغالاً معرفياً عظيم الأهمية فإن مساءلة عظمة الفلسفة غالباً ما تشتبك مع مسألة أهميتنا نحن !! .
لنكن اكثر وضوحاً ودقّة : قد يحصل تصوّر ما أننا عندما نحاجج في أهمية الفلسفة يبدو الأمر أحياناً وكأننا ندافع عن وظائفنا ومصادر دخلنا التي تكفل لنا حياة جيدة ، وهنا يبدو الامر باعثاً على السخرية حقاً فلطالما رأى الفلاسفة في أنفسهم مفكّرين يبتغون الموضوعية الأسمى في كل الموضوعات التي يتناولونها ، وانا لست هنا في معرض أن أقول أو أقترح شيئاً من قبيل أن الفلاسفة ينبغي لهم أن يكفّوا عن توكيد موضوعة قيمة الفلسفة أو تقليل شأن زهوهم بما يحوزونه من ذخيرة معرفية شاملة في مقاربة تأريخ الأفكار والشخصيات الفلسفية ، بل أقول أن كوننا فلاسفة نبتغي وجهة الموضوعية في كل ما نعتقد هو سبب كاف ومعقول لكي نستمع إلى ما يقوله الفيلسوف البريطاني برتراند راسل بخصوص موضوعة أهمية الفلسفة .
لم يكن راسل فيلسوفاً وحسب بل كان أكثر من فيلسوف : فقد كان عالم رياضيات ، وداعية سلام ، ومعلّماً ، وعارضاً للأفكار العلمية الحديثة لعامة الناس ، وناقداً ثقافياً وأدبياً ، ومن المؤكد أن هذا الطيف الواسع من الاشتغالات يمنحه القدرة للتعليق على أهمية الفلسفة و بخاصة إذا ما علمنا انه كان يميل كثيراً إلى تأكيد علاقة الفلسفة مع كل أنماط التساؤلات والاشتغالات المعرفية الأخرى . وقد أبان راسل ذاته في غير موضع أنه كان لصيقاً بالحقيقة ومكرساً كل حياته في السعي الدؤوب نحوها حتى في تلك الظروف التي تسبّب فيها سعيه هذا في إرباك حياته المهنية المريحة أو اضطراره لمراجعة أفكاره التي كان يعتقد بها في فترات مبكرة من حياته .
يناقش راسل في مقالة نشرها عام 1946 بعنوان ( الفلسفة لعامّة الناس Philosophy for Laymen ) طبيعة الفلسفة وأهميتها و الغرض المرجوّ من ورائها ، ويسرد راسل قائمة من التساؤلات التي تنتمي لفضاء الاشتغال الفلسفي : هل يمكننا ان نغالب الموت ؟ وهل يمكن للعقل ان تكون له الغلبة على المادة أم ان العكس هو ما يحصل أم ان كلاً منهما يعمل في إطار استقلالية محدودة ؟ وهل ثمة من غرض ما في الكون أم أنه يدار من طرف الضرورة العمياء ؟ وهل أن ما نظنّه فوضى شاملة في القوانين الفيزيائية الحاكمة للظواهر الطبيعية هو محض فنتازيا تعكس تعلّقنا المهووس بالنظام الذي نبتغيه في الطبيعة ؟ وهل ثمة من مخطط كوني ما ينظم حياتنا ؟ . إن من المثير للغاية ان نرى راسل في مقالته هذه يضع في بؤرة الاهتمام الأسئلة الكونية للفلسفة والتي قد يظنّها الكثيرون محض انشغالات دينية وحسب ، ومع أن راسل يؤكّد موقف الفلسفة غير القادر على اجتراح إجابات مقبولة وحاسمة لهكذا طائفة من الأسئلة لكنه يمضي في القول « إن الحياة البشرية سيطولها فقر شديد لو أن هذه الأسئلة وامثالها تم تجاهلها ، أو ان إجابات مبتسرة لها قد قبلت من غير أسانيد كافية « ، وهنا يشير راسل إلى أن واحداً من أهم أغراض الفلسفة هو ان تديم شعلة الاهتمام بهكذا أسئلة كونية وأن تمحّص في أية إجابة متوقّعة لها . يعيد راسل في جانب آخر من مقالته التوهّج إلى الفكرة الراسخة في القدم والقائلة ان الفلسفة هي طريقة حياة تؤكّد على موضوعات المعنى والقيمة الكونيتين وترى في هاتين الموضوعتين أسبقية وجودية وأخلاقية وروحية ، ويعيد راسل تذكيرنا بأن سقراط يجادل في جمهوريته أن سعي الفلاسفة وراء الحقيقة يستلزم إعادة توجيه الروح باتجاه كل ما هو خيّر وما يترتب على هذا التوجه من ممكنات للفعل ، ويطوّر أرسطو من جانب آخر مفهوم أخلاقيات الفضيلة Virtue Ethics التي ترينا كيف يمكن لصفاتنا ان تتشكّل تبعاً لما هو خيّر لنا ولسعادتنا ككائنات بشرية ، وهنا يشير راسل إلى التمايز الحاسم بين المقاربتين الفلسفية والدينية للحياة الخيّرة : الفلسفة ترفض أية وصاية لسلطة تأسّست على تقاليد راسخة أو كتاب مقدّس ، وأن الفيلسوف لا ينبغي له أن يقيم كنيسة ليتعبّد فيها مريدو الفلسفة وعشّاقها !! .
يرى راسل بوضوح صارم أن النزعة الشمولية Authoritarianism تمثل جوهر الأساس الذي يتأسّس عليه أي دين ، ويؤكّد أن فلسفته ستعدّ مضادة للرؤية الدينية بالقياس إلى هذه المرجعية لأنه يرى أن الشك المؤسّس على مرجعيات أخلاقية هو في القلب من كل فلسفة ترمي لان تكون فلسفة ترتقي بنوعية حياة الفرد التي يرى راسل أن الفلسفة ينبغي ان تقودها إلى السلام والصفاء الداخلي وهو الامر الذي سيقود في النتيجة إلى السلام في كل العالم ، وهنا يكتب راسل «الدوغمائية عدوّة السلام وحاجز عصيّ الاختراق أمام الديمقراطية « ، ويضيف قائلاً « إن قدراً ضئيلاً من التدريب والمران الفلسفي سيعلّمنا كيف أن الغباوة المتعطشة للدماء يوعظ بها كل آن تحت ستار تحقيق المصالح القومية والعقلانية والطائفية ، والأغرب من كل هذا ، الديمقراطية « ، و يشير راسل في موضع من مقالته إلى واحدة من أجمل كشوفاته الفلسفية عندما يكتب « أن نتحمّل التعامل في إطار من عدم اليقين فذاك أمر شاق للغاية ، ولكن تحمّل مشاق امتلاك بقية الفضائل هو بذات القدر من الصعوبة لأن تعلّم كل فضيلة لا بد ان يترافق مع قدر غير قليل من الإنضباط والصرامة «.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.