نهاية محزنة ومؤثرة، تلك التي انتهى بها مسلسل الولي الصالح بويا عمر بعد سنين من المقاومة والتصدي لكل يد تريد أن تعبث بكرامة هذا الرجل التقي الورع صحبة أهله وذويه وشركائه. وفعلا الشجرة لا يسقطها سوى المذنبون، وهذا ما كان منتظرا من هذا الفيلم التشويقي لرحلة ولي صالح خرج ذات يوم من أجل البحث عن مكان للتعبد ولقاء الله، وبالفعل استقر بأرض كانت قاحلة وخالية من البشر وعائمة بالماء والأشجار والطيور، إنها جنة الولي التي هبط بها كالعريس بثوبه الأبيض والأخضر يعلن الحب والإخاء والسلام. بنى مسكنه من طين، وهو يرفع وجه للسماء، لم تكن سوى الطيور تحلق احتفاء به، وكل عيون الماء كانت تنقل تنهيداته الصوفية وتحملها إلى المناطق المحيطة، لتسقي بها أراضيها الشاسعة وقلوبها الظمآنة لحروف القرآن وقصصه الساحرة، إنها بداية ميلاد تاريخ رجل سيملأ إسمه المكان والزمان. وماهي إلا أيام قليلة، حتى آنتشر الخبر بين الناس، عمت الفرحة بقدوم رجل ثقي يدعوا معهم وعليهم إصلاح الحال والأحوال ونبت الغرس والأولاد، فتحركوا أفرادا وزرافات للحج إليه والتبرك من كراماته والإعلان عن مؤازرته وإعلاء شوكته في السراء والضراء. لم يمض كثيرا من الوقت، حتى أصبح الرجل صوت المنطقة ومعلمهم، وخبيرهم في شؤون الدنيا والآخرة ولم يهتم يوما بزغاريدهم وهتافاتهم، فقد كان حريصا على الآخرة أكثر من حرصه على شيء آخر، فكانت تجارته هي العبادة والقرآن بعيدا عن صخب الولاءات والانتماءات، فداع صيته، وزف خبر ورعه كل الأرجاء . ومرت الأيام والسنين، فكبرت شجرة الرجل، وأصبح أتباعه تقوى شوكتهم بزهده وبركاته، فتحولت الأرض التي نزل بها إلى مكان للتعبد وقضاء الحاجات الأخروية التي كانت جد مستعصية، لايطالها إلا ناسك متعبد حقيقي. وهاهو الرجل، بويا عمر، كان صورة مشرفة ومشرقة لهذه الرسالة التعبدية. مات الولي عاش الولي، هذا هو الشعار الذي رفعه حفدته بعد وفاته ، عندما جعلوا من قبره وساطة خير وصدقة بين الزوار والله، ما أعسرها من مهمة عندما يموت الرجل ويتم البيع والشراء بتراثه التعبدي، هذه هي التهمة التي لاحقت أحفاده ومريديه كل هذه السنين، وجعلتهم في محك قاس بعدما تبين البون الشاسع فترة حياته وبعد مماته. ولعل زيارة بسيطة لعين المكان، قد تأخذك الرهبة والخوف، وقد لاتصدق نفسك أنك في حضرة ولي صالح، كان منهجه الرحمة والعطف، عندما تتلألأ أما عينيك مشاهد رجال وماهم برجال، نساء لايشبهون النساء في شيء، شباب فتكت الأيام من ملامحهم البارزة ، وتحولوا إلى شيوخ من حمرة عيونهم ، كل شيء يبدوا مختلفا مقززا يبعث على الموت القريب، إننا فعلا في حضرة الموت. المساكن هي الأخرى لا تشبه المساكن، والظلمة سيدة المكان، والسلاسل هو شعار المحبة بين المرضى والمفجوعين، الجوع رجل كافر هو الآخر ضيف يحل بين ظهرانيهم ربيعا وشتاء، ومن يريد أن يتعلم القسوة، فالمكان شلال متدفق من الجنون والقسوة . وطقوس الفرجة انتشرت كما تنتشر النار في الهشيم، كل الأبواب تنفتح في وجهك للمتعة بمقابل سخي. إنها سوق سوداء مع سبق الإصرار والترصد. فالجسد أضحى سيد الفرجة بعد ما كانت الروح تفوح من كل الأمكنة والسواقي، غريب حتى الماء تغير لونه وطعمه ، فالكل يتحدث عن الصندوق السحري، وثمن الرقصات والجذبات، وعدد الليالي التي سوف يقضيها الزائر ويستمتع بها من آهات المعذبين النائمين بقربهم. غريب، الجميع يقتات من عذابهم وأغلالهم الصدئة. ومن مكر الصدف أن الزوار سيحرمون ابتداء من السنة القادمة من هذه المشاهد المثيرة والغريبة، عندما يتم ترحيل المرضى في الصباح الباكر بعد أن دخلوا في الليل خلسة، وبذلك سيضطرون للبحث عن قبلة أخرى، عن شبقية ومتعة في مكان أخر، عن ضحايا جدد، وعن رجل آخر يدنسون قبره . كاتب صحافي