يبدو قطعا أن مويس بوتان المحامي الفرنسي للشهيد المهدي بن بركة لم يتعب ولن يتعب أبدا من قضية اختطاف واغتيال عريس الشهداء المغاربة التي اعتبرها طول حياته منذ أول محاكمة في باريس سنة 1966 إلى يوم الجمعة 21 نونبر 2014 الذي جاء فيه للمغرب من أجل توقيع كتابه ?الحسن الثاني..ديغول بن بركة ما أعرف عنهم?، وذلك بنادي المحامين بالرباط. ويسترسل بوتان في كتابه عن الوقائع التي حكاها حميد برادة له « كنت حينها أشغل منصب السكرتير العام لكونفدرالية طلبة المغرب العربي، وهو منصب نشغله بالتناوب. تلقى المكتب التنفيذي لجمعيتنا دعوة للمشاركة في الرباط في يوم دراسي حول القمع والتعذيب، إلى جانب أنشطة أخرى. وتمت المصادقة على اقتراح تعديل في السياسة العامة ينص على أن ?العائق الوحيد أمام بناء المغرب العربي هو الملكية المغربية?. حررت النص ليلا». وفي الصباح، نظمت الكونفدرالية ندوة صحفية حضرها مراسل لوموند لويس غرافييLouis Gravier قرأت النص بصفتي اللسان الناطق باسم الكونفدرالية. وفي صباح اليوم الموالي، وصلت الجريدة إلى الرباط، تتضمن تغطية عن الندوة، ويشار فيها ببساطة إلى أن ?حميد برادة يصرح بالرباط ...?! (...) ذهبت عند عمر الفاسي، وقررنا الاتصال بجان لاكوتور Jean Lacouture لنطلب منه إصدار استدراك في الجريدة. وبالقرب من مقر الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، وجدت شخصا في انتظاري، المدعو الراشدي الذي سيصبح نائبا برلمانيا فيما بعد عن التجمع الوطني للأحرار. وكان هناك أيضا شرطيان. ?هاهو برادة الذي تبحثان عنه?. طردت الراشدي من المقر، ودخل الشرطيان إلى مكتبي وطلبا مني أن أتبعهما. لم يكن لديهما أمر من النيابة العامة باعتقالي، لهذا رفضت. وتعالى السب والشتم من هذا الجانب وذاك، وتدخل شخص قائلا: ?نحن لا نبحث عنك، بل عن أحد الجزائريين وهو عبد الكريم?. تعهدت بالإفضاء لهم بكل ما أعرف عنه، انتظرت حتى خروج عمر الفاسي والشرطيين، وقفزت من النافذة المطلة على أحد مرافق المقر. تنكرت في هيئة امرأة، واجتزت حواجز الشرطة دون أي صعوبة. صدر عن الرفاق بلاغ يذكر أن ?حميد برادة قد اختطف?. ولم يتأخر جواب وزير التربية الوطنية: ?بل إنه اعتقل وسيخضع للمحاكمة وفق ما ينص على ذلك القانون، وسيكون بإمكانه الدفاع عن نفسه?. وفي الواقع، فإن الوزير كان يستبق الأحداث. اختبأت في منزل والدي يومين أو ثلاثة. كان الجميع قلق على مصيري. وحده عمر الفاسي كان على بينة مما وقع. وبقيت مختبئا في منزل فرنسيين كانوا في عطلة. وساعدني صديق فرنسي ديلا سودا Della Sudda على مغادرة المغرب سرا. وفور وصولي إلى الجزائر العاصمة، تناهى إلى علمي إصدار شبيبة جبهة التحرير الجزائرية نداء إلى الشباب المغربي قصد التنديد ?بحرب الرمال? التي يتواجه فيها إخوة أشقاء. اتصلت بعضو المكتب التنفيذي للاتحاد الوطني لطلبة المغرب فتح الله ولعلو الذي بلغني موافقة المكتب على تفويضي صلاحية التحدث باسم المنظمة مع رفاقنا الجزائريين. وفي مساء ذلك اليوم، ألقيت خطابا شديد اللهجة ضد سياسة الحسن الثاني. وبضعة أيام بعد ذلك، أصدرت المحكمة العسكرية بالرباط في حقي حكما بالإعدام غيابيا بسبب ?المس بالأمن الخارجي للدولة، والخيانة في فترة الحرب?! وفي نفس اليوم، حكم على المهدي بن بركة بالإعدام أيضا. وقد كان ألقى خطابا في القاهرة بنفس التوجه و المضامين، رغم أننا لم ننسق فيما بيننا?.