يبدو قطعا أن مويس بوتان المحامي الفرنسي للشهيد المهدي بن بركة لم يتعب ولن يتعب أبدا من قضية اختطاف واغتيال عريس الشهداء المغاربة التي اعتبرها طول حياته منذ أول محاكمة في باريس سنة 1966 إلى يوم الجمعة 21 نونبر 2014 الذي جاء فيه للمغرب من أجل توقيع كتابه ?الحسن الثاني..ديغول بن بركة ما أعرف عنهم?، وذلك بنادي المحامين بالرباط. لم تكن رغبة لموريس بوتان محامي الشهيد المهدي بن بركة أن يثير قضية المقاوم أجار الملقب بسعيد بونعيلات وأحمد بنجلون شقيق عمر بن جلون اللذان تم القبض عليهما في اسبانيا، في كتابه ?الحسن الثاني دوغول..بن بركة ما أعرف عنهم?، لكن السبب الذي جعله يستعرضها، هو المنع من الدخول إلى المغرب الصادر ،على حد تعبير المؤلف, ?عن الحسن الثاني لا أفقير كما أخبرني مصدر رفيع المستوى؟ والسبب بسيط هو أنني أقحمت شخصيا في هذه القضية?. وكشف بوتان أن الأوساط السياسية بالمغرب قد تلقت خبرا عن طريق الصحافة نزل عليها كالصاعقة، بطله حكومة الجنرال فرنكو التي سلمت الحسن الثاني دون محاكمة مناضلين من الاتحاد الوطني للقوات الشعبية اعتقلتهما خمسة عشر يوما قبل ذلك بمدريد، ويقصد أجار وبن جلون، وبالنسبة لبوتان على أن هذه عملية اختطاف مماثلة لعملية اختطاف بن بركة، ولكن هذه المرة جهارا ونهار بين جهازين من الشرطة ينتميان لدولتين متعاونتين أمنيا. ويوضح صاحب الكتاب أن الأمر يتعلق بمحمد أجار أحد اكبر زعماء المقاومة في عهد الحماية، الشهير باسم ?سعيد بونعيلات? المحكوم عليه بالإعدام الذي التجأ إلى شمال المغرب التابع أنئد للحماية الاسبانية، وهناك ساهم في إنشاء جيش التحرير المغربي، وفي سنة 1959 ساهم إلى جانب المهدي بن بركة في خلق الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وفي 1963 نجا من المصيدة التي نصبتها السلطات اثر ?مؤامرة يوليوز?، والتجأ إلى الجزائر. في ربيع 1964، حكم عليه بالإعدام غيابيا وفي نفس السنة صدر حكم ثان ضده بالإعدام بسبب ?المشاركة في الاضطرابات بالمغرب الشرقي، وبعد توقيع المغرب والجزائر اتفاقية حسن الجوار، لم يعد بونعيلات مطمئنا على سلامته واختار اللجوء إلى اسبانيا واستقر باسبانيا معتزلا السياسة تماما. ويحكي بوتان كيف تم إلقاء القبض على أحمد بنجلون الذي كان يقيم في بيت بونعيلات، الذي كان باسبانيا من أجل إجراء مفاوضات حول اقتناء أسلحة خفيفة لصالح الفدائيين الفلسطينيين، في شهر يناير 1970 اقتحم رجال شرطة بزي مدني منزل أجار في الصباح الباكر، وألقوا القبض على الرجلين، وكان من المقرر تسليمهما توا إلى الشرطة المغربية، بيد أن حادثا قلب الأمور رأسا على عقب، ففي اليوم السابق على العملية، حلت زوجة المناضل القديم بمدريد دون إعلام مسبق وكانت توجد في غرفة أخرى عندما اعتقل زوجها. ويسترسل بوتان في حكاية اعتقال أجار وبنجلون، كانت أول فكرة خطرت على بال زوجة أجار وهي ترى ما يقع لزوجها، أن هناك محاولة لتكرار سيناريو اختطاف المهدي بن بركة، فسارعت إلى حيث يقف رجال الشرطة، ورمت بنفسها على الأرض تصرخ بأعلى صوتها بالاسبانية، نظرا لكونها تنحذر من مدينة تطوان، وكان غرضها إيقاظ الجيران وجعلهم يتفطنون إلى ما يقع، ونجحت خطتها وفوجئ أفراد الشرطة مما اضطرهم لاعتقالها برفقة زوجها، ولم يعد بإمكانهم تسليم أجار إلى رجال الشرطة خفية. ويشهد بوتان أنه بمجرد إعلان اعتقال بونعيلات وبنجلون، سافر عبد الرحمان اليوسفي الذي كان يعيش في كان الفرنسية توا إلى باريس، وطلب منه الالتحاق على وجه السرعة بمدريد لاستجلاء الوقائع، وتنصيب محامين اسبان. وبدل أقصى الجهود لمنع تسليم أجار للسلطات المغربية، وبالفعل اتصلت بزملائي الاسبان بهيئة مدريد خاصة الأستاذ خوان مولا لوبيز الذي ناب منذ الأيام الأولى للدفاع عن المعتقلين وهو الذي أبلغ بوتان الخبر الحزين، الرجلان قد تم تسليمهما للسلطات المغربية وفي هذا خرق سافر للقانون الاسباني، يقول بوتان. وينهي بوتان هذه القضية بأنه كان لزاما على زوجة بونعيلات الانتظار شهورا طويلة قبل أن تعرف أن زوجها مازال على قيد الحياة وظل كل من أجار وبنجلون طوال مدة الاحتجاز معصوبي العينين ومقيدي اليدين والقدمين...