تأتي جولة العاهل المغربي محمد السادس الجديدة إلى أربع دول إفريقية (على رأس وفد كبير من الوزراء ورجال الأعمال ورؤساء الأبناك)، لتعيد إلى الواجهة، رسوخ الإستراتيجية الإفريقية للمغرب، ضمن أفق عمقه الحيوي لمنطقة غرب إفريقيا. ولعل العلامة البارزة في هذه الجولة الجديدة، ليس فقط حجم ونوعية المشاريع المعلن عنها، التي وقعها المسؤولون المغاربة مع نظرائهم في تلك البلاد الأربع (مثلا المشاريع الموقعة مع السينغال ومع ساحل العاج، هي من نوع المشاريع المهيكلة للتنمية في هذين البلدين المحوريين في علاقات المغرب التاريخية مع عمقه الإفريقي، مع امتياز تاريخي آخر للغابون). أقول، إن العلامة البارزة، ليس ذلك فقط، بل إنها كامنة في القيام بأول زيارة إلى دولة غينيا بيساو، التي ظلت تعتبر خارج رادرات التواصل المغربي إفريقيا لعقود، بسبب عدم اندراجها ضمن المجموعة الفرانكوفونية. مما يجعل هذه الزيارة تاريخية، ليس عند أهل غينيا بيساو الطيبين، فقط، بل حتى عندنا مغربيا. تأتي جولة العاهل المغربي محمد السادس الجديدة إلى أربع دول إفريقية (على رأس وفد كبير من الوزراء ورجال الأعمال ورؤساء الأبناك)، لتعيد إلى الواجهة، رسوخ الإستراتيجية الإفريقية للمغرب، ضمن أفق عمقه الحيوي لمنطقة غرب إفريقيا. ولعل العلامة البارزة في هذه الجولة الجديدة، ليس فقط حجم ونوعية المشاريع المعلن عنها، التي وقعها المسؤولون المغاربة مع نظرائهم في تلك البلاد الأربع (مثلا المشاريع الموقعة مع السينغال ومع ساحل العاج، هي من نوع المشاريع المهيكلة للتنمية في هذين البلدين المحوريين في علاقات المغرب التاريخية مع عمقه الإفريقي، مع امتياز تاريخي آخر للغابون). أقول، إن العلامة البارزة، ليس ذلك فقط، بل إنها كامنة في القيام بأول زيارة إلى دولة غينيا بيساو، التي ظلت تعتبر خارج رادرات التواصل المغربي إفريقيا لعقود، بسبب عدم اندراجها ضمن المجموعة الفرانكوفونية. مما يجعل هذه الزيارة تاريخية، ليس عند أهل غينيا بيساو الطيبين، فقط، بل حتى عندنا مغربيا. وهي لوحدها تقدم العنوان على أن استراتيجية المغرب الإفريقية، منذ 15 سنة، مختلفة عن كل العقود السابقة. (هنا مهم التذكير بالدور الذي لعبه المغرب، من خلال مساهمته في تأسيس «تجمع دول الساحل» الذي كان قد لعب فيه الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي، من موقعه كوزير أول في بداية الألفية الجديدة، دورا مؤثرا. وكذا زيارته رفقة وفد حكومي وازن إلى 4 دول إفريقية جنوب الصحراء، الذي كان بمنطق الدولة، متكاملا ومعضدا ومرسخا للإستراتيجية التواصلية للمغرب بزعامة العاهل المغرب الجديد محمد السادس مع عمقه الإفريقي). بالتالي، فإن الزيارة الملكية الجديدة هذه، هي ترجمان، للتبدل الجوهري الذي طال استراتيجية الرباط، كدولة ذات سيادة، في علاقتها مع جدرها الإفريقي. وفي مكان ما، كانت تحركات العاهل المغربي، في العاصمة بيساو، وقبلها في السنغال، وبعدها في ساحل العاج، تعيد إلى الذاكرة الخصبة، الحية، البهية، المعتزة بالمنجز الوطني المغربي في الذاكرة الإفريقية، كبلد مؤسس لتيار الوحدة الإفريقية الحر.. أقول، كانت تعيد أثر صورة الملك الوطني محمد الخامس، ذلك العاهل المغربي الذي كان من زعماء إفريقيا الأحرار، الذي نسج في سنوات قليلة (57/60)، أثرا للمغرب في كامل قارة السوداء، كأمل لقائد يبني مستقبلا واعدا لأحرار إفريقيا. ولعل ما يقلق الكثير ممن يزعجهم تراكم الفعل التعاوني «جنوب / جنوب»، هو الرمزية التي أصبح يقدمها المغرب، دولة ومجمتع، من خلال تحركات عاهله، بصفته رئيس الدولة دستوريا، في إفريقيا الجديدة القادمة، التي بدأت تحقق تصالحا مع المستقبل تنمويا وتدبيريا مختلف عن «انطلاقتها الخاطئة» التي طوحت بها في مهاوي التخلف والعنف والإستبداد بعد الإستقلالات من الإستعمار (ونحن هنا إنما نستعير عنوان كتاب الخبير الإقتصادي الفرنسي ريمون ديمون، الصادر في أواسط الستينات تحت نفس العنوان «انطلاقة خاطئة لإفريقيا). إن أهمية زيارة بلد مثل غينيا بيساو، آتية، من أنها تقدم الدليل الحاسم، على قوة الأثر الروحي للمدرسة الفقهية المغربية، المالكية الأشعرية، وأن لإمارة المؤمنين دورها المؤثر في مصالحة المغرب مع ملايين من الإفريقيين، عبر لعب دور تنويري تربوي، يعزز من التصالح مع الممارسة الدينية من حيث قناة لترسيخ الأمان في الأبدان والأوطان. وأن ذلك يتكامل مع ترسيم تعاون «جنوب/ جنوب»، تحت يقين راسخ ل «رابح / رابح». لأنه بدلا أن يلعن المغرب الظلام، في علاقاته مع عمقه الإفريقي، أو يغرق في خطر وهم ممارسة الخطابة المتعالية، فإنه يوقد شموع الأمل عبر مشاريع تنموية مهيكلة، ميسرة لأسباب الحياة الكريمة، على مستوى البنى التحتية، وعلى مستوى الصحة، وعلى مستوى الفلاحة وعلى مستوى الصيد البحري وأيضا الطاقات المتجددة. وفي غينيا بيساو، البلد المتروك لفقره من قبل كبار إفريقيا (المالكين لثروات البترول والغاز)، يعود المغرب من خلال زيارة العاهل المغربي محمد السادس غير المسبوقة، كما لو ليعيد ربط الصلة بين أطراف ذاكرة الفعل الوطني المغربي الإفريقي البناء منذ نهاية الخمسينات وبداية الستينات، حين كانت المجموعات الإفريقية البرتغالية (أنغولاوغينيا بيساو أساسا)، تجد السند الداعم لها في معركتها من أجل التحرير والحرية في المغرب. وقليل منا اليوم، مثلا، من يعلم أن قادة حركات التحرير في هذه البلدان قد درسوا في الرباط، بل وأن عددا منهم احتضنه المقر المركزي للمنظمة الطلابية المغربية العتيدة الإتحاد الوطني لطلبة المغرب بزنقة لافوازيي بالعاصمة المغربية، قبل أن ترتكب الداخلية المغربية ببلادة تسلط رؤية تدبيرية شمولية حينها، خطأ دفعهم للمغادرة إلى جزائر الرئيس الراحل هواري بومدين. إن إفريقيا الجديدة، تصنع اليوم برؤية جديدة، لا يمكن موضعة جولة العاهل المغربي محمد السادس الجديدة، إلا ضمن أفقها الواعد. تأسيسا على معطى جيو استراتيجي حاسم، هو أن الفضاء الإفريقي والمتوسطي والأطلسي تعيد شعوبه تشكيل اندماجه فعليا في توجه عالمي، بدأ يعلن عن نفسه، كامن في أن مجتمعات الجنوب، قد بدأت تشكل فضاء لاستقطاب ليس فقط الرساميل العالمية، بل أنها ورشة إصلاحات مهيكلة تعلي من مساهمتها التنموية في أفق إقليمي وجهوي، وأنها فضاء لاستقطاب الكفاءات البشرية المهاجرة، كي تصبح فضاء استقرار منتج للثروة لشرائح واسعة من أبناء الجنوب. إن المعنى الذي تعززه وتفرزه هذه الجولة الملكية الجديدة، هو أن اقتصاديات الجنوب، قد بدأت تتحول إلى فضاءات جادبة للأمل في حياة أفضل للملايين من أبناء الجنوب. وفي كل قارة من قارات الكرة الأرضية الخمس، لو تأملنا تطور الوقائع الإقتصادية والسياسية، سنجد أن تمة تجارب مجتمعية تحقق تطورات حاسمة في هذا الإتجاه. ذلك ما يتحقق مع الهند والمجموعة الهندو صينية من النمور الأربع، في أسيا. وذلك ما يحدث مع جنوب إفريقيا ومصر والمغرب في إفريقيا. وذلك ما يحدث مع البرازيل والمكسيك في أمريكا اللاتينية والوسطى. ضمن هذا الأفق، يجب النظر، في ما أتصور، لمعنى ما يؤسس له من تحولات مهيكلة بأفق إفريقي، وباستراتيجية جديدة للتعاون جنوب جنوب.