إن الغموض الذي يلف مشروعنا المجتمعي بخصوص منظومة التربية والتكوين هو المعرقل الأول لنجاح مشاريع المؤسسات والمشاريع الشخصية للتلاميذ والطلبة، كما قال أحدهم نقلا عن «جون كوهن ومارش» (إن الأنظمة التعليمية تعاني من الغموض على أربع مستويات أساسية، يتعلق الأمر بغموض الأهداف الذي يصبح معه تقييم مدى سلامة الأفعال والأنشطة أمرا عسيرا، ويليه غموض السلطة الذي يتجلى من خلال صعوبة تجديد مقدار ما يجب أن يتوفر عليه القائد من سلطة، وأما الغموض الثالث، فإنه يتعلق بتجربة القائد وما يمكن أن يستخلص منها من دروس ، ويأتي الغموض المرتبط بنجاح القائد في المقام الرابع، حيث يكون من الصعب تحديد معايير النجاح والفشل...) فمشاريع مؤسساتنا لم تبرح مكانها ما دمنا نرى فلذات أكبادنا يعرضون عن العلم والتعلم، ونجدهم لا يقدرون العلم حق قدره، ولا يحترمون أهله أدنى احترام/ منافذ شعورهم موصدة، وحواسهم السمعية والبصرية والإدراكية معطلة بما ارتضوه لأنفسهم من ضروب التخدير الحسية والمعنوية وصنوف الموضة المقيتة وما يترتب عن كل ذلك من عنف مادي ونفسي وتعثر وهدر وانقطاع... إن الناظر مليا إلى هذه المظاهر المشينة في مؤسساتنا، يحق له التساؤل عبر استكناه واستكشاف المضمرات الثاوية وراءها، ولا شك في اعتقادي أنه سيسجد الغموض في المرامي والأهداف العامة منها والخاصة بله الإجرائية، وكذا غياب عنصر التحفيز لدى المتعلمين والأطر والمؤسسات التربوية هما السبب الأول في سلم مطبات منظومتنا التربوية، فالمؤسسة التعليمية باعتبارها فضاء للتنشئة الاجتماعية يفترض أن يقوم فيها كل طرف بما تقتضيه اختصاصاته من أساتذة وإداريين وجمعيات آباء وأولياء التلاميذ ومؤطرين وجمعيات المجتمع المدني ومستشاري الإعلام والتوجيه وخلايا اليقظة ومراكز الاستماع والإنصات... لكن، هل يشتغل كل هؤلاء وغيرهم وفق استراتيجية وأهداف واضحة، وهل ثمة تحفيزات من شأنها أن تضمن انخراطهم في هذا الورش الذي نعتبره في الرتبة الثانية بعد الوحدة الترابية، أم أنهم في حيرة من أمرهم ويشيرون ببوصلتهم للجنوب لا للشمال المغناطيسي للإصلاح. أما المشاريع الشخصية للتلاميذ فتتيه بدورها في غياهب الضبابية ودياجير الالتباس، الذي يحصر دور المدرسة في امتلاك جملة من المعارف التي بفضلها يتمكن التلميذ من النجاح في حياته اليوميةّ، بحيث لا يعرف مغزى لوجوده في المؤسسة التعليمة، حيث أن تلقيه لتلك المعارف يتم بمعزل عن التفكير فيما ينتظر في الحياة المهنية والعملية، ولا يتم هذا الاقتران إلا مناسباتيا عند عتبات التوجيه عموما أو عند نهاية التمدرس، وعندئذ يجد التلميذ نفسه جاهلا لذاته وميولاته ورغباته، ومواطن قوته وضعفه, ناهيك عن جهله لما يزخر به المجتمع المحيط به من إمكانات قيد التحول وهو ما يجعل مشروعه الشخصي يفرغ من محتواه. إن من شأن هذه المعطيات والحالة هذه أن يتم توجيه تلامذتنا توجيها خاطئا مبنيا على معطيات واهية وغير دقيقة، ومن شأنها أيضا أن تشكل سببا رئيسيا في هدر الطاقات البشرية، ونجد أنفسنا نعاكس شعارا طالما نتشدق به ألا وهو : (وضع الشخص المناسب في المكان المناسب)، إذ أن كثيرا من الناس وجدوا أنفسهم عن طريق الصدفة في وظائف لا تناسب رغباتهم ولا يجدون متعة في القيام بها، بل تم الزج بهم في أتونها وتم إقحامهم في مصالحها وهم لها كارهون، ومما يزيد الطين بله أن المعول عليهم في توجيه أبنائها يشتكون بدورهم من الغموض والضبابية في مجال تخصصهم، ويقرون على وجود شح في المعلومات المتعلقة بسوق الشغل وعالم المهن مما يجعلهم حائرين معتمدين في أحايين كثيرة على مجهوداتهم الفردية وعلاقاتهم الشخصية للحصول على المعلومات التي يفترض أن يكونوا سباقين للحصول عليها. وخلاصة القول فإن مشاريع المؤسسات والمشاريع الشخصية للمتعلمين لن يكتب لها النجاح ? في اعتقادي- ما لم تستند إلى مشروع مجتمعي واضح المعالم والأهداف ويتحقق التناغم والانسجام بين العام والخاص والمجرد والمحسوس، والنظري والعملي، في إطار مدرسة عمومية تعد ملكا جماعيا ومصلحة وطنية عليا، وقضية مجتمعية مشتركة لا تستأثر بها فئة دون أخرى. أستاذ وباحث تربوي