استهل جلالة الملك جولته الجديدة في إفريقيا، أمس الأربعاء، بزيارته إلى السينغال. وكان بلاغ رسمي لوزارة القصور الملكية والتشريفات والأوسمة قد أكد أن جلالة الملك سيقوم بزيارة عمل وصداقة إلى كل من جمهورية السنغال، جمهورية الكوت ديفوار والجمهورية الغابونية، وكذا بزيارة رسمية إلى جمهورية غينيا بيساو. وأضاف البلاغ أن جلالة الملك سيجري خلال هذه الزيارات، محادثات مع رؤساء هذه الدول الشقيقة، كما ستتم مراسم التوقيع على اتفاقيات ثنائية، وإطلاق مشاريع تعاون تهم التنمية البشرية وتبادل الخبرات، وتعزيز الشراكة الاقتصادية مع هذه الدول. وكان جلالته قد قام في نفس الفترة من السنة الماضية، بجولة إفريقية قادته الى نفس الدول، إضافة الى موريتانيا وتشاد. ويدخل هذا التحرك الملكي صوب دول جنوب الصحراء في إطار الاستراتيجية الجديدة للدبلوماسية المغربية، التي انفتحت بشكل كبير على القارة السمراء، حيث أصبح المغرب فاعلا أساسيا في إفريقيا على المستويين الاقتصادي والسياسي. كما تشكل الجولة الجديدة لجلالة الملك في إفريقيا، مناسبة لتعزيز السعي الملكي من أجل إرساء تنمية متضامنة بإفريقيا، تعزز من ركائزها ريادة جلالة الملك، التي تمنح للمغرب قوة متعددة الأبعاد للانطلاق، مفعمة بالحلول البراغماتية الملموسة من أجل تنمية أكثر تضامنا بالقارة. وتسعى هذه الجولة إلى أن تترجم بالوقائع الملموسة التزاما ملكيا دائما نحو قارة إفريقية فخورة بخصوصياتها الثقافية وهوياتها المتعددة، وتطورها التاريخي ومواردها البشرية والطبيعية، قارة تطمح اليوم إلى أخذ زمام أمورها بيدها، قوية بديناميتها الإيجابية التي تشهدها اليوم في مختلف القطاعات الإنتاجية. كما يتميز الالتزام الملكي نحو إفريقيا بالرؤية الثاقبة لجلالة الملك لجعل التعاون جنوب - جنوب ركيزة أساسية للسياسة الخارجية للمغرب، كما أشار إلى ذلك جلالته في الرسالة التي وجهها إلى منتدى «كرانس مونتانا»، الذي انعقد مؤخرا بمدينة الداخلة. وقال جلالة الملك «وذلكم بالضبط، هو نموذج الشراكة متعددة الأبعاد، القائمة على تعبئة العديد من الأطراف، الذي يتوجب علينا المثابرة من أجل النهوض بها، لتحقيق المزيد من الرخاء والنماء في إفريقيا. إن قارتنا هي التي دفعت أكثر من غيرها الثمن غاليا، خلال فترة الاستعمار، وإبان الحرب الباردة، ومازالت تعاني، للأسف الشديد، من آثارهما إلى يومنا هذا». وبالتأكيد، فإفريقيا القرن الواحد والعشرين، وفق النموذج الذي يدافع عنه جلالة الملك، ستكون قارة قوية بعواملها الداخلية للتنمية المستدامة، والتي لا يمكن تحققها إلا بمراجعة طبيعة العلاقات القائمة إلى الآن بين القوى الاستعمارية بالأمس وإفريقيا اليوم. وتعتبر السينغال، المحطة الأولى في زيارة جلالة الملك، من أهم شركاء المغرب في القارة، كما يرتبط البلدان بعلاقات سياسية ثقافية وروحية متينة. ويبذل المغرب والسنغال جهودا حثيثة بهدف استثمار الرأسمال الثمين المتمثل في تضامنهما الفعال وتعزيز شراكتهما النموذجية المنبثقين من تاريخهما العريق ورؤيتهما المتبصرة من أجل التنمية، تحدوهما في ذلك إرادة قوية للرفع من مستوى مبادلاتهما التجارية. ويعد التعاون الاقتصادي الثنائي، الذي يوجد في أفضل مستوياته، بمستقبل جيد خاصة وأنه يرتكز على منهجية ناجعة وإطار سانح لاتخاذ اختيارات استراتيجية ذات مردودية إيجابية. ولا يدخر المغرب والسنغال جهدا في استخدام إمكانياتهما، والعمل على ترسيخ صورتهما كبلدين رائدين يرى فيهما العالم شريكين موثوقين وفاعلين متمرسين في قارة لايزال التعاون الإقليمي لا يشتغل فيها بكامل إمكاناته، تسندهما في ذلك النتائج الملموسة التي تعد ثمرة شراكة مربحة باتت تفرض نفسها كنموذج على المستوى الإفريقي. ومن شأن هذه الزيارة، من دون أدنى شك، أن تعطي دينامية جديدة ودفعة للمبادلات بما يعود بالنفع على الساكنة المحلية. كما أنها ستمهد بشكل أكبر الطريق أمام الاستثمارات الواعدة، علاوة على أنه سيتم خلالها إطلاق مشاريع جديدة للتنمية بما يعزز روابط التقدير والثقة بين الشعبين، والتي تمثل حجر الزاوية في هذا التعاون المربح للطرفين. وتستمد الآفاق الواعدة التي تتيحها هذه الروابط المتميزة، قوتها، بالخصوص من كونها ممتدة في الزمن ودقيقة في تحديد الأهداف المسطرة. وبالفعل، فقد تم، منذ أمد بعيد، اتخاذ مبادرات ملموسة بهدف الاستجابة لحاجيات الفاعلين الاقتصاديين، ومنها، على سبيل المثال، الاتفاقية الثنائية لسنة 1964 التي تضمن معاملة بالمثل مع المقاولات المغربية والسنغالية فوق تراب البلدين، وهي اتفاقية تؤشر بكل وضوح على الرغبة في إرساء شراكة مستدامة ذات أسس متينة. وأكثر من ذلك، فإن أي محاولة لتحليل المنطق الذي يعتمده البلدان، اللذان يتقاسمان مقاربة مشتركة من أجل استغلال أمثل للثروات الإفريقية لفائدة شعوب القارة عبر شراكة مبلورة بذكاء ومحققة لمزيد من التكامل، لابد أن تضع في الاعتبار الغرض من التبادلات المستهدفة والاستراتيجية المتبعة بناء على الحاجيات ذات الأولوية بالنسبة لساكنة البلدين. وتعزز الإحصائيات هذه الحقائق الأكيدة، مما يتيح استشراف مستقبل العلاقات المغربية السنغالية بتفاؤل كبير. وبالفعل، يؤكد الخبراء أهمية ونطاق المساهمة القيمة للمملكة في إقلاع بلاد التيرانغا. ولا تعزى قوة الشراكة الثنائية فقط لإمكانات الروابط الاقتصادية فقط، وإنما أيضا لعوامل لا مادية مثل الثقة والتضامن الفعلي والروابط الأخوية التي تجمع شعبي البلدين. ويمكن القول إن الرؤية المغربية في مجال التعاون جنوب-جنوب، ولاسيما مع البلدان الشقيقة بإفريقيا، تقوم على أسباب موضوعية تهدف إلى مساعدة شعوب المنطقة، وكسب القلوب وتعزيز الثقة في المستقبل من أجل إرساء نموذج للشراكة يعود بالنفع على إفريقيا.