اندهش المغاربة جميعاً لما حدث في ليلة 16 ماي 2003. كان السؤال على كل الألسنة هل وصل هذا الغول الإرهابي إلى المغرب؟ ثم تداعت الأسئلة: ولماذا المغرب بالذات، مع كل ما يمثله حضارياً وثقافياً وفكرياً وعقائدياً وأخلاقياً؟ وكيف يسمح بعض الأدعياء لأنفسهم بقتل النفس التي حرمها الله تعالى؟ وما هو رد الفعل الملائم، سواء من طرف الدولة أو من طرف المجتمع؟ وما هي الرسالة التي يريد الإرهابيون تبليغها إلى المغاربة؟ وتحرك السؤال العنيد القوي: هل سنترك هؤلاء القتلة يعممون الجهل وعقيدة القتل؟ هل سنقف مكتوفي الأيدي حتى تجتاحنا نزعة الافتراس؟ أين الفكر المغربي العقلاني؟ أين رصيدنا الحداثي ومنطلقات خيارنا الديمقراطي؟ وأين الفعل الثقافي؟ النابع من هوية المغرب الحديث ومن شخصية المغاربة؟ واليوم، والمغرب المتحضر المراهن على المستقبل، يستعيد تفاصيل الجريمة التي ارتكبها بعض الدمويين، ينبغي التأكيد على أن لا رجعة في نهج التغيير والاصلاحات الشاملة. فالمغرب الديمقراطي الحداثي لا ينبغي أن يظل عند حدود الشعارات والخطابات الشعبوية، وعند حديث التماسيح والسلاحف والخرافات، بل لابد من العمل على تأهيله في الفكر والمتخيل والوجدان الجماعي. علينا أن نتذكر، بل لا يمكن أن ننسى أو نتناسى ما أصاب مدينة الدارالبيضاء من أحداث إرهابية دامية روعت ليس فحسب العاصمة الاقتصادية، بل كل الشعب المغربي.. وما سببته من قتل وترهيب وعاهات مستديمة للذين نجوا منها، ولنتذكر بعض الذين يحاولون الركوب على ما وقع أو الدفاع عنهم بالمحطات الإرهابية التي عاشتها هذه المدينة الضحية. في يونيو من سنة 2002، تم اعتقال ثلاثة مواطنين سعوديين بالبيضاء للاشتباه في انتمائهم إلى تنظيم القاعدة، وهم: جابر عواد العسيري وزهير هلال محمد التبايتي وعبد الله المسفر علي الغامدي، وذلك بتهم (التخطيط لشن هجمات على سفن بحرية أمريكية وبريطانية في مضيق جبل طارق باستخدام قوارب محملة بالمتفجرات). 16 ماي من سنة 2003، قام 14 انتحارياً بالهجوم على عدد من المواقع، أبرزها فندق فرح ولاكاسا دي اسبانيا وخلفت العملية 46 قتيلا. وفي 21 ماي 2003، تم اعتقال ثلاثة انتحاريين على متن سيارة وكان هؤلاء يريدون نقل مواد متفجرة من سيدي مومن إلى أماكن أخرى، إلى جانب اعتقال مراهق يبلغ من العمر 16 سنة صرح لدى اعتقاله أنه كان يتأهب للقيام بعملية انتحارية. وفي 28 ماي من نفس السنة: وفاة عبد الحق (مول السباط) الذي وصفته تقارير الشرطة بأنه العقل المدبر لتفجيرات الدارالبيضاء. وفي 2 يونيو 2003، تم اعتقال الفرنسي (بيير ريشار) أما في 11 يونيو من نفس السنة، فقد تم اعتقال مجموعة إرهابية مكونة من 18 شخصاً كانت تعد لأعمال إرهابية. وفي 20 يونيو، تمت إحالة 12 عنصرا من جماعة التكفير والهجرة على محكمة الاستئناف بتازة. شتنبر 2003: تمكنت السلطات الأمنية من اعتقال الانتحاريتين القاصرتين التوأم (إيمان وسناء) بتهمة الإعداد لأعمال إرهابية وتدبير تخريب منشآت والمس بالمقدسات. كما استمرت الملاحقات والمداهمات بجميع المدن المغربية وسقوط مئات المشتبه فيهم واستنطاق حوالي 2000 شخص. - في غشت 2006 تم اعتقال خلية (أنصار المهدي) التي يتزعمها حسن الحطاب والذي تهمته السلطات بكونه من بين أخطر العناصر المبحوث عنها. 11 -مارس 2007، قام الانتحاري عبد الفتاح الرايضي بتفجير حزامه الناسف بمقهى الانترنيت بشارع الأدارسة بسيدي مومن بالدارالبيضاء، واعتقال يوسف الخدري بشارع عقبة بن نافع وكان هو الحلقة التي أوصلت رجال الأمن إلى اعتقال 30 مشتبها بهم من مناطق مختلفة (سلا - وزان - إنزكان - الداخلة - المحمدية وآسفي). - في 10 أبريل، مصرع ثلاثة انتحاريين (منطالة وأيوب الرايدي ومحمد الراشدي بحي الفرح بعد هروب آخرين من بينهم نساء، وقد كنت من بين الضحايا حيث كنت بعين المكان استجابة للواجب المهني أولا والوطني ثانيا وعشت بعد ذلك العديد من المعاناة مع هول ما حدث. - 14 أبريل: أقدم الشقيقان محمد وعمر على تفجير نفسيهما أمام المعهد الأمريكي والقنصلية الأمريكية بشارع مولاي يوسف بالبيضاء واعتقال انتحاري آخر. وهنا علينا أن نطرح السؤال التالي: لماذا يضع الإرهابيون في مقدمة حساباتهم الدارالبيضاء ومراكش؟ إن اختيار الإرهابيين في جميع المناسبات (16 ماي - 11 ماي - 10 أبريل - 14 أبريل) لمدينة الدارالبيضاء كمسرح لعملياتهم الانتحارية ليسن اعتباطيا، ولكن لأسباب عديدة منها: 1- تمطيط المدينة إلى ما لا نهاية واكتظاظها بشكل يسمح للإرهابي بالذوبان وسط الازدحام عكس الحال المدن المتوسطة أو الصغرى التي يصعب فيها التنقل دون أن يثير ذلك انتباه الناس. 2- سوء الاعداد الحضري للمدينة، فإذا كانت السلطة قد أعادت النظر في التقطيع الترابي بعد أحداث 1981 ، واختارت توسيع الشوارع درءا لاكتساح الانتفاضات الجماعية أو ما تسميه هي (بالشغب الجماعي) فإنها لم تفكر في العمليات الفردية التي تعتمد أساسا على طرق التمويه وتزوير الهوية، والارشاء لتحقيق الاختراق الأمني. 3- الدارالبيضاء تتوفر على بنيات مهمة من اللوجستيك (نقل: تريبورتورات) كراء الأسرة للمبيت بدون ضمانات!! المواد اللازمة لصنع المتفجرات.. إلخ.. 4- حجم المدينة وعشوائية وفوضى مجموعة كبيرة من أحيائها، ما يسهل مأمورية الإرهابيين ويقوي قدرتهم على التنقل والاختباء بكل حرية. 5-القوة والوقع والتأثير! ولعل هذا هو الجواب الذي يجمع حوله كل متتبع وحتى رجال الأمن يعتبرون أن الإرهابيين كانوا يسعون إلى لفت الانتباه أكثر من أي شيء وأيضا لزرع الهلع من خلال استهداف مواقع »مهمة« مثل مقرات الأمن والقنصليات الأمريكية نموذجا« ما يضمن اهتمام وسائل الإعلام الوطنية والمراسلين وقنوات الصحافة الدولية. وواضح أن الإرهابيين قادمون من الماضي. ولذا علينا ألا نترك الماضي - تراثا وتاريخا وذاكرة - عرضة للاستعمالات الإديولوجية والدينية المترهبنة، بل علينا أن نواجههم بالمستقبل أي بصناعة الأجيال الجديدة الرافضة للردة والانغلاق والتحجر وسفك الدماء. لهذا يجب التفكير في تحسين جودة العيش - الدارالبيضاء نموذجا - بهيكلة أحيائها الهشة خاصة بالأحياء القصديرية والبناء العشوائي بشكل يساعد على تقليص فرص استقطاب انتحاريين وحتى لا يستغل الإرهابيون إقصاءهم الاجتماعي ليغسلوا أدمغتهم ويمنحونهم »تذكرة سفر بلا عودة« إلى الجنة، حسب اعتقادهم لأن تخدير الفكر هو أخطر تخدير يتعرض له الانتحاريون.