تتهاوى الأرقام القياسية في سباقات الماراتون الدولية، إذ تشير النتائج إلى أن أفضل 86 رقما من 100 الأولى في تاريخ هذا السباق فتية، فعمرها أقل من 7 أعوام. كما أن الرقم العالمي تحطم 3 مرات في غضون 3 سنوات، و»استقر» في حوزة الكيني دينيس كيموتو على 57، 2، 2 ساعة (8، 54، 2 دقيقة في الكليومتر) في برلين خلال سبتمبر الماضي. وفي المقابل، فإن غالبية الأرقام المائة الأفضل المسجلة في الخمسة آلاف م والعشرة آلاف م، تحققت قبل العام 2009. ما يطرح السؤال عن هجرة «مبرمجة» من المضمار إلى الطريق. والملفت أن مؤشر «اقتصاد» ألعاب القوى اتجه في السنوات الأخيرة صوب سباقات الطرق. فقد حصد كيموتو عقب فوزه في برلين نحو 500 ألف دولار، ونال مواطنه ويلسون كيبسانغ أكثر من مليون دولار، بعدما فرض إيقاعه العام الماضي في لندنونيويورك. ثروات في «أم الألعاب» لا يستطيع تحصيلها حاليا من أبطال المضمار إلا الجامايكي اوساين بولت. وبالتالي، فإن موسما مثمرا لأي عداء كيني أو إثيوبي يجعله طوال حياته في منأى عن العوز. ويلفت المدرب الإيطالي ريناتو كانوفا، الخبير بأحوال العدائين الأفارقة، والذي أشرف على إعداد الاثيوبي كينينيسا بيكيلي، حامل الرقمين العالميين لسباقي 5 آلاف م و10 آلاف م، إلى أن الحالة الاقتصادية هي في صلب هذا التوجه. ففي برامج لقاءات الدوري الماسي تقتصر سباقات المسافات الطويلة على 5000 م، وبالتالي من لم يحصد مركزا بين الستة الأوائل لن ينال مبلغا مجزيا. ويستقطب البريطاني محمد فرح أضواء سباقات المضمار للمسافات الطويلة، وكان بيكيلي آخر جامعي الثروات من هذه السباقات. في المقابل، تمنح سباقات ماراتون «غير شهيرة» مبالغ محترمة على غرار سباق سيول، البالغة جائزته 80 ألف دولار. كما باتت الماراتونات تستهوي شركات التجهيزات والألبسة الرياضية، كونها تصنف في خانة رياضة العطلات تحديدا مستهدفة شريحة كبيرة جدا من مزاولي الرياضة. كما أن ميزانية تنظيم ماراتون باريس الأخير، الذي فاق عدد المشاركين فيه 40 ألفا، بلغت 5، 6 مليون دولار، وترتفع إلى 20 مليونا في ماراتون نيويورك، أي 6 إلى 10 مرات أكثر من ميزانيات اللقاءات الدولية التقليدية الكبرى على المضمار، التي تشهد ضمورا في الآونة الأخيرة. ولأن الماراتونات باتت منافسات جذابة، أصبح انخراط عدائين شبابا من النخبة فيها شائعا. ولم يعودوا ينتظرون انتهاء مسيرتهم على المضمار لينطلقوا في «مغامرتهم» الجديدة. وساهم في هذا التحول تقنيات التدريب والتعافي السريع بين سباق وآخر, ما جعل هذه السباقات «وجهة ممتعة»، خصوصا بعدما ذللت «رهبة» عتبة ال 30 كلم ومعاناتها. فالصمود على طول المسافة وإدارة الجهد لم يعودا مشكلة تقنية. وأضحت الصعوبات محصورة بأداء العضلات وليس بفقدان الطاقة. ويشير اختصاصيون إلى أن الكيني بول تيرغات والإثيوبي هايلي جبريسيلاسي، حاملي الرقم العالمي سابقا، لعبا دورا مميزا في تقليص زمن السباق من 5، 2 ساعة عام 2003 إلى 4، 2 ساعة (59، 3، 2 ساعة) عام 2008. وهي «ثورة» أساسها تلقائية الخطوات الواسعة والسريعة التي اكتسبت من سباقات المضمار، فبات إيقاع التدريب أسرع على كيلومترات أقل، وتدنت المسافة الأسبوعية المجتازة خلال حصص الإعداد من 250 - 270 كلم إلى 200 - 220 كلم، وبالتالي أصبحت السرعة في التدريب قريبة لخطوات السباقات، وفق معادلة زيادة حجم السرعة المكثفة. لكن الصورة الوردية لازدهار الماراتونات لطختها أخيرا «هوة المنشطات» ، التي وقع فيها حوالى 30 عداءا كينيا في غضون 3 سنوات بينهم ريتا جيبوتو، المتصدرة لترتيب سلسلة الماراتونات الستة الكبرى (لندنوبرلينونيويورك وبوسطن وشيكاغو وطوكيو) والروسية ليليا شوبوكوفا، الفائزة في ماراتون شيكاغو عام 2010، ما أطلق شكوكا حول صحة الأرقام القياسية المسجلة ومصداقيتها، وأوجدت تخوفا لدى المنظمين من أن يدفعوا ملايين لمتنشطين. وفي هذا الإطار، عمد منظمو الماراتونات الكبرى إلى المساهمة في تمويل الفحوص المخبرية لكشف المنشطات، واقترن ذلك بالحزم الذي أبداه الاتحاد الدولي لألعاب القوى والوكالة الدولية لمكافحة المنشطات إزاء العدائين الكينين ومسؤوليهم. والخطوة الايجابية جراء ذلك تكمن في المختبر الذي سيباشر أعماله في نيروبي و»يغطي» إفريقيا كلها. وعلى سبيل المقارنة، تفيد الأرقام المسجلة منذ 30 عاما، أن مسافة السباق (195، 42 كلم) تربح نحو دقيقة كل 6 سنوات، وبالتالي فإن تحقيق زمن دون الساعتين يتطلب الانتظار حتى عام 2032، أي تصبح السرعة المسجلة «أسرع بكيلومتر». ووفق الوقائع الميدانية، فإن بلوغ هذا الانجاز يتطلب عداء أفضل من بيكيلي على مسافة 5000 م، ويتمتع بمخزون من قدرة التحمل أعلى من المألوف لدى التحول حاليا من سباقات 10000 م إلى الماراتون.