من التحديات الكبرى المطروحة على الصحافة والإعلام، هي الرفع من جودة الأداء، والرقي بوعي الجمهور وثقافته السياسية والفكرية، وتربيته على كافة الواجهات. وقد ازدادت هذه المهمة تعقيدا بحكم الطفرة التي أحدثتها التكنولوجيات الحديثة، والتي فرضت على الجميع، وخاصة الصحافيين، إكراهات جديدة. وتتمثل هذه الإكراهات، على الخصوص، في الكم الهائل من المواد التي تتدفق على وسائط التواصل، عبر الشبكات الاجتماعية، والتعليقات والصور التي تروجها، مما يهدد بأن تتحول صناعة الرأي من مصادرها الأساسية، من فاعلين سياسيين ومراكز بحث وجامعات ومثقفين ومنظمات وصحافيين، إلى ما ينشر ويبث عبر صبيب الأنترنيت. هذا التحدي حصل الوعي به مبكرا في الدول المتقدمة، حيث بادرت مقاولات الصحافة ومؤسسات الإعلام المرئية والمسموعة والوكالات الكبرى، إلى الاستثمار في وسائل التواصل الحديثة، مما مكنها من تجاوز أزمات تجارية، لكن مكن بلدانها، على الخصوص، من تجنب ترويج ثقافة سياسية سطحية، وسيادة كتابات وتعليقات مطبوعة بالتشنج والانفعال، كما هو الشأن في أغلب ما يتم تداوله في الشبكات الاجتماعية. لقد نجحت هذه البلدان، إلى حد كبير، في أن تجعل من ثورة التكنولوجيات الحديثة، أداة لتطوير حرية التعبير والديمقراطية والجودة، وقد ساعد على ذلك، ارتفاع مستوى التربية والتعليم والثقافة السياسية، لمواطنيها. لذا، من اللازم أن نفكر بشكل جماعي، وخاصة من طرف المعنيين والمتدخلين في قطاعات الصحافة والإعلام والتواصل، في الشروط الضرورية، لنجعل من هذه الثورة، وسيلة للتطور وليس للتخلف. و مسؤولية الصحافيين حاسمة على هذا المستوى، لأنهم هم الأداة التي يمكن أن ترفع أداء الصحافة والإعلام، وذلك بالابتعاد عن ثقافة الشبكات الاجتماعية، المبنية في أغلبها على رد الفعل المنفعل، وعلى الشعبوية والسطحية وترويج أخبار بدون سند ولا معطيات مضبوطة، يمكن افتحاصها. والخطورة لا تتمثل فقط في ما يمكن أن يصيب الصحافة، بل أيضا ما يمكن أن يصيب العالم الأكاديمي والمثقفين والنخبة، بصفة عامة، حيث قد تؤثر هذه الثقافة بشكل سلبي على وعيهم وتكوينهم. وهذا ما أخذنا نلاحظه في العديد من برامج الحوار التي تبثها القنوات التلفزية المغربية، والتي تستضيف من تعتبرهم «خبراء» أكاديميين، يمكن القول إن أغلبهم مصاب بعدوى الفايسبوك، حيث يردد كلاما بدون تمحيص وعموميات تافهة، معتبرين أنفسهم محللين للحياة السياسية المغربية، وهم فقط ضحايا الصبيب.