في أجواء صوفية حالمة، احتضن متحف البطحاء يوم السبت 18 أبريل، فعاليات افتتاح الدورة التاسعة من مهرجان فاس للثقافة الصوفية، وذلك بحضور ثلة من الباحثين والفنانين والمفكرين في مجال التصوف وجمهور المهرجان من داخل المغرب وخارجه. ولم يفوّت الدكتور فوزي الصقلي (رئيس المهرجان) الفرصة دون أن يستجلي دواعي تخصيص دورة هذه السنة لموضوع الحب لدى رجال ونساء التصوف، حيث أكد على المكانة الجوهرية التي يحظى بها مفهوم الحب في الديانة الإسلامية على وجه خاص والحضارية الإنسانية على وجه عام، واعتبر أن المحبة تعد أرقى إنجاز يمكن أن يصل إليه المؤمن سواء تعلق الأمر بمحبة الله أو بمحبة القريب أو بمحبة الآخر. وأكد الصقلي على أن استحضار مفهوم الحب في تظاهرة ثقافية وفنية كمهرجان فاس للثقافة الصوفية، لم يكن ليكون ذي جدوى دون تكريم مجموعة من أعلام التصوف الذين اختبروا أسرار الحب وترجموها إلى مدونات شعرية أو فكرية خلدت تجربتهم الإنسانية الروحية، فرابعة العدوية، حسب توصيف فوزي الصقلي، جعلت من المحبة أمرا خالصا ومن حظ الجنة وطريقا للنجاة من النار، في حين أن ابن عربي استرعى انتباهنا إلى أن الحب سيبقى لغزا أبديا، ورغم ذلك فإنه لا مناص من أن نسلم لهذا الموجود غير المرئي مفاتيح أرواحنا ونتحسس فيه سر وجودنا. كل هذه التجليات الروحية التي يتيحها مهرجان فاس للثقافة الصوفية، يضيف الصقلي، تجعل من مدينة فاس وطوال مدة المهرجان مركزا للتصوف في العالم بأسره وفسحة فريدة تنصهر فيها كل اللغات والثقافات الصوفية العالمية، وذلك تحت عناوين كبرى أهمها التسامح والتعايش والأخوة الإنسانية. من جهتها، أكدت الدكتورة بارزة الخياري (نائبة رئيس مجلس الشيوخ الفرنسي) أن كل من يحضر المهرجان يأتي ومن مساعيه تقديم تجل من التجليات الحضارية الحقيقية للدين الإسلامي، الذي يجعل من الحب والإحساس بالجمال جوهرا له، وذلك في مقابل الصورة غير الحقيقية التي يقدمها الظلاميون عن الإسلام والتي لا تعبر إلا عن ميولاتهم الشخصية، بانتهاجهم لمسالك العنف ومعادتهم لحقوق المرأة وللأنظمة السياسية ومؤسساتها وللحرية. واعتبرت بارزة الخياري أن الحضور إلى مهرجان فاس للثقافة الصوفية يندرج، لا محالة، ضمن دائرة الدفاع عن قيم التسامح والمحبة، خصوصا وأن محتضنه هو المغرب الذي يعد نموذجا للبلد المسلم المنفتح على العالم والقابل للآخر والغني بتنوعه الثقافي واللغوي الخلاق. ومن جانبه، قال الباحث الصوفي الدكتور عبد الله الوزاني إن مهرجان فاس للثقافة الصوتية يستلهم روح الدين الإسلامي القائمة على المحبة والأخلاق. كما تحدث عن عرض الافتتاح «رابعة العدوية»، قائلا إنه يقوم على إبداع جديد في الجانب النغمي، وعلى أشعار صوفية لجلال الدين الرومي يُتغنى بها لأول مرة. ومن ثم، فهذا العمل مهدى إلى ذوق الجمهور وذكائه. وأوضع أن رابعة العدوي كانت أول امرأة مسلمة أصّلت لمفهوم الحب الإلهي. يذكر أن الدورة الحالية لمهرجان فاس للثقافة الصوفية تتميز، وفي تجربة أولى من نوعها، بالانفتاح على فضاء باب المكينة، حيث يحتضن هذا الفضاء الفسيح حفلين صوفيين كبيرين: أولهما يوم الجمعة القادمة وهو عبارة عن سماع صوفي من حلب تكريما لجلال الدين فايس، وثانيهما يوم السبت 25 أبريل الجاري يحمل عنوان «دين الحب» وينتظر أن يحيه كبار أصوات السماع الصوفي والموسيقى الأندلسية بمعية فرقة المجموعة الأندلسية للأستاذ محمد التهامي الحراق.