يتعلمون اللغة الهولندية وكيفية التواصل مع جيرانهم... هذه هي حال عشرات آلاف المهاجرين إلى هولندا الذين يتابعون سنويا حصصا تساعدهم على الاندماج في المجتمع كانت مجانية حتى الآن، إلا أنها ستكون مقابل أجر مادي قريبا. بفخر تؤكد رحمونة لخضري ،البالغة من العمر 33 عاما وهي من أصل مغربي، «أستطيع الآن أن أقصد الطبيب وأشرح له مما أشكو. لست بحاجة بعد الآن لمساعدة زوجي ولا حتى أولادي ولا جيراني». وخلال استراحة في المدرسة التي تساعد المهاجرين على الاندماج بالمجتمع والتي تقصدها رحمونة في أمستردام أسبوعيا لمدة عشر ساعات، تقول هذه المرأة وهي أم لثلاثة أطفال «أصبحت قادرة على البحث عن عمل والتكلم إلى الآخرين ومساعدة أولادي في واجباتهم المدرسية». لكن رحمونة لخضري، التي تعيش في هولندا منذ العام 1996 ، ليست ملزمة بمتابعة هذه الدورات التعليمية، بخلاف المهاجرين الذين يقصدون هولندا من البلدان غير الغربية منذ عام2007، تاريخ إطلاق هذه الدورات. وهولندا التي تميزت في الستينات والثمانينات كمثال لتعدد الثقافات والتي يعيش فيها اليوم نحو1.8 مليون نسمة من أصول غير غربية، تعتمد منذ سنوات على سياسة تركز اكثر على استيعاب المهاجرين. وكان نحو40 ألف أجنبي من الأتراك والمغاربة خصوصا قد تابعوا دورات للاندماج في المجتمع في عام 2009 . ويستطيع هؤلاء ، إذا ما نجحوا في الامتحان النهائي، أن يستقروا نهائيا في هولندا والاستفادة من الخدمات الاجتماعية. لكن الحكومة الجديدة من اليمين الوسط المدعومة من حزب «غيرت فيلدرز» ، الذي يجاهر بكرهه للأجانب، أعلنت أخيرا أن الدولة سوف تتوقف عن تحمل كلفة هذه الدورات. وبالتالي سيتوجب على الأجانب دفع تكاليفها بأنفسهم، وهي قد تصل إلى خمسة آلاف يورو للشخص الواحد. وفي بيانها الوزاري، شددت الحكومة الجديدة على أن «المهاجرين وطالبي اللجوء يتحملون مسؤولية اندماجهم في بلادنا». وبعدما كانت هذه الدورات تكلف الخزينة حوالى500 مليون يورو سنويا، فإن ميزانيتها ستخفض بأكثر من النصف ابتداء من عام 2014 . وشدد مارك روتي رئيس الوزراء الهولندي خلال بدء ولاية حكومته في الرابع عشر من أكتوبر الماضي، على أنه «لا يمكننا السماح لهذا العدد من الأشخاص الذين لا يملكون رؤى مستقبلية بالوفود إلى هولندا». لكن أحمد أزدورال مدير المنظمة غير الحكومية «المشاركة» التركية في هولندا (أيوت)، يؤكد أن أغلب المهاجرين لا يملكون المال الكافي لتحمل نفقات هذه الدورات التعليمية. ويوضح أن«أغلب الذي يقصدون بلدا جديدا يفعلون ذلك لأن الأمور لا تسير على خير ما يرام في بلادهم». من جهته يؤكد إلهان أكيل مدير المركز الهولندي للأجانب (أن سي بي) ، الذي ينظم دورات التعليم هذه أنه «من الضروري أن يتابع أكبر عدد من الناس هذه الدورات التعليمية». ويشرح أنه «في ظل هرم الشريحة الناشطة في المجتمع الهولندي، نحن بحاجة أكثر فأكثر إلى يد عاملة شابة في قطاعي الصحة والصناعة. وإذا لم يتكلم هؤلاء اللغة الهولندية وبقوا معزولين عن بقية شرائح المجتمع، فهم سوف يشكلون عبئا ماديا بدلا من المساهمة في إنعاش اقتصاد البلاد». بالنسبة إلى غيرت دي فريز، عالم الاجتماع في جامعة أمستردام المفتوحة، فإن «الرسالة واضحة: الحكومة لا ترغب سوى في مهاجرين ذوي مؤهلات عالية ومن أصحاب الأموال». من جهتها تلفت كورين كوبس المدرسة في المركز الهولندي للأجانب «نحن نعلم الناس كيفية التخاطب والعيش سويا. من دون ذلك، أخشى أن تصبح السلوكيات أكثر تشددا وتصلبا». رحمونة لخضري لم تكن لتتابع هذه الدورات لو أنها اضطرت إلى تحمل نفقاتها. فتقول «آسف لكل هؤلاء الذين لن تتاح لهم الفرصة التي حظيت بها. الأمر يشكل خسارة ولاشك بالنسبة إليهم».