يقول تعالى "وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا ." عند الوقوف على كلمة الجهل في القرآن الكريم، فإننا نجدها كما فسر ذلك العديد من الشراح تأتي بمعنى الكفر والشرك ..ويوصف بها المشركون ..وقيل إنهم السفهاء ... لقد تعرض زعماء الحركة الوطنية ورجالات ونساء حركة المقاومة وجيش التحرير والحركة التقدمية الوطنية ببلادنا ...كما العديد من قادة وقواعد الاتحاد الاشتراكي والحركة النقابية والمثقفين العضويين ...لسيل من المؤامرات والافتراءات والجهالات التي انبرى للقيام بها سواء بترويج الاشاعات أو بالكتابات التي يطلق عليها صحفية تعسفا أو بتدوين كتيبات صفراء. ما تركوا شهيدا أو ثوريا أو بطلا أو مثقفا عضويا كبيرا أو زعيما ساهم في تحرير المغرب أو قدم التضحيات الجسام من أجل الدفاع عن الحرية والديموقراطية .. أو ساهم في بناء دولة المؤسسات أو أثرى مجالات الابداع ...فتسببوا بذلك في الاعتقال العديد أو النفي والاغتراب أو الطرد من الوظائف وقطع الارزاق .... حيث اعتمدوا التأويلات المغرضة التي تتأرجح بين الاتهامية والكيدية والانتقائية اللئيمة للحظات المفصلية في تاريخ الشعب المغربي يسعون من وراء ذلك إقصاء بل والقضاء على الفكر المتنور الذي أسس له في هذا البلد سيدي علال الفاسي وشيخ الاسلام سيدي بلعربي العلوي وسيدي محمد الحبيب الفرقاني وسيدي عمر المتوكل الساحلي و...وبنى هياكله وصرحه خيرة الرجال من المهدي بنبركة وعبد الرحيم بوعبيد وبنسعيد أيت ايدر ومحمد عابد الجابري وعمر بنجلون وسي محمد كسوس و...إلا أنهم لم يكونوا من النوع الذي يتلهى أو يشغل نفسه بسفاسف الأمور، ولا ضعاف النفوس الذين يوظفون لؤمهم وحقدهم لخدمة جهات ومصالح لا ترتاح إلا بعد زوال كل ما هو جميل ونبيل في الوطن وفي قلوب الناس ... إنهم يميزون بين الخصوم الحقيقيين للشعب وبين أعداء الوطن ..إنهم لا تلهيهم لا خفافيش الظلام ولا تماسيح الانهار ولا عفاريت المجاري ...إنهم اختطوا طريقا وعلموا منذ البداية أنها طويلة وشاقة وتحفها المكاره والاكراهات والمشاكل والمؤامرات والخسائر ...إنهم آمنوا وحسموا أمورهم بأن تشق قافلتهم الطريق نحو الغايات النبيلة بإصرار دون أن ترهبهم وتثني عزائمهم كل التلويحات والتهديدات ... إنهم يجيبون عن كل الكلام السيء، أيا كان مصدره وفق جوهر قوله تعالى "وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا " ...ولهذا نجد الزعيم عبد الرحيم بوعبيد يرد على سياسات ومواقف الذين يتربصون للإيقاع به وبحزبه قائلا في إحدى خطبه ما معناه :"إننا ليس لدينا ما نخسره سوى حسن نيتنا في الذين ظهرت نواياهم السيئة ...ولم يرد عليهم بمثل ما يقولون ..ولهذا قال الشهيد عمر بنجلون باسم كل الاتحاديين مجيبا بأخلاق نضالية عالية ...الارهاب لا يرهبنا والقتل لا يفنينا وقافلة التحرير تشق طريقها بإصرار ..وكانه يعلم أن الارهاب سيغتاله باسم الدين بعد أشهر معدودة ... وجاء في جواب للزعيم الاتحادي الراحل سي عبد الرحيم بوعبيد، مخاطبا ولي عهد الملك الراحل محمد الخامس طيب الله ثراه في لقاء رسمي شفاف وصريح "... فأنا لا أرى وليا للعهد، ومستشارا لجلالة الملك يضع نفسه على رأس الحكومة، اللهم في ظروف استثنائية حقا. ذلك لأن »الحكم« كما يقال هو »الاختيار«. وعليه، سيكون عليك أن تختار، بإلزام مسؤوليتك السياسية بين هذا التوجه وذاك، على مستويات : الاقتصادي والثقافي والاجتماعي وفي مجال السياسة الخارجية، فالرجل السياسي العادي ينخرط بكل مسؤوليته السياسية عندما يقدم على اختيار معين، فإذا نجح في عمله، لن يكون قد قام سوى بما أملاه عليه ضميره وتحليله للوضعية، وإذا أخفق، لن يكون أمامه سوى أن يستقيل أو ينحى من طرف الحكم الاعلى، جلالة الملك. هذا هو النظام وهي ذي قواعد اللعبة حتى في ديمقراطية غير كاملة كما هي ديموقراطيتنا «... كما جاء في جواب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية في مذكرة رفعت الى الملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله بعد توليه الملك بطلب منه - فيها رد ضمني على افتراءات ومكائد ومساعي خصوم الاتحاد في السنوات الاولى للاستقلال - والتي وقعها عن الامانة العامة الاخ عبد الرحمن اليوسفي من فقراتها "...إن الاتحاد الوطني للقوات الشعبية يرى في ثورة الملك والشعب التي كانت نقطة الانطلاق التاريخي في تحرير البلاد من السيطرة الاستعمارية، ميثاقا حيا مستمرا، يتلخص مدلوله في الثقة الكاملة المتبادلة بين الملك والشعب. والثقة في تاريخ الشعوب لا تأتي من الأسفل الى الأعلى فقط، ولكنها يجب في ظروف معينة أن تأتي من الاعلى الى الأسفل، حتى يتم التجاوب الحقيقي الصادق. ولا طريقة لذلك إلا بسن انتخابات حرة عامة تخرج البلاد من الخلط والغموض، وتمنحها مؤسسات حرة تكون الضمان الحقيقي للاستقرار والنظام.« ونقتبس للذكرى والفائدة من تقرير الاختيار الثوري للشهيد المهدي بنبركة الفقرات التالية التي تشع صفاء وبعد نظر سليم :"...أدركنا بعد إقالة حكومة عبد الله إبراهيم أن كل تعاقد مع القوى المحافظة لا قيمة له ما لم يكن على أساس برنامج واحد ومحدد، وإلاّ، يصبح ممثلو الحركة التقدمية في الحكم بمثابة رهائن تستغلها الرجعية لتزكية سياستها وتضليل الرأي العام...". "...لابد لنا من وضع حد لهذا الغموض، مادامت الصورة السياسية للقوى المتصارعة في البلاد قد انكشفت، فإن مزيدا من التوضيح لابد منه حتى نحدد اتجاهنا كاختيار ثوري أمام الاختيار الرجعي الديماغوجي المتحكم في البلاد...". "...إن أولئك الذين ينسبون لأنفسهم مشاريعنا، ويتبجحون بها في خطبهم كانوا من ألد أعدائها عندما كنا نعرضها ونحن نشارك في الحكم. فكم تحمل أخونا عبد الرحيم بوعبيد من متاعب ليوجد للمغرب بنك إصدار عملته، ولكي لا تبقى هذه العملة تابعة للعملة الأجنبية. وكم تكبد من مشاق لإيقاف نزيف الرأسمال الوطني ولم تتحقق بعض تلك المشاريع إلاّ بفضل صبر طويل ومثابرة بيداغوجية لا تعرف الملل طيلة أربع سنوات من أكتوبر 1956 إلى أبريل 1960..." عن الاختيار الثوري. إن الاخلاق الاتحادية النضالية التي تمتد جذورها الى عمق الحركة الوطنية والكفاحية والسلفية المتنورة، والتي مازال الاتحاديون والاتحاديات يحرصون على استمراريتها ورعايتها ونقلها لأجيال الغد ..تميز بين النقد البناء والنقد العدمي أيا كان مصدرة في أقصى اليمين وأقصى اليسار أو بينهما ...وتميز بين ضرورات المصلحة العامة ومتطلبات المواطنة الكاملة ...وتسعى الى بناء الغد الذي لا توظف فيه مسؤولية ادارة السلطة التنفيذية لبسط النفوذ وإقصاء الآخر، وإرساء تسلط جديد يفرغ الديموقراطية من كل مقوماتها ويجعلها حكرا على جهة واحدة على جهة الاستمرار ..ولنا في تاريخ الأمم والحضارات وحتى في زماننا هذا من محا كل المعارضين والمخالفين للرأي الرسمي من المشهد السياسي، واستفردت هيئاتهم أو حزبهم بكل السلط بل منهم من اعتبر اجتثاث المعارضين أولوية الاولويات باسم إقرار الحريات ... إن اتهام المعارضة بالجهل والجهالة وكل النعوت المباشرة والخفية القدحية والمسيئة من طرف خصومها، ليس من السلوك المقبول عقلا وشرعا ..وهو منهجية غير سليمة لحث الناس على المشاركة السياسية ...بل إنها أساليب تهدف الى تنفير الغالبية العظمى من الشعب من السياسة ودفعهم الى نهج المقاطعة وعدم المشاركة في الاستحقاقات ، مما يفقد كل الجهود معانيها ومصداقيتها ومما ييسر فتح المجال أمام الفكر المتطرف والعدمي بكل أنواعه ... إننا مطالبون جميعا بالابتعاد عن الانحطاط في الخطاب والممارسة السياسية، والتزام الجدية والمصداقية والموضوعية في القول والفعل لأن في ذلك مصلحة قصوى ومصيرية لبلدنا ...وفي انتظار ذلك نحن كمعارضة اتحادية لا يسعنا ألا نستحضر قوله تعالى : "لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ "، " القصص". وعن أبي موسى الأشعري قال: قلتُ يا رسولُ اللّه، أيُّ المسلمين أفضلُ؟ قال: "مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسانِهِ وَيَدِهِ". فاللهم اجعل المعارضة والحكام من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه وأن يسلم المسلمون من ألسنتهم وأيديهم ...آمين.