أرسلت إيران رسالة إلى سلطنة عمان تطلب منها التدخل لحل الأزمة في اليمن سلميا في خطوة قد تضع العمانيين في إحراج بالغ عقب رفض مسقط الاشتراك في التحالف العربي الذي تقوده السعودية ضد الحوثيين في اليمن. وتريد طهران أن تسحب طابع الإجماع عن التحالف العربي لدعم شرعية الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي من خلال دفع أحد الأعضاء المحوريين في مجلس التعاون الخليجي إلى التوسط من أجل التوصل إلى حل سياسي للأزمة. لكن الخطوة الإيرانية قد تسبب إحراجا بالغا لسلطنة عمان التي قد تواجه بدورها مخاطر اقتراب الأزمة من حدودها المشتركة مع اليمن. وذكرت وسائل الإعلام الإيرانية أمس أن طهران طلبت مساعدة سلطنة عمان لوقف ضربات التحالف العربي في اليمن «فورا». وقالت إن وكيل وزير الخارجية الإيراني حسين عبداللهيان سلم السلطات العمانية الجمعة رسالة من الرئيس حسن روحاني تؤكد على «ضرورة المساعدة في وقف الهجمات على اليمن فورا». والرسالة الإيرانية تأتي في توقيت يرجح فيه خبراء أن دول التحالف العربي تستعد للتدخل البري في اليمن، وجاءت ترجمة للعلاقات التي حافظت عليها مسقط مع طهران منذ وصول التنافس بين السعودية وإيران على النفوذ في المنطقة إلى ذروته قبل أربعة أعوام. ولا تبدو السعودية على استعداد لتنبي أي حل سلمي قبل استسلام الحوثيين لشروط الحوار الوطني الذي شاركت فيه جميع القوى السياسية اليمنية في السابق. وأدانت إيران هذه الغارات التي تتم ضمن عملية «عاصفة الحزم» بينما تتهمها دول عربية بالسعي إلى توسيع نفوذها في الشرق الأوسط عبر دعمها للحوثيين. ويرى مراقبون أن الرسالة الإيرانية إلى مسقط هي محاولة لإحداث اختراق في الموقف اليمني وطلب صريح بأن تلعب سلطنة عمان دورا أكثر محورية في حل الأزمة بدلا من مجرد الاكتفاء بعدم المشاركة في التحالف. وهذه ليست المرة الأولى التي تلجأ إيران فيها إلى سلطنة عمان التي كانت طرفا أساسيا في بدء المفاوضات بين إيران والدول الغربية حول ملفها النووي عام 2013. وقبل التوصل إلى صيغة اتفاق إطاري حول القضية التي تحولت إلى أولوية بالنسبة لأميركا والغرب في منطقة الشرق الأوسط، كانت سلطنة عمان على عكس معظم دول مجلس التعاون الخليجي تميل إلى ضرورة التوصل إلى هذا الاتفاق في أسرع وقت. وعكست هذه الرغبة العمانية الملحة تصريحات وزير الخارجية العماني يوسف بن علوي الذي قال الأسبوع الماضي «إن الإخفاق في التوصل إلى اتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني سيكون كارثة على المنطقة لكن الاتفاق سيحقق السلام رغم الخلافات السياسية التي لاتزال قائمة». وأكد بن علوي في مسقط «هناك من يفضلون السلام لهذا تجري المفاوضات بين الدول الست الكبرى وإيران». وأضاف «على أولئك الذين يفضلون الحرب أن يكونوا مستعدين لتقبل خسائر. خسائر فادحة .. كارثة». لكن الأزمة في اليمن تختلف عن المحادثات النووية. فبن علوي، الذي كان يستند في تصريحاته إلى إجماع دولي حول ضرورة التوصل إلى اتفاق ولو مؤقت مع إيران يمنعها من الوصول إلى القنبلة النووية، يجد نفسه وسط إجماع مماثل، باستثناء إيران، حول الخيار العسكري ضد الحوثيين في اليمن. ولا تشعر السعودية بارتياح كاف تجاه الموقف العماني الذي تعتبره غامضا. وفي الوقت نفسه لا تستبعد الرياض الحل التفاوضي لإنهاء الأزمة لكن تريد أن ترى الحوثيين أولا مستعدين للتخلي عن طموحهم في السيطرة الكاملة على مدينة عدن والتراجع إلى حدودهم في صعدة شمالي اليمن. وخسارة أجزاء واسعة من عدن بالنسبة للسعوديين ليست كارثة، لكنها إشارة إلى أن العمليات العسكرية لإجبار الحوثيين على الجلوس إلى طاولة المفاوضات ستطول. وتفضل الرياض الانتظار إلى حين تدمير القدرات الدفاعية لقوات الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح حليف الحوثيين أولا. ويبدو أن صالح لم يعد يملك مساحة كبيرة للمناورة أو قدرات عسكرية واسعة تمكنه من الخروج من هذه المعركة منتصرا، لذا لجأ بدوره إلى الدعوة إلى المفاوضات. وقال مارتن ريردون نائب رئيس مجموعة سوفان للدراسات الأمنية والاستراتيجية «الرياضوطهران تسعيان إلى رسم حدودهما على الرمال. بالنسبة للسعودية فإن ما يحدث على حدودها الجنوبية يعني لها الكثير. لا يستطيع السعوديون أن يسمحوا بانتشار الفوضى التي قد تمنح إيران يدا طولى في اليمن». وأضاف «الخط الإيراني على الرمال يدور حول سوريا والعراق. فطهران تنظر إلى هاتين الدولتين باعتبارهما معا منطقة عازلة عن المحيط السني المحيط بمناطق نفوذها في الشرق الأوسط. لذلك فالحفاظ على حكومتين مواليتين لها في الدولتين أمر غير قابل للنقاش هناك». ومعلوم أن التدخل البري في اليمن بات السيناريو الأرجح بمشاركة فاعلة من مصر بهدف سد المنافذ أمام قوات الحوثيين ومنع إحداث فراغ يمكن أن يستفيد منه تنظيم القاعدة، وأيضا لقطع الطريق على اللجوء إلى مساومات مع عناصر الإخوان ما قد يفرض على القاهرة استحقاقات سياسية مرفوضة من جانبها. وقالت مصادر مطلعة في القاهرة إن القوات المسلحة المصرية حسمت قرار التدخل البري تدريجيا في الحرب الدائرة في اليمن بالتنسيق مع السعودية والدول المشاركة في عاصفة الحزم، لتوفير المزيد من الحماية للأمن القومي المصري والعربي ووقف تهديدات الحوثيين ومن خلفهم إيران لمضيق باب المندب وقناة السويس التي تقيم مصر على جانبيها مشروعات اقتصادية ذات طبيعة استراتيجية. ويأتي ذلك فيما أكدت مصادر أخرى أن المقاومة اليمنية لميليشيات الحوثي، وخصوصا القبائل، بلغت درجة عالية من الاستعداد لصدّ هجومات الحوثيين وإنهاء سيطرتهم على مناطق ذات أهمية استراتيجية. وأكد الصحفي والمحلل اليمني مجاهد السليلي في تصريح هاتفي أدلى به لصحيفة «العرب» اللندنية من مقره في عدن أنّ قبائل مأرب باتت على أتم الاستعداد تسليحا وتدريبا للإجهاز على النقوذ الحوثي في مناطقها، مشددا على أهمية دور القبائل في أي هجوم بري وحسمه بالسرعة المطلوبة. وبشأن قرار التدخل البري في اليمن أوضحت المصادر أن القوات المصرية درست مختلف التقديرات بدقة شديدة لتحاشي الوقوع في أخطاء يمكن أن تكبدها خسائر فادحة، خاصة أن البيئة في اليمن متحركة، وتتسم بدرجة عالية من السيولة الأمنية. وأضافت أن هناك تدرجا في التدخل، ولن تتقدم القوات البرية دفعة واحدة، بل سيتم اللجوء أولا إلى القيام بعمليات نوعية، من خلال قوات النخبة المجهزة أمنيا بصورة عالية، والتي ساهمت عناصر منها في عملية خروج الرئيس عبدربه منصور هادي من عدن إلى الرياض مؤخرا بسلاسة. وأكدت ذات المصادر أن التدخل البري أصبح ضرورة تقتضيها التطورات المتسارعة على الأرض، لسد أي منافذ أمام قوات الحوثيين، وعدم إحداث فراغ يمكن أن يستفيد منه تنظيم القاعدة المتشدد والذي عاود نشاطه بقوة في اليمن أخيرا، وقطع الطريق على اللجوء إلى مساومات مع عناصر الإخوان المسلمين في اليمن، قد تفرض استحقاقات سياسية مرفوضة من جانب مصر يمكن أن تضطرها لقبول التعامل مع عناصر الإخوان لديها بصورة لينة. وشددت المصادر على أن الهدف من التدخل البري حماية أمن مصر والدول العربية بعد أن استشرى التوغل الإيراني في بعض البلدان العربية، ومشيرة إلى أن تدخل القاهرة سيكون بالتنسيق والتعاون مع السعودية والدول المشاركة في التحالف العربي، وهو ما يختلف عن شكل التدخل المصري المنفرد في ستينات القرن الماضي. وكان الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أشار السبت عقب اجتماعه مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة إلى اختلاف السياق التاريخي والمعطيات التي تحيط بانخراط مصر في استعادة أمن واستقرار اليمن حاليا، مقارنة بما سبق من تجربة مصرية مريرة في ستينيات القرن الماضي، مؤكدا أن تأمين الملاحة في البحر الأحمر وحماية مضيق باب المندب يعد أولوية قصوى من أولويات الأمن القومي المصري. وقالت المصادر أن الجيش المصري له خبرة بالأراضي اليمنية، وعلى دراية كافية بطبيعتها الوعرة، ويستطيع التدخل بريا ويتمتع بثقة قطاع كبير من الشعب اليمني، ويشارك ضمن تحالف عربي هدفه إعادة الشرعية وحماية الأمن القومي اليمني والمصري والعربي. وكشفت عن أن اجتماع المجلس العسكري المصري بحضور السيسي ولمدة ست ساعات، جاء لاستكمال التنسيق بين قادة الجيوش المصرية ورؤساء الأركان والأفرع الرئيسية للقوات المسلحة، ودراسة آليات وتوقيتات التدخل البري، وعمليات نقل الأسلحة والمعدات العسكرية المصرية والعربية والتي ستشارك في المهمة. وأضافت أن اجتماع السيسي بمجلس الدفاع الوطني ومجلس الأمن القومي المصري إجراء دستوري من الواجب اتخاذه قبل إرسال القوات المسلحة خارج البلاد في ظل غياب البرلمان. وحول سبل الحفاظ على القوات البرية المصرية حتى لا تتعرض لسيناريو شبيه بما تعرضت له إبان عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، قالت المصادر إن الأيام الماضية شهدت تجارب مختلفة وعمليات إبرار لمعدات عسكرية، وإنزال مظلي لقوات التحالف لتأمين التدخل البري بحيث تتحرك القوات المصرية وفق خطط تحافظ على تماسك تكوينات الجيش. وأشارت المصادر إلى أن القوات البرية ستركز على تكتيك عدم الدخول في معارك فرعية في المناطق الجبلية وعدم إعاقة حركة الجيش على الأرض، وسيكون ذلك مصحوبا بتمهيد نيراني بالمدفعية البحرية، وغطاء جوي كثيف يفرضه طيران قوات التحالف العربي. ومن جهة ثانية أوضح الصحفي اليمني المقيم في عدن مجاهد السليلي قائلا: «إذا كان لدى التحالف نية للتدخل البري، فنحن نطالبه بتسليح القبائل كونهم أخبر بطبيعة البلد، والحوثي يسعى إلى حرب استنزافية في اليمن». ووصف السليلي الحوثيين بأنهم مجرد فئة لا تتعدى ال10 آلاف مقاتل، إلا أنها مدعومة بصفة كبيرة من قوات علي عبدالله صالح في الحرس الجمهوري وبعض قطاعات الجيش الموالية له. وقال إن الضربات الجوية خلال الأيام الماضية تركزت معظمها على قواعد الحرس الجمهوري والتي تقاتل إلى جانب الحوثيين، مشددا على أن الطيران العربي كان دقيقا في توجيه أهدافه إلى مخازن السلاح وغيرها مما جعل الحوثيين في تخبط ولا يعلمون ما يفعلون.