اختتم أول أمس اتحاد المنظمات الإسلامية، واجهة الإخوان المسلمين في فرنسا، ملتقاه السنوي بعد ثلاثة أشهر من الهجمات التي نفذها متشددون إسلاميون في قلب باريس. ويثير انعقاد هذا الملتقى في قلب العاصمة الفرنسية باريس تساؤلات حول الموقف الفرنسي من الإخوان، وما يتسم به من تناقض وارتباك بعد اعتراف رئيس الوزراء مانويل فالس بمسؤولية الإخوان عن التشدد في فرنسا. وتساءل متابعون للملتقى عن هدف الحكومة الفرنسية من السماح لتجمع إخواني كان فرصة لاستقطاب أعداد من الشباب من ذوي الأصول العربية والإسلامية، وستبدأ الجماعة تلقينهم أفكارا تحث على الانعزال والقطع مع محيطهم والاندماج في الأجواء الجديدة. وتعمل التحركات الإخوانية ذات الطابع المنغلق والسري على إخراج الشباب الفرنسي من تقاليده المتسمة بالانفتاح والتشبع بقيم العلمانية وتغرس مكانها أفكارا أخرى تزين له الانتماء إلى الجماعة بما يعنيه من قسم على الولاء لها وليس لفرنسا. وتبدو فرنسا واقعة تحت تأثير الشعارات التي يطلقها قادة الإخوان عن الحرية والديمقراطية ومحاربة الإرهاب، ونسيت أن رئيس وزرائها تعهد منذ أسابيع قليلة بمواجهة أفكار هذه الجماعة التي تهيئ الشباب فكريا وتربويا على التشدد، وتقدمه على طبق من فضة للشبكات التي تستقطب الشبان وترسلهم إلى المجموعات المقاتلة في سوريا والعراق. ويتسلل نشطاء جماعة الإخوان إلى الأحياء الفرنسية الفقيرة التي يتجمع فيها الوافدون من دول شمال أفريقيا، ويوظفون شبكاتهم من الجمعيات الخيرية للتأثير على الشباب خاصة الذين حالت أوضاعهم الاجتماعية دون الاندماج الفعلي في الثقافة الفرنسية. وكان رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس شن في فبراير الماضي هجوما عنيفا على تنظيم الإخوان، وقال إن على الحكومة الفرنسية أن تكافح الخطاب المتشدد للتنظيم. واعتبر فالس أنه إلى جانب «مكافحة خطاب الإخوان في بلادنا» تنبغي أيضا ملاحقة «الجماعات السلفية في الأحياء» الفقيرة، وأن «علينا مساعدة المسلمين الذين لا يتحملون نسبهم خطأ إلى هذه الخطابات. ليس مع الجهاديين أو مع الإرهابيين فحسب بل كذلك مع الأصوليين والمحافظين والمتشددين». وما يثير مخاوف دوائر فرنسية من أنشطة الاتحاد الإسلامي الفرنسي كونه يضم 250 منظمة ويسيطر على ألف من أماكن العبادة المسجلة في فرنسا من جملة ثلاثة آلاف، وهو ما يعني امتلاكه قدرة كبيرة على التأثير على الجالية المسلمة خاصة في ظل الإمكانيات المالية الكبرى التي لديه. وتتهم دوائر فرنسية جمعيات سلفية وإخوانية بالسيطرة على المساجد وملء رؤوس الجالية بأفكار متشددة تعرّض أمن فرنسا للخطر. وبدأت السلطات في مراقبة دقيقة لأنشطة الأئمة المحسوبين على تلك الجماعات. ورغم أن التعليم الفرنسي علماني ويعارض ارتداء أيّ علامات تدل على الدين في المدارس، إلا أن الإخوان اخترقوا المحظورات الفرنسية وأسسوا مدارس خاصة في أكثر من مدينة فرنسية. وتثير هذه المدارس جدلا لكونها تخلق تعليما موازيا يربي النشء على قيم معادية للعلمانية. وعززت الهجمات الدامية التي شهدتها باريس في يناير الماضي ونفذها ثلاثة مسلمين فرنسيين وأدت إلى مقتل 17 شخصا، الشبهات إزاء أيّ تظاهرات أو فعاليات ينظمها المسلمون الذين لم يرسّخوا بعد مكانتهم داخل فرنسا العلمانية. ودعا الاتحاد بعض الشخصيات من الحوار المسيحي-الإسلامي للمشاركة في الندوات. وغالبية المتحدثين هم إما منخرطون في العمل الإخواني مثل الإعلامي طارق رمضان، حفيد مؤسس الجماعة حسن البنا، أو رئيس حركة النهضة الاسلامية في تونس راشد الغنوشي. ويقول فاتح كيموش، وهو صاحب مدونة الكنز المتأثّرة بنهج الإخوان، «لا يوجد تنوع بين المتحدثين، هذا المؤتمر هو ربيع الإخوان المسلمين في فرنسا». وقد تأسس اتحاد المنظمات الإسلامية عام 1983 على يد كل من تهامي ابريز وفؤاد علوي، وهو ما أثار بعض الطامعين لمناصب قيادية في التنظيم مما جعلهم يعتبرون أن التنظيم مسيطر عليه من قبل المغاربة دون غيرهم من الجاليات المقيمة في فرنسا، ومن عادة قياديي الإخوان في كل مكان توزيع المناصب على أقربائهم قدر المستطاع، وذلك منذ قيام التنظيم على يد حسن البنا إلى اليوم. ويضم الاتحاد أكثر من 200 جمعية في فرنسا منقسمة على ثمانية مناطق إدارية، يرأسها ممثل عن الاتحاد كما هي عادة الإخوان في تقسيم مناطق انتشارهم وإسناد كل منطقة لأمير، ويأتمر أمراء المناطق لأمر أمير آخر لقطاع أو إقليم، ويأتمر أمراء الأقاليم لمجموعة صغيرة يقودها الأمير العام لتلك الجماعة في تلك الدولة، ويأتمر أمراء تلك الدول بأمر مرشد عام الجماعة الذي هو دائما من مصر، وهذا الشكل الإداري لتنظيم الإخوان في فرنسا يوضح أنهم فرع للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين الذي مقره مصر. وتشمل ال200 جمعية المشار إليها كافة مناحي الحياة منها ما هو طلابي (كعادة التنظيم دائما حيث يركز على أوساط الطلبة)، وإنساني ونسائي «كالرابطة الفرنسية للمرأة المسلمة»، وديني «كجمعية أئمة فرنسا»، مع جانب إغاثي لجمع الأموال كاللجنة الخيرية لدعم فلسطين، وأيضا تنظيم الأطباء المتمثل في جمعية ابن سينا، كما هو حال جماعات الإخوان المسلمين في كل مكان. ويعتبر اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا أحد فروع «اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا»، فإذا كان هذا هو نشاط فرع الإخوان في فرنسا فقط، فكيف هو حالهم في باقي أوروبا؟ وإلى أي حد بلغ نفوذهم هناك؟ في السياق نفسه كان الناطق باسم حركة «إخوان بلا عنف» (المنشقة عن التنظيم الإخواني)، حسين عبد الرحمن، قد كشف عن حالة من القلق يعيشها التنظيم الدولي لجماعة الإخوان، وذلك عقب الأحداث الإرهابية التي شهدتها فرنسا خلال الأيام القليلة الماضية. وذكر أن التنظيم الإخواني يواجه احتمالية اتخاذ الاتحاد الأوروبي قراراً باعتباره تنظيماً إرهابياً. موضحا أن الأيام المقبلة قد تشهد إصدار قرار من المفوضية الأوربية بحظر نشاط التنظيم الدولي لجماعة الإخوان وتجميد أرصدتهم، في عدد من الدول الأوروبية كفرنسا والنمسا ولندن، وهو ما يعني القضاء على وجود قيادات التنظيم في الدول الأوربية. وأكد الناطق باسم حركة «إخوان بلا عنف»، أن الجماعة تعكف الآن على وضع سيناريوهات التعامل مع تلك الأزمة المتوقعة. وفي سياق متصل، نوه «عبد الرحمن» إلى أن هناك رفضاً أوروبياً للإخوان المسلمين بصفة عامة، سوف يترجم في صورة قرارات عملية ومباشرة تقضي على الوجود الإخواني في أوربا، خاصة عقب أن كشف القناع عن التنظيم الإخواني، واتضحت أكاذيبه حول انحيازه للإسلام المعتدل. ,rv فجر الداعية الإخواني وجدي غنيم، القيادي بجماعة الإخوان المسلمين، مفاجأة من العيار الثقيل بإعلان تبرئه من الجماعة، وفتح النار على قياداتها وعلى الهواء مباشرة، واصفا إياهم ب»الخونة«. وجاء ذلك على خلفية تقديم قيادات »الإخوان« العزاء للحكومة الفرنسية في ضحايا حادث الهجوم الإرهابي على مجلة »شارلي إيبدو« في برقية، بعث بها أعضاء مجلسي الشعب والشورى المنحلين في زمن حكم الاخوان في مصر. وقال الداعية غنيم، الهارب إلى إسطنبول، في لقاء مع إحدى القنوات الفضائية التابعة لجماعة الإخوان التي تبث من تركيا »تأدية التعزية للدولة الفرنسية لسقوط ضحايا (شارلي إيبدو) أمر مخالف للدين.. أنا أسحب اعترافي بكم. ما صنعتموه مصيبة«. من جهته، قال إبراهيم منير، أمين عام التنظيم العالمي ل«الإخوان» في الغرب، إن الداعية غنيم »لا يمثل إلا نفسه، وهو حر برأيه، ولا يمثل شخصيا الجماعة«. وأضاف المسؤول الإخواني أنه »لو كان غنيم يعيش بفرنسا أو بإحدى العواصم الغربية لذهب بنفسه لتقديم العزاء لأهل ضحايا مجزرة (شارلي إيبدو)». وقال »مسألة تقديم التعزية لمجتمع لم تصله الدعوة الإسلامية الصحيحة فائدتها أكثر من ضررها، حتى تبرأ الأمة من دماء سالت بغير حق، مع تجاوز الضوابط الشرعية». على صعيد أخر، تشير تقارير استخباراتية إلى أن اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا على علاقة وثيقة بالمخابرات الفرنسية. حيث يقول التقرير المعزز بالوثائق والرسائل الخطية «داخل المنطقة الصناعية ب «كورناف «، يقبع اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا - أو (اتحاد المنظمات الإسلامية لفرنسا)، بحسب الترجمة الدقيقة عن الفرنسية - وهو بمثابة الذراع الأوروبي الثاني للتنظيم الدولي للإخوان. وينقسم الاتحاد، الذي يستمد قوته من شبكة تضم أكثر من 200 جمعية أهلية.. إلى 8 جهات إدارية.. كل جهة تمثل بمندوب لدى الاتحاد، وتشرف على مجموع من الجمعيات، تقسم بدورها إلى ثلاث مجموعات حسب درجة الولاء والالتزام. فالشباب.. ينتمون إلى الشباب الإسلامي الفرنسي، أو إلى الطلبة المسلمين الفرنسيين.. والأخوات ل (الرابطة الفرنسية للمرأة المسلمة). وفي المجال الإنساني (لجنة دعم فلسطين).. كما تضم (جمعية ابن سينا) الأطباء.. بينما يتجمع الدعاة تحت راية (جمعية أئمة فرنسا). أما من الناحية التاريخية.. فقد أنشئ الاتحاد، الذي يديره الآن «فؤاد علوي»، في العام 1983 ب (مورثاي موزال)، بمعرفة كل من : التونسي (عبد الله بن منصور)، والعراقي (محمود زهير). وكان في بدايته، عبارة عن تجمع عائلي لأربع جمعيات ذات تنظيم سري (!) إلا أن نقطة التحول والانطلاق في مسار الاتحاد.. كانت في العام 1990.. عندما قام وزير الداخلية الفرنسي، إذ ذاك «بيير جوكس» بإلحاق مؤسس الاتحاد التونسي (عبد الله بن منصور) ب (مجلس التفكير حول الإسلام في فرنسا- CORIF ). حينها.. كان أن توسعت الشبكة السياسية والاجتماعية- بل والأمنية - للاتحاد.. وأصبح فيما بعد محلا لاحتواء العديد من الإسلاميين (التونسيين) الهاربين من مطاردات نظام «بن على».. فضلا عن أنه أصبح محلا لتجمع العديد من قيادات التنظيم الدولي، إذ حظي- على سبيل المثال - برعاية خاصة من الشيخ راشد الغنوشي- أو الشيخ «الراشد» وفقاً لمكاتبات التنظيم السرية- رغم أن «الشيخ الراشد» كان قد فضل - وقتئذ - أن يبقي إلى جوار (أمانة لندن)، حيث بؤرة التنظيم الدولي أكثر سخونة (!) وداخل أروقة المنطقة الصناعية ب «كورناف «.. كان أن توثقت العديد من الصلات بين نشطاء الاتحاد ( خاصة التونسيين منهم)، وعدد من دوائر الاستخبارات الفرنسية، مثل(DGSE) . ولم يكن في هذا التوقيت ل (إخوان تونس) - نظراً للملاحقات الأمنية من قبل نظام بن على- تنظيم محدد الملامح، إذ تكشف وثائق التنظيم الدولي أنهم كانوا يعملون عبر (أمانة لندن)، حيث كان يقبع الشيخ الراشد، بشكل مباشر.. وهو ما دفعهم - أكثر من مرة - إلى البحث عن نقطة تماس والنظام التونسي السابق.. لكن يبدو أنها لم تكن تثمر عن شيء يذكر (!) فبحسب «التقرير الخارجي» السابق، كان أن التقى عدد من (إخوان تونس) والسفير التونسي في سويسرا.. ووقتها سأله بعض الأخوة: (هل يمكن للشيخ الراشد أن يتحدث مع الرئيس؟). بعدها، قام «الغنوشي» بالاتصال- بالفعل- بالسفير، عبر التليفون.. لكنه- وفقاً لنص التقرير - لم يجده(!).. فترك رسالة ولم يتم الرد حتى الآن(!) كما يكشف تقرير «خطى» آخر، خاص باجتماعات المكتب العالمي.. عن أن التنظيم، لم يجد غضاضة في تعامل بعض الأخوة التونسيين مع المخابرات الفرنسية، إذ كانوا يعتبرون مثل هذه الاتصالات أمراً مهماً في تتبع أخبار «بن على»، الرافض ونظامه لفتح أي قنوات اتصال مع الإخوان(!)