الدين الفطرة (**)، والفطرة ما أضحى به الإنسان منفصلا عن الطبيعة وسيدا عليها: مقومات سلوكية، ومؤهلات اجتماعية وقيم تضبط وتنظم العلاقات المختلفة مع الذات والمجتمع والطبيعة، بالدين أو الفطرة، حققت البشرية نقلتها نحو انسانيتها، اخترعت نفسها باختراعها للتاريخ، الذي ليس هو سوى «فعل الانسان في الزمن» الفعل الذي لا يعني الكدح اساسا، بل تغيير الواقع والتحكم في ضرائره بما يلائم مطالب الانسان ومطامحه (=الحرية). المغاربة يسمون «الزكاة »فطرة، وحسنا نطقوا، فالفطرة تشترط التضامن، و«الصدقة» من الصداقة، والصديق هو الأخ (الذين لم تلده لك امك) التوحيدي، ولا أعرف «حداثيا» يتصدق، بل هم يوجدون: سكنا وحياة يومية، حيث لا يمكن ان يفعلوا، بل فقط خدما في المنازل او في المصانع والمتاجر. ولذلك هم لا اصدقاء لهم أيضا، بل فقط مستغلين او زبناء. والزكاة تعني النمو، والتنمية هي الوظيفة الاساس المفترضة والمطلوبة من ادارة الدولة. واكثر بقية مصطلحات الدين التعبدية وغيرها.. هي من هذا القبيل في اصول معانيها. ابو العباس السبتي المؤسس الاقدم لحقوق الانسان (المعاقين والعوانس...) يعتبر أن «الوجود ينفعل بالجود» والمادة اللغوية واحدة على كل، والحق والحقيقة معه. ولا يتصور لذلك انسان بحق او ادارة دولة تترك محتاجيها ينامون جياعا، يفترشون الغبراء ويلتحفون السماء ويعالجون بالصبر. هذا هو المعني العميق ل «الحنين نحو الاصول» (مورسيا الياد) او للنزوع السلفي. فالسلف الدين ومنه الدين، لأننا مدينون لمن أسسوه، بالحفاظ عليه فطريا. غير أن (القوم سلفوا) بمعنى تقدموا فهم (سلف لمن وراءهم) وسلاف العسكر (طلائعه) والسُّلاف والسُّلافة (افضل الخمر واخلصها، ما تجلب من غير عصر) وذلك كان في الزمن الاول، وقبل أن تتحول بفعل مفاسد المجتمع الطبقي الى أم الخبائث، وسلفوا ضيفكم قدموا له الُّسلفة (الطعام الأجود) و«بيننا سِلف» بينا صهر. انتهى الغزالي بعد معاناة وتمزق بين تكوين اطر الدولة في (المدرسة النظامية) وضميره الديني، الى قولته الاشهر «اللهم ألهمني إيمان العجائز»، وقبله سأل الرسول الكريم جارية احدهم، هل تعرف الله فأجابت إنه في السماء. فقال لمالكها: جاريتك مؤمنة، وأمره بعتقها. واكثر مؤمني عصرنا هم اليوم احوج الى العتق (؟!) تلكم هي «حقيقة» الدين، اصله ووظيفته، غير انه ما إن تتحكم فيه ارادات الدول، حتى ينحرف عن مقاصده ويوظف لغير اهدافه.. من تم يبدأ الصراع فيه وحوله، سلاحا في معركة أخرى هي في حقيقتها ذات طبيعة اجتماعية - اقتصادية سياسية. (زكاة العصر وصدقاته، وكذلك ربما صداقاته، اضحت مسألة مدنية سياسية لا محض احسان. اضحت مسؤولية دولة ومردودية اقتصاد وتوازن مجتمعات وتكافؤ اقطار. وتوازن بيئة وسلام عالمي. احسان اليوم هو: الديموقراطية والاشتراكية على صعيد المجتمع المدني راهنا وفي ادارة الدولة غدا ). منذ أول تأسيس لإدارة دولة بدأ النزاع. توسلت ادارات المجتمعات بالدين سبيلا لتأسيس ادارة الدولة. غير ان ضرورات الاجتماع البشري وصراعاته، سرعان ما باعدت بين القيمين عليها وبين مجتمعاتهم. وهو الامر الذي سرعان ما انعكس على تأويلهم وتوظيفهم للقيم والضوابط المشتركة الموحدة المؤطرة والمحفزة.. وتحول بذلك الى طقوس... هنا يبدأ التدين ويبدأ تأسيس المؤسسات الدينية: المعابد ورجالها من ايديولوجيا السلطان وفقهائه. ويكثر اللغط والكلام في الكلام وعن الكلام (= الطوطولوجيا) بعيدا عن الواقع ومن أجل تكريسه لاتغييره (= الثقافة). تتأسس «الايديولوجية» ما يعني تقديم الوقائع وقراءتها بما يتلاءم مع مصالح القارئ لامع حقيقتها، او بالأقل درجة المعرفة بها، وذلك بآليات متعددة ومتنوعة: الاضافة إليه / الإنقاص منه / قلبه / تضبيب الرؤية إليه / تغيير تركيبته / تشويهه.. الخ. تبتعد، بل وتتناقض مصالح المديرين لأجهزة الدولة، ومن يعكسون ويعبرون عن مصالحهم، في المجتمع، مع مجموع الهيئة الاجتماعية، فينعكس ذلك على الدين وعلى مؤسسات التدين. ويكون رد الفعل، يبرز الانبياء والرسل والصلحاء، بغاية واحدة ودائمة هي تجريد الدولة من مشروعيتها الدينية. والرجوع الى الدين الاصل، دون الفطرة وإعاة احتضانه نقيا من قبل أصحابه المحتاجين إليه: حصنا للمنعة وملاذا للإنقاذ وأملا في حياة وكرامة ومنظما لتضامن ومؤطرا لحركة.. المضطهدين. مئات بل آلاف المجددين المصلحين والمنقذين للدين... لانعرف من أسمائهم الا المنتصرين من بعض المتأخرين، أهمهم دون شك ابراهيم وموسى وعيسى وخاتمهم محمد (ص). ونضالاتهم ومقاوماتهم للظلم وللفساد.. معروفة... اما المصلحون فهم كثر أهمهم في اعتبار هذا المقال هم: لوثر (16 م) في المسيحية، وذلك لأنه من موقع «التقليدانية» أسس الشرط الاهم لكل حداثة العلمانية، بمعنى فصل الدين عن إدارة الدولة (لا العكس)، تحريره منها، وإرجاعه الى أصحابه في المجتمع ضميرا أخلاقيا ومؤسسة للتضامن... وتحريرها (= الدولة) منه حتى تتفرغ حقا وصدقا للسياسة بما هي شأن عام موضوعه الصراع و / او التوافق، بين مصالح ومطامح لا معتقدات. وموسى مندلسون (18 م) في اليهودية (والمغربي الاصل الايطالي اللغة والمسكن ايلي امازيغ صاحب كتاب «اليهودية والبشرية») يتحدث مندلسون عن ثلاث فصائل: الدين / والدولة (محتكرة العنف وفارضة النظام) معتبرا أن اجتماع الفضيلتين في مؤسسة واحدة هو عنوان الخراب والفساد، من حيث إنه يقضي على فضيلة ثالثة لاتقل أهمية هي: حرية الضمير، ذلك لأن مأسسة التدين تنفي الدين.. تنفي الفضيلة.. أما في الاسلام، فإن عدد المصلحين كان أكثر، انطلاقا من النظام والجاحظ وحتى ابن رشد والعز بن ع، السلام والشاطبي... غير أن أنجحهم كان دون منازع هو ابن تيمية. فضائل ابن تيمية ومنجزاته أكثر من ان تعد. ما يعرفه الناس ليس بأهمها، الا وهو تصديه لقيادة المجتمع وتحريضه إدارة الدولة لمقاومة الاحتلال المغولي للبلاد العربية رغم ان المغول مسلمين... (حالتنا اليوم مع إيران) و هو منطق جديد لا عهد للإسلام والمسلمين به عصرئذ. لقد حاول ان يؤسس ما نجح لوثر في تحقيقه، الا وهو تحرير الدين من التدين من «علومه» من تأويلاته الايديولوجية اللاحقة عليه وتوظيفه السياسي من قبل الدولة. تمكن لوثر من ذلك عن طريق ترجمة الانجيل وبالتالي تمكين الشعب الجرماني من الاتصال المباشر بالله عن طريق كلامه، وبذلك حرره من «رجاله» ومن «علوم» كلامه في التراث الكنسي - الاقطاعي اللاتيني اللغة. أما ابن تيمية فبالرجوع إلى النص الاصل، ولاشيء غير النص، اما السنة فهي لتفسيره وحسب، وخارج ذلك فلقد مسح الطاولة كلها بعُجرها وبُجرها، من تأويلات وهرطقات وسفسطات ومنطق... الكلاميين والفلاسفة والمتصوفة... كل اولئك كانوا في حقيقتهم وعلى اختلافاتهم رجالات دولة إما عبودية (الفلسفة اليونانية) و إقطاعية (إسلامية)، والحال يقتضي نهوضا جديدا او تجديدا شاملا... وهوما يقتضي دينيا الانطلاق من الصفر من الاصل من الفطرة. كما يحدث في التاريخ دائما، فإن الايديولوجية تنتقم لنفسها، سرعان ما تحني الرأس وتظهر الهزيمة وتستنيم... ولكن فقط من أجل الردة. لقد ارتدت اليهودية المحرفة على اللوترية التي رجعت إلى اليهودية الأصلية من أجل الإصلاح (الأمر الذي سبق للدعوة المحمدية أن أنجزته؟!). وتمخضت اليوم عن إنجيلية يمينية صهيونية تدفع بالعالم نحو محرقة لا تبقى ولا تذر وذلك ربما انطلاقا من فلسطينالمحتلة (؟!). أما الإسلام، والذي لطالما تعرض لمحاولات التهويد المحرف (الإسرائيليات) لأن اليهودية الأصلية هي الإسلام نفسه «إن هذا لفي الصحف الأولى صحب إبراهيم وموسى»( وأيضا للتمسيح )عن طريق التصوف خاصة). أما رهان ابن تيمية، فبعد الإنجاز الهام والجبار الذي تحقق ببعض فكره، على يدي كل من آل سعود وابن ع. الوهاب (توحيد شبه الجزيرة وتشكيل دولتها المركزية، المنجز الأّهم في تاريخ العرب الحديث). فلقد انتهى اليوم الى خسارتين 1- توظيفه المغرض والإيديولوجي من قبل من لا علاقة لهم به. ولا علاقة لفكره بهم إلا صوريا ولفظيا.. 2- الأحكام المسبقة ضدا عليه من قبل الحداثيين، أقصد الديمقراطيين، وفي هذا نجح الاستشراق ونجحت المخابرات الثقافية العربية، ولم يكلف أحد نفسه إلا قليل، بقراءته في التاريخ وبمنطق التاريخ، بما في ذلك المقارن، بالتجربة الأوربية النهضوريجة ثم التنويرية ثم الحديثة (=الحداثية). في هذا العدد ننشر مقالة هامة، حول حالة نموذجية، خاصة وأنها تتصل بأم الكتاب أو فاتحته بل بالكلمة الأولى منه، مفتاحه «إقرأ» ومن خلالها نستطيع التأكد من بعض ما جرى الوقوف عنده إشارة في ما سبق. بما يوضحه ويمثل له تفصيلا... أهمية المقالة، أها بحث نحوي، من قبل فقيه أو أستاذ لا يتغيا غير انقاذ ما تورط فيه أجداده من النحاة، لتبرير قراءة للمعنى، اتضح اليوم فساده من قبل باحثين آخرين اعتمادا على علم اللغة التاريخي وعلم اللغة المقارن. صاحبنا، من داخل نصوص الإعراب النحوي والتفسير.. يكشف فساد منطق النحاة وتناقضات أدواتهم، مع ذات القواعد والمقدمات المعتمدة في تأسيس منطق النحو العربي نفسه فضلا عن أصول الدين.. لم تكن لفظة «إقرأ» تعني في حينه ما فسرها به المفسرون وزكاهم في ذلك النحاة، أي فك رموز الكتابة، هي في الأصل كلمة عبرية (عروبية) تعني «ارم ما بين يديك» أي: إصدع / أعلن / إجهر / نادي / أدع / بين.. إلخ. توسع معناها / مجازها / نموها / تأويلها / إعادة إنتاجها /... هو أمر لاحق، حدث مع أوساط القرن الثاني مع ما يسمى ب «عصر التدوين» علميا تقيد وضبط وتأسيس «العلوم» الإيديولوجية لإدارة الدولة «الإسلامية» (في الحقيقة الإقطاعية التجارية)، ولأن بناء العبارة لا تستقيم دلالته، مع رغبات وحاجيات المؤولين (المفسرين، معيدو الإنتاج..) للقرآن، فلقد تكفل النحاة وغيرهم، بلي أعناق الحقائق بالاجتهادات الفارغة والتمحلات وتحايلات النحو (نظيره في الفقه نفسه) بأدوات: التضمين وإعراب التقدير.. أو حتى الانتحال، باصطناع أبيات تنسب لشعراء جاهليين تبريرا للاستثناء وتسويغا للإفساد. هذا مع أنهم لم يعودوا أصلا إلى تراث الجاهلية اللغوي، مع أنه وثني، إلا بمبرر تعقيد اللغة العربية الفصحى، لفهم القرآن الذي نزل باحترام قواعد تواصلها وتعبيرها.. حجج صاحبنا مبسوطة في مقالته، بما في ذلك ملاحظاته «الدينية» في ذيلها.. ما يهمنا الآن هو الخلاصات التالية: 1- إن البعد الرئيس للدعوة الإسلامية، و جديدها مقارنة إلى المسيحية، هو التنبيه الى أهمية الفعل، هو العمل هو الإصلاح والتغيير، وأن النظر والفكر والعقل.. يبررها الهدف منها لاذاتها، إذ لا قيمة لها في ذاتها، ودليل ذلك فشل المسيحية التي انحرفت على يد الدولة البيزنطية الي محض إيديولوجية لتبرير الاستباد وتسييد الجهل و احتكار خلافة الله في الأرض من قبل السلطان لا الإنسان. في التأويل المثالي والرجعي للمسيحية، أضحى كلام الله هو نفسه كلام أرسطو منظر المجتمع العبودي «في البدء كان الكلمة». لو كانت «إقرأ» تحمل ذلك المعنى، فما الحاجة إذن إلى الدعوة الإسلامية التي جاءت أصلا، إصلاحاً للانحراف إياه (؟!) 2 جميع العبادات الخمس في الإسلام كانت قبله. جديدُه لم يكن سوى العمل على واجهتين: في الداخل بتأسيسه لمفهوم حق المعارضة ضداً على الظلم وعلى الاستبداد... إلخ، وذلك عن طريق حق/ واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وضداً على العدوان الخارجي، ومنع الحق في نشر الدعوة سلماً، وذلك بالجهاد (المقاومة). وكلا المبدئين لا يوجدان في «المسيحية» المؤولة من قبل فقهاء (= رهبان) الدولة البيزنطية التي جاء الإسلام أساساً للإطاحة بإمبراطوريتها التي استهدفت غير مرة بيت الله الذي رفع أركانه إبراهيم الحنيفي. 3 حسب القرآن، فإن المعرفة مسؤولية والتزام، فحيث تعرف محمد صلى الله عليه وسلم على ربه وعلى منهجه وعلى التاريخ وعبره وعلى معنى الحياة ووظيفة الإنسان فيها... (= الوحي)، فليس له الحق في أن يعتذر عن تجاوز ذلك نحو: الدعوة، أي إبلاغ الحقيقة إلى الناس وتحميلهم من تم مسؤوليتها، مسؤوليتهم في إصلاح و/ أو تغيير ما هم به مما يتناقض معها.. ولذلك جاء الخطاب بالأمر (اقرأ= إصدع)، ولم يقبل الباري اعتذار الرسول الكريم وإشفاقه على نفسه من أن يفشل (ما أنا بقارىء)، أو بالأقل من أن يدخل في الصراع مع قومه وهو يعلم ما وقع للأغلبية الساحقة من الرسل والأنبياء قبله من محن وافتتان واضطهاد وعزلة... 4 إن المؤسسة الدينية وضعت جملة آليات وقواعد وضوابط وتقنيات احترازية وصارمة ولا تسمح باكتشاف الحقيقة وإشهارها (= الاجتهاد)، فحيث هي فرضت على أي مفسر أو محدث أو فقيه... تملك جملة علوم وأدوات للعربية تصل الى أربعة عشر «علما» منها النحو والصرف والمعجم والبلاغة.. إلخ. فهي بذلك قد ضمنت النتيجة مسبقاً. وعندئذ فكثرة التفاسير و «الاجتهادات» لن تتجاوز في الجملة التعدد نحو التنوع، إنها بالأحرى إعادة إنتاج موسعة ليس غير، إن التفسير إذن يوجد في المعجم وفي المجاز والتشبيه والصرف والنحو... إن المفسر مملوك لها لا مالك بالأحرى... هو محض آلة للتنفيذ، أما قرارات التأويل فهي متضمنة في أدواته و «علومه» المدعاة. «اجتهاده» يتم في الحيثيات التي تراعي الجغرافيات أو حتى الأزمنة، لا في الأحكام والخلاصات والقرارات بالأحرى. 5 الآن يتضح لماذا لا يوجد حتى اليوم معجم تاريخي للغة العربية، وحده الاستشراق بدأ المبادرة (فيشر)، ولكنه بعد عقود ترك جذاذاته بالآلاف في مجمع اللغة العربية بالقاهرة. ولم يكلف أحد أو مؤسسة نفسه باستكمال عمله. إذ لا حاجة ولا رغبة للنظام الثقافي والإيديولوجي العربي في ذلك، لو فعل لاتضحت أمور أخطر ربما من هذه التي فتحت أبوابها لفظة واحدة هي «إقرأ»، ولكنه لن يفعل، فالأمر لذلك يحتاج إلى «مثقفين» مصلحين حقا وصدقاً. والحال أن النظام الرأسمالي العولمي والعربي... خطط ومول لتدجينهم بالندوات والمؤتمرات والمهرجانات والتعويضات المجزية عن المقالات التافهة والمستنسخة و «المترجمة».. وبالمواقع والجوائز... وكان الله لشعوبهم التي كدحت لأجل تعليمهم، أملا في تحريرها من قبلهم (؟!). 6 إن حظوظ المتأخر زمنا من معرفة الحقيقة، هي أكثر بما لا يقاس من حظوظ المتقدم. وذلك على نقيض ما يعتقده الكثيرون من رواد المعرفة اللغوية والدينية التقليدية السائدة. إن بحث المقالة يؤكد ذلك، خاصة عندما تتوفر نسب معتبرة من الحرية وتتخلص الأدلوجة السائدة من بعض أغراضها العتيقة ومنطقها الموروث و «الساذج» غالباً، مقارنة إلى منطق العلم والعصر، لا يتصل الأمر إذن بالموقف من كبار علماء اللغة العربية في القديم على جلال علمهم، مع أبسط باحث معاصر ولكنه غير مغرض... بل يتسع ليشمل، حسب هذا المنطق، الأئمة والفقهاء والمفسرين والمحدثين المسلمين المؤسسين، لقد خضعوا مرغمين جميعا وموضوعياً للأدلوجة السائدة في عصرهم. وما كان من الممكن لأي منهم أن يفكر أو يجتهد خارج ما تسمح به معارف زمنه، والعطب عندئذ ليس عندهم، بل عند من يتحدث اليوم عن المقدس الجديد مثلا، والذي يسميه المذهب المالكي أو ما شاكل وناظر في عموم الجغرافية العربية والاسلامية المعاصرة، والتي تدعو لذلك الى الكثير من الإشفاق على منطقها وعلى مآلاتها المنتظرة. 7 إن تحرير الدين واستخلاصه لأصحابه الحقيقيين «المستضعفون في الأرض ولكنهم المستخلفون عليها» يقتضي أولا فصل إدارته عن إدارة الدولة. ما يعني تحريره من الطواغيت، من رجالاته، والذين هم «رجال الدين» المتكلمون في النصوص والمؤولون لها، وتعويضهم بالعاملين بها: الأوفياء/ الصادقون/ الأخيار/ الطيبون/ المستقيمون/ المتصدقون (= المتطوعون)/ المتقشفون/ المتعففون/ المحترمون لحقوق العمال وكرامة النساء ومطالب الأطفال وتوازنات الطبيعة.. عيال الله وأحبابه وخلفاؤه.. مراكش، مارس 2010 --- (*): للقارئ الكريم أن يختار للافتتاحية عنوانا آخر هو مثلا: ترك الصلاة وترك الشورى (؟!) (الكاتب) (**): افتتاحية العدد 22/23 لمجلة «الملتقى» التي يديرها عبد الصمد بلكبير، ونعيد نشرها تعميما للفائدة وباتفاق مع كاتبها.