تنتشر أوجه التفاوت بين الجنسين بقدر أكبر، بل وتزداد حدتها في مرحلتي التعليم الثانوي والتعليم العالي، بالمقارنة مع التعليم الابتدائي، لكنها تتبع أنماطاً أكثر تعقيداً (الشكل 2,4). فقد كان التفاوت بين الجنسين في التعليم الثانوي في عام 2005، لصالح الصبيان في واحد وستين بلداً، أي بما يزيد بقليل عن البلدان الثلاثة والخمسين التي كان فيها التفاوت لصالح الفتيات. ويمثل ضعف التحصيل التعليمي للصبيان من حيث الالتحاق بالتعليم والأداء قضية مطروحة على نحو متزايد، ولاسيما في بلدان العالم المتقدمة، وفي بلدان أمريكا اللاتينية والكاريبي. فهذه هي المنطقة الوحيدة التي يزيد فيها. في المتوسط، عدد الفتيات الملتحقات بالتعليم الثانوي على عدد الصبيان (90 صبيا أو أقل مقابل كل 100 فتاة في 11 بلدا). وينزع الصبيان إلى التسرب من المدرسة في سن أصغر ويكونون أميل إلى الالتحاق ببرامج أكاديمية أقصر لا تفضي إلى مرحلة التعليم العالي، كما أنهم يتركون المدرسة قبل الأوان كسبا للعيش. وفي الغالب، يمثل الفقر عائقا أمام مشاركة الصبيان في التعليم الثانوي. فقد أشارت دراسة أجريت في شيلي الى أن احتمال انضمام الصبيان الفقراء إلى القوى العاملة يمثل أربعة أضعاف احتمال انضمام الفتيات الفقيرات إليها. وبلغ مؤشر التكافؤ بين الجنسين في العالم 0.94 في عام 2005، مما يمثل زيادة عن نظيره البالغ 0.91 في عام 1999. وقلت حدة أوجه التفاوت بين الجنسين بصورة أبطأ بعد منتدى داكار عنها فيما بين عامي 1991 و1999. كما ظلت منطقتا جنوب وغرب آسيا وافريقيا جنوب الصحراء الكبرى تشهدان انخفاضا في معدلات الالتحاق بالتعليم الثانوي، فضلا عن أنهما تتسمان بأقل نسب لالتحاق الفتيات بهذا المستوى التعليمي، إذ تلتحق فيهما على التوالي 83 و79 فتاة مقابل كل 100 صبي. فقد ابتعدت أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى فعلا عن مستوى التكافؤ بين الجنسين الذي كانت تشهده في الفترة بين 1999 و2005. وتقلصت أوجه التفاوت بين الجنسين في مرحلة التعليم الثانوي. سواء كانت لصالح الصبيان أو لصالح الفتيات، في ثلثي البلدان البالغ عددها 144 بلدا وتتوافر عنها بيانات في هذا الخصوص بالنسبة لعامي 1999 و2005، وهو ما أفضى إلى تحقيق التكافؤ بين الجنسين في بعض الحالات. التعليم العالي: التكافؤ بين الجنسين ظاهرة نادرة حققت 4 بلدان فقط، هي بوتسواناوالصين والمكسيك وبيرو، من أصل 144 بلدا، التكافؤ بين الجنسين في هذا المستوى التعليمي بحلول عام 2005. وعلى صعيد العالم، كان عدد النساء يفوق بكثير عدد الرجال في الالتحاق بالتعليم العالي في عام 2005 إذ بلغ متوسط مؤشر التكافؤ بين الجنسين 1.05). وهو ما يعد عكسا للاتجاه الذي كان سائدا في عام 1999. وكان التفاوت لصالح الإناث أكبر في البلدان المتقدمة والبلدان التي تمر بمرحلة انتقالية، وهو تفاوت اتسع نطاقه منذ عام 1999. أما أوجه التفاوت لصالح الرجال، فقد لوحظت في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى (0,68) وجنوب وغرب اسيا (0.74) وشرق آسيا (0,92) ومع أن عدد الرجال والنساء الملتحقين بالتعليم العالي يتساوي في الدول العربية. فإن المتوسط المسجل على الصعيد الإقليمي يخفي انخفاضا كبيرا في مشاركة الإناث في هذا التعليم في عدة بلدان. المساواة بين الجنسين: مسألة أدق وأصعب تحقيقا إن الحد من أوجه التفاوت بين الجنسين في مجال التعليم لا يفضي بصورة آلية الى تحقيق المساواة بين النساء والرجال. فالفوارق بين الأجور والفرص الدنيا لوصول النساء الى بعض ميادين الدراسة والوظائف و قلة التمثيل السياسي هي أدلة على استمرار التكفاؤ بين الجنسين هو شرط ضروري و لكنه ليس كافيا لتحقيق المساواة بين الجنسين. ويقتضي تعزيز المساواة بين الجنسين في التعليم تعديل عمليات التنشئة الاجتماعية للجنسين وبعض ظروف التعلم في المدرسة. وتتسم الموضوعات التالية كلها بأهمية بالغة في تعزيز المساواة بني الجنسين في التعليم. بيئات مدرسية مأمونة تراعي الجنسين مازالت تجري في مدارس كثيرة أعمال عنف بدني ونفسي يرتكبها معلمون وغيرهم من العاملين والأطفال أنفسهم. ويعد الصبيان أكثر ميلا للتعرض لأعمال عنف بدني على نحو متواتر وقاس، ولاسيما العقوبات البدنية. أما الفتيات فإنهن أكثر تعرضا للعنف والتحرش الجنسيين، وهو ما يفضي في كثير من الأحيان الى زعزعة تقدير الذات وإلى التسرب من المدرسة في سن مبكرة. فقد أشارت دراسة مقارنة أجريت في غانا وملاوي وزمبابوي الى أن فتيات كثيرات أبلغن عن تعرضهن لتلميحات جنسية عدوانية من جانب تلاميذ ذكور أكبر سنا ومن جانب معلمين كما أن البيئة المادية للمدارس لا تقل أهمية عن الأمان فيها. فاليافعات، ولاسيما الشابات اللواتي تجاوزن سن البلوغ، تقل رغبتهن في الحضور في المدارس، إذا لم تتوافر فيها مرافق صحية مناسبة. وتؤكد إحدى الدراسات أن نصف عدد الفتيات اللواتي يتسربن من المدارس الابتدائية في افريقيا جنوب الصحراء الكبرى يفعلن ذلك بسبب سوء حالة مرافق المياه والإصحاح. المعلمات وديناميات العلاقات في قاعات الدرس تتميز البلدان ذات النسب المئوية الأعلى للمعلمات بمستويات أرفع للتكافؤ بين الجنسين في الالتحاق بالتعليم الابتدائي. ومع أن النساء يمثلن نسبة 94% من المعلمين في التعليم قبل الابتدائي، فإن هذه الحصة تنخفض إلى 62% في التعليم الابتدائي. وإلى 53% في التعليم الثانوي وإلى 41% في التعليم العالي. وعلى أي حال فإن مجرد تواجد معلمات لا يضمن أن تتم معاملة الفتيات والصبيان على نفس النحو في المدرسة. ويدعى الكثير من المعلمين أنهم يعاملون الصبيان والفتيات على قدم المساواة، غير أن مواقف هؤلاء المعلمين كثيرا ما تنطوي من الناحية العملية على تحيز مستتر. ويحظى الصبيان عموما بمبادلات أكثر ثراء في العلاقات مع المعلمين، ويهيمنون على سير الأنشطة في قاعة الدرس ويتلقون اهتماما أكثر مما تتلقاه الفتيات، وذلك من خلال النقد والثناء والملاحظات البناءة. وتشير دراسات أجريت عن التلاميذ في المناطق الريفية في كينيا وملاوي ورواندا إلى أن المعلمين لا يتوقعون الكثير من جانب التلميذات، ويساهم المعلمون والتلاميذ على السواء في تجسيد نمط يتيح فرصا أقل للفتيات للمشاركة علي نحو فعال في أنشطة قاعات الدرس، فثمة حاجة الى تدريب المعلمين كي يفهموا كيف يؤثر انتماء كل منهم علي جنس بعينه على هويته كفرد، وذلك من أجل أن يدركوا ما يتكون لديهم ولدى تلاميذهم من مواقف وتصورات وتطلعات. فلا يزال هذا النوع من التدريس نادرا نسبيا. أشكال التحيز في مضامين المواد التعليمية يشير تحليل مضامين الكتب المدرسية الى وجود تحيز ضد الفتيات والنساء بصرف النظر عن المرحلة التعليمية أو المواد الدراسية أو البلد أو المنطقة. فالفتيات والنساء لا يحظين بتمثيل كاف في الكتب المدرسية وذلك على نحو منهجي. و مازلن يظهرن، في الصور التي تقدم عنهن في أدوار نمطية إلى حد بعيد، وذلك حتى في البلدان التي حققت التكافؤ بين الجنسين في التعليم الابتدائي. فتصور الكتب المدرسية الخاصة بمواد الدراسات الاجتماعية في الصين جميع العلميين كذكور وجميع المعلمين كإناث. وتشير إحدى الدراسات الخاصة= با لكتب المدرسية لمادة الرياضيات في الكامرون وكوت ديفوار وتوغو وتونس الى أن نسبة شخصيات الإناث في المواد المكتوبة تقل بنسبة 30 في المئة. عن شخصيات الذكور في كل بلد من هذه البلدان. وتبين دراسات عن تحسين أوجه المساواة بين الجنسين في الكتب المدرسية أن هذه الكتب تتجاهل الى حد بعيد التغيرات التي حدثت في أدوار النساء إبان العقود الأخيرة. اما التثقيف الجنسي الذي يمثل مجالا من مجالات المناهج الدراسية ذا أهمية حاسمة من منظور جنساني، فإنه يحظى في الوقت الراهن باهتمام متزايد، ويعزى ذلك بصفة رئيسية الى انتشار فيروس مرض الايدز. وتتعرض مثل هذه البرامج التعليمية للنقد في بلدان كثيرة لأنها تتجاهل الحياة الجنسية للنساء ووجهات نظرهن في هذا الصدد، وذلك باقتصارها على الاهتمام بشؤون الصبيان، وبينت دراسة عن التثقيف الجنسي في مدارس المرحلة الدنيا من التعليم الثانوي في بوتسوانا ان النقاش مع المعلمين والتلاميذ على السواء يفضي الى تكرار الصور النمطية للادوار الاجتماعية للصبيان والفتيات، فيهمش المعلمون الحياة الجنسية للفتيات باستخدام أمثلة تخاطب خبرات الصبيان وحياتهم الجنسية. نتائج أفضل في القراءة للفتيات وتدارك الفرق في مجال الرياضيات تؤكد البيانات المستمدة من عمليات التقييم الدولية والإقليمية الواسعة النطاق وجود ثلاثة اتجاهات رئيسية في التحصيل الدراسي في مجالات اللغات والرياضيات والعلوم. فأول، تواصل الفتيات على نحو ثابت تفوقهن على الصبيان في اللغات، وذلك حتى في البلدان التي يوجد فيها تفاوت كبير بين الجنسين في القيد في المدارس مثل الدول العربية. وثانيا، أصبحت الفتيات في المتوسط، يلحقن بالصبيان في التحصيل الدراسي في مجال الرياضيات ويحققن تقدما في التقييمات الدولية والإقليمية، وأخذت تظهر في الآونة الأخيرة فوارق لصالح الفتيات في عدة بلدان (مثل أرمينيا والفلبين وجمهورية مولدوفا) وثالثا، لئن كان الصبيان متقدمين الى حد كبير في العلوم، فإن الفتيات أصبحن يحرزن تقدما في هذا المجال. ويظل تمثيل النساء غير كاف في بعض الميادين العلمية. ففي غالبية البلدان التي تتوافر بيانات عنها، تشكل النساء ثلث الطلاب في الموضوعات العلمية على مستوى التعليم العالي، بيد أنهن يتجاوزن ثلثي عدد الطلاب في العلوم الإنسانية والعلوم الإجتماعية والميادين المرتبطة بالصحة، وفي جميع بلدان منظمة التعاون والتنمية في الميدان الإقتصادي، فيما عدا ايطاليا، يزيد عدد الذكور على عدد الإناث في الحصول على مؤهلات في البحوث العلمية المتقدمة.