رغم أنه ليس من المؤكد بأن الإرهابيين قد هاجموا متحف باردو وزواره بسبب موقعه على بعد أمتار قليلة من البرلمان الذي يحظى بحراسة أفضل، فإن الهدف قد حقق مبتغاهم. لقد هاجم القتلة القصر السابق لباي تونس حيث صيغت معاهدة الحماية سنة 1881. هذا القصر يحتضن أكبر متحف في المغرب العربي الذي تم إصلاحه بكلفة باهظة دفع ثمنها من اعتمادات التعاون الفرنسي-التونسي، وكذلك مقر برلمان الجمهورية الذي ظل يشكل، خلال السنوات الثلاثة الأخير، مركز الحياة السياسية التونسية بفعل احتضانه لأشغال المجلس التأسيسي. يحتضن متحف باردو بدون شك ثاني أجمل مجموعة من قطع الفسيفساء الرومانية، كما أن التحف المعروضة فيه قد حظيت بدراسة متحفية صتفته من ضمن أكبر المتاحف عالميا. ويبدو أن متحف باردو لم يتعرض عملية هدم منهجية، لكن إطلاق النار داخله لم يكن بدون تأثير على التحف المعروضة. وبدون العودة إلى مصر الفرعونية ولا إلى القرون الوسطى، فمن الجلي أن تاريخ المنطقة المتوسطية وأوربا قد عرف أحداثا تمردية رافقت التحولات الكبرى وصعود أو انهيار حضارة معينة. وهذا ما حدث بالفعل أحيانا مع بزوغ البروتستانتية. ومن جهتها، فالحركة التمردية الجديدة التي انطلقت مع تدمير تماثيل بوذا في باميان الأفغانية في مارس 2001، تندرج في سياق حرب تقودها الوهابية السلفية، حرب ذات أهداف إيديولوجية وثقافية. إن انتشار الإسلام الوهابي في شبه الجزيرة العربية منذ القرن الثامن عشر، قد صاحبته، اعتمادا على المرجعية القرآنية، موجات من هدم الأضرحة والتماثيل والقبور والمعابد. إن الأضرحة التي تعود إلى حقبة ما قبل الإسلام هي أول ما تعرض للتخريب، لتليها أمكنة التقديس الإسلامية ومنها قبور وأضرحة الصحابة، ذلك أن الوهابيين يعتبرون تقديسهم شركا بالله. وفي مرحلة لاحقة، ستلقى الزوايا وأضرحة الأولياء نفس المصير لأن الوهابية تعتبرها رموزا للردة. وبما أنه «لا إله إلا الله»، فإن الوهابيين يعتبرون كل تقديس لأحد الأنبياء أو الأولياء أو الصحابة شركا، ومن ثمة فإنه من الواجب شرعا رفضه، ومعه الأمكنة المعبرة عنه. وبناء على هذا المنظور الإيديولوجي، فإنه من اللازم هدم التماثيل القديمة نهائيا لأنها تعود إلى ما قبل الإسلام ?حالة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق?، وتدمير كافة أشكال التجسيد الدينية ?المسيحية أو الشيعية?، واعتبار قبور وأضرحة أولياء تعبيرا عن الشرك بالله ?حوالي 100 ضريح تعرضت للتدمير أو الإتلاف في تونس خلال سنة 2011?، ومعها كل أسندة تقديس البشر ?مخطوطات تومبوكتو... وقبورها?. هكذا، فإن هذه الحركة التمردية التي لا تكف عن مهاجمة الأقليات الدينية أو الثقافية، تمارس بشغف تدمير الصور والرموز والتماثيل، بل والبنايات التي تعتبرها مسيئة للطهارة الدينية ولهيمنة إسلام الأسلاف وفق الإدراك الوهابي له. وبناء عليه، فالصور جميعها وأسندتها المختلفة المتبناة من قبل العالم الحديث، يجب أن تكون موضوعا للتنديد والرفض. وهو ما يمثل في الواقع مفارقة كبيرة في «حضارة الصورة» السائدة حاليا. * عن لوفيغارو، عدد 20 مارس 2015