أعرف أنها قد تبقى حبراَ على ورق. لكن عليَّ أن أقولها. فالوَعْي لا يُكْتَسَب لكيْ يظلّ وَعْياً، وإنما ليتحَوَّل إلى فِعْل. والفِعْل، أحياناً، كلمة. نعرف أنه « من قلب السكون، تنبثق الحركة. فالسكون ليس ساكناً تماماً». ولكن، من منا يجرؤ، اليوم، على الحركة، على الحركة المعاكسة للتيّار الاستلابيّ الهائل الذي يسود الحياة الأدبية، في العالم العربي، الآن؟ كثيرون بالطبع، أو على الأقل، كما أتمنى، وإن كنت. الأدب ليس منحة، ولا هو خلْعَة. وهو ليس سلعة للبيع جملة أو تفصيلاً. كما أنه لا يقبل المساومة. ولا يهتمّ بمن يريد ثَنْيَه عن الذهاب إلى أقصى النقاط، وحتى المحرّمة منها. هو لا يُبْدَع من أجل الجوائز مهما كانت قيمتها. إنه « نحن». و «نحن» هي تاريخ الانسانية الذي ينجزه فرد واع منها. إنه، بمعنى أكثر تحديداً : « تاريخ الكائن الشخصيّ» الذي يُبْدِعه. الكائن الذي وهبَتْه الحياة وعياً صارماً، وأعطَتْه طاقة عظمى على التمرّد. تاريخ الانسانية المبدعة، إذاً، أكبر من الابتذال، والانضواء، والاحتواء. وإبداعها لا يقبل التلاعب، أو التنازل، أو الإنصياع. ولكن، لماذا كل هذا الاستشراء ضد الجوائز من قبل الكثيرين منا؟ لأن الفضاء الإبداعيّ العربيّ تسَمَّم بما فيه الكفاية من هذه الظاهرة. ظاهرة «الجوائز الاستحواذية « التي صارت تهيمن على كل شيء، وهي لا تستحقّ. فهي لاحقة بالإبداع لا سابقة له. لكنها صارت تريد أن تسبقه. وهي بدأت، الآن، تُعْطى للمنشور منه، وغير المنشور. وقريباً ستتجاوز المكتوب (منشوراً كان أم لا) إلى ما لمْ يُكْتَبْ، بعد. هكذا سيكتَمِل مشروعها الاستيعابي للثقافة العربية، باستيلائها على»المخيّلة الإبداعية « لأجيال قادمة، و»شِراء» ما تنتجه، اليوم، هذه المخيّلة، وما ستنتجه، غداً، «بثمن بخس». ونحن صامتون! ولكن، ما هو المثير للجدل في الجائزة الأدبية ( بعد قيمتها)؟ كل شيء تقريباً. وبالخصوص السلطة التي ترعاها، والجهة التي تمنحها، والهيئة التي تشرف عليها، والفكر الذي تدعو إليه، سرّاً أو علانية، والمبدع الذي «تختاره»، أو الذي يُخْتار لها، وطريقة الاحتفاء بها، وبالأخص ازدهارها الملفت للنظر في هذا الوقت العربي المحرج. حيث تتبعْثَر الشعوب، وتتحطَّم الكيانات الراسخة، وتنهزم الدول، وتنْهَدِر حقوق الإنسان، بلا حدود. البلدان العربية تتفتت، والجوائز تنشط، وتتكاثر، وتتنَوّع. الدول العربية الكبرى تتحطّم، والجوائز تحتفي بنفسها، وكأن شيئاً لا يحدث في محيطها. اللغة العربية تتهَرّأ، وتنكمش، والجوائز تتشدّق وتتضخَّم وتتوالى. الشعوب العربية تتناثر في بقاع الكون، تاركة وراءها، كل حياتها، والجوائز تتجَمَّع في بقعة واحدة، أو تكاد. تتجَمّع، وعيونها «الباصِرة» تلاحق المبدعين أينما كانوا، وكأن «الأرض» لا وجود لها، طالما أن النقود تستطيع أن تصل إلى أقصى نقاط الكون بلا «فيزا» . جوائز تَسْويق الجهل، وتعميم الأمية الأدبية، وتشتيت التركيز على الجوهر، وابتذال الأصول اللغوية المحكمة، و... متى نتجاوز اغراءاتها الذليلة؟ صرنا نحلم باستحداث حركة «من أجل أدب بلا جوائز». ولكن متى تتحقَّق؟