شهدت تجربة الشاعرة المغربية القديرة نجاة الزباير تحولات عميقة على مستوى الجمالية اللغوية، والبناء الرؤيوي للوجود، فمنذ ديوانها الأبرز «أقبض قدم الريح»؛ مرورا بديوانها «قصائد في ألياف الماء»؛ إلى ديوانها الجديد «لجسده رائحة الموتى» الصادر في دجنبر 2010م عن منشورات أفروديت 15، عن المطبعة والوراقة الوطنية بمراكش وهي تحفر مجرًى شعريا مفارقا في أرض الشعرية العربية الراهنة بحدس يتحدث لغات لم يتحدثها أي حدس شعري من قبل. فهي بهذا الديوان الموغل في البذاخة الفنية إخراجا وطباعة تكون قد أتمت مثلثا شعريا هو الأرقى من حيث فرادةُ التحسس للعمق الأعمق فينا، ولرعشة المستحيل المُطلة من تربة الغربة الراسبة في مائنا الأونطولوجي، ومن نافذة الوهم الذي يدفئنا كلما أثلج الحزن في دواخلنا. إن قصائده تُقيمنا في أقاصي الغربة بكل مفاهيمها، وتكتب محلوماتنا واستيهاماتنا بحبر قوس قزح، كما أنها تُعري أوهامنا المُقَنَّعَةِ والسافرة، فنستوحش الأمكنة والأزمنة الحميميةَ، المُسْتَكِنَّةَ أطيافها في أغوارنا، ونؤوب إليها مساء كما تؤوب الطير إلى الأدواح والخمائل. «لجسده رائحة الموتى» عنوان يتكلم فُسَيْفساءَ الغربة والوهم كما يتكلم العطر لغة الضوء والماء، ويجمع التمثلات الوجدانية المشتركة كونيا في قبعة التخييل، كما يجمع الساحر المُدهشات في قبعته، وذلك بروح شعرية موشومة بالآتي: 1- دينامية اللغة وغضارتها، كما لو أنها من النبع الأول للِّسَانِ. 2- الوحدة النفسية السائرةُ في الدَّوَالِّ والمداليل والصور، الأمر الذي يُشعرك بأنك أمام بصمة شعرية غير مُجْتَلَبَةٍ وغير متصادية مع الرائج. 3- الخيال الصادم للذاكرة المتواطئة مع المألوف. 4- تكثيف حالة المتلقي الشعورية، وتقوية قدرته على متابعة الصور الشعرية، والتقاط تفاصيلها داخل كل نصٍّ. 5- تَسْرِيدُ التحولات؛ سواء أكانت تحولات غربة أم تحولات وهمٍ؛ بإيقاع سمعي بصري ووجداني. بهذه الآليات الشعرية تقتحمنا الشاعرة نجاة الزباير، ولسان حالها يقول: في قمة الغربة نحترق، وعلى أكتافنا الوهم يندلق، ونحن نحلم بما يحلم به الصاعدون سلم النور...أما لسان حالنا نحن فيقول: هكذا يفعل الشعر إثمَه الجميلَ حين يُغويك ويغريك، ويشدك من روحك، وينتقل بك بين عوالمه المتخيلة، فتتعرى من غربتك وأوهامك، وترقص، وتعشقُ في زمن متوحش ومستبدٍّ، وتفتح قلبك على قنديل الدهشة، وعلى التوحد بالمجهول. نقرأ من الديوان : كَانَتْ لِجَسَدِهِ رَائِحَةُ اُلْمَوْتَى نَظَرَ حَوْلَهُ وَقَالَ: «رَأَيْتُكِ فِي مِرْآةِ اُلْمَوْجِ فَحَضَرْتْ». قُلْتُ : «أَيُّهَا اُلْغَرِيبُ لِمَ ثِيَابُكَ عَوَاصِف وَعَيْنَاكَ مُدُنٌ مُحْتَلَّةْ ؟» هَوَى فَوْقَ اُلْأَرْضِ وشَرَعَ في البُكَاءْ !! لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيَّ غَيْر مِنْديلٍ من تُرابٍ رَمَقَ اُلطَّرِيقَ وقال: «مِنْ هُنَا مَرُّوا ..» ظَنَنْتُهُ مَجْنُونًا قَادِمًا مِنْ مَقْبَرَةْ فَانْكَمَشْتُ دَاخِلَ كِتَابٍ صَغِيرْ اُلْتَقَيْتُ فِيهِ جِيفَارَا وَاُلْحُلْمَ اُلْمَفْقُودْ. نَادَانِي بِاُسْمِي اُرْتَعَبْتْ. قال: «لا تَخَافِي وَتَهَجَّى فِي شَجَنْ حِكَايَاتِ اُلْوَطَنْ !!»