الإدارة السياسية للدولة، تتوهم أنها بانتهاج سياسة حسن النية، وفتح الحدود والأبواب، والتحالف مع الرأسمالية العالمية بدون حدود، ومسايرتها بدون قيود، ومسالمة الاستعمار الصهيوني والتطبيع معه... الخ تستطيع استئمانهم واستدرار تعاطفهم وتأييدهم، والحال أن الاستعمار الغربي لا يرى سوى مصالحه، وعندما تعطيه بدون شروط، يعتبر ذلك هدية لا تتطلب مقابلا يكافؤها، يستدرجك حتى تدخل معه اللعبة. وعندئذ يفاجؤك بتغيير قواعدها، وحين تصير مكبلا لأسواقه ولإستراتيجيته.. يتعامل معك كأسير أو حتى كعبد، أقصى ما يتنازل لك عنه، هو منحةُ تركك حيا منتجا لقوة العمل الرخيصة وللمخدرات وللعاهرات.. ومستهلكا لسلعه كلها بما فيها خاصة... «الثقافة».. إلى درجة المسخ، حين نلاحظ مثلا، كيف أن هواة الكرة في شبابنا، ينقسمون انقسام الإسبان بين البارصا ومدريد، فيا للمأساة ويا للمهزلة (؟!) 6 -أين الخطأ: من كل ذلك، تتبين الأخطاء الرئيسية التالية: 1-الاستئثار المركزي، تقريرا وتدبيرا، بالملف، وتهميش دور جميع المؤسسات المركزية الموازية، إلا في حدود استشارات لا يعمل برأيها. ومن ثم إقصاء الرأي الليبرالي منذ المنطلق (علال الفاسي) واليساري ثم الإسلامي. 2-لم يكن العطب تدبيريا، بل استراتيجيا، راهن أكثر من اللازم على توازنات الخارج، وجعل من الخصوم والأعداء أحيانا أصدقاء، وأهمل الرصيد الشعبي الأكثر استراتيجية وصدقية وتباتا واستعدادا للبذل والتضحية وفي جميع الأحوال، ألا وهو الشعب المكرم والحر والمنظم حزبيا ونقابيا... 3-وقع التصرف الحكومي تجاه تناقضات الداخل الموضوعية، وكأننا لا نعاني من قضية وطنية، المفترض أنها تجمع مصالح الجميع إلى رهاناتها. وعوضا عن أن تخدم القضية إيجابا، بقية القضايا: التنمية والديمقراطية خاصة ، أنتجت العكس، وارتد عليها ذلك هي نفسها (الوحدة الترابية) بالسلب. 7 - العبرة والاعتبار هكذا كان المؤرخون يتناولون موضوع التاريخ دائما، للعبرة وللاعتبار، لا لأي أمر آخر. إنه لطالما كانت الجغرافيا التاريخية للصحراء، مصدرا للكثير من الانتصارات وكذا الهزائم والإخفاقات. وذلك حسب نمط التعامل معها. انطلاقا من التأسيس (=الدولة المرابطية) وحتى اليوم. وفي تاريخنا المعاصر، تبين من خلال الاستعراض الموجز لمسيرة العلاقة معها، كيف قررت مصائر العديدين، وبطريقة مأساوية غالبا، إن لم نقل دائما، لم يكن بلبصير والوالي أولهم ولا الجنرال الدليمي باني الجدار المنيع آخرهم، وقبلهم وخلالهم وبعدهم الكثير ممن مات غيلة أو حتف أنفه، وبقيت في نفسه غصة من مرارتها. والأمر في هذا الصدد يتصل بجميع الزعماء الوطنيين الأبرار في الحكم كما في المعارضة. المطلوب اليوم، وبعد الاستعمار، أن يتحول الجب إلى بئر، أن نخرج من مرحلة الرهانات الخاسرة والحسابات المغلوطة، إلى ما به تخدم القضية الوطنية، بقية قضايا الوطن الاجتماعية والسياسية الديمقراطية والتنموية-الإنسانية. المؤامرات لا تزال بعد مستمرة، علينا وعلى أمثالنا من الشعوب والدول العريقة والناهضة موضوعيا، ولا ينتظر منها سوى أن تتزايد، وسياسة مسالمتها، وحتى مسايرتها، لم تؤت أكلا سواء هنا أو في فلسطين أو غيرهما. ولا سبيل للرأسماليات المأزومة في الشمال الاستعماري، سوى تصدير أزماتها نحو الجنوب تحت وهم إنقاذ أنظمتها منها (الأزمة)، أو بالأقل تخفيف الاحتقان على شعوبها، والتي طالما حكمتها بالإرشاء، عن طريق نهبنا أساسا، أكثر منها ب»ديمقراطية» مدعاة، هي اليوم في تعرية وانفضاح دائمين (آخرها ويكلكس). عوضا عن استيراد أزماتهم إلى أسواقنا وإلى عقولنا وأرواحنا لنقلب ظهر المجن، ونتحد على أسس من إيديولوجية وطنية، لا تلغي بقية الفروقات، ولكنها تعالجها من خلال الاتحاد، أو تؤجل المستعصي منها إلى حين الانتصار الجماعي في معركة التحرير واستكمال الوحدة الترابية. وليكن الاستعداد للانخراط في مواجهة أعداء وخصوم وحدتنا الترابية، هو مقياس التمييز والفرز في الصف الوطني. وهذا ما جربه الشعب المغربي دائما ونجح به. وكان الفشل حليفه دائما، عندما يتخلى عنه، كما حدث بُعيد الاستقلال. يجب لذلك، استدراك واستئناف كل أمر بدأناه وتوقفنا عنه. أو ارتبكنا فيه، أو تنازعنا حوله. من حكومة التناوب التوافقي والإنصاف والمصالحة... إلى ميثاق التعليم والتنمية البشرية... المطلوب اليوم المصالحة مع المستقبل، مع المصير، مع الجنوب... لا مع الماضي وحسب. 8 الطريق الجديد: أولا: النفير: أثبت التاريخ أن أهم شرط لتلافي الحروب بين دولتين أو أكثر، هو توقع واستعداد المستضعفة منها لاحتمالاتها. «يد من حديد وقفاز من حرير». أعداؤنا من مختلف الأصناف والمنطلقات والأهداف، أعلنوا الحرب عمليا، بعد أن كانوا يخفون تدابيرهم العدوانية، والمطلوب من قبلنا لذلك، أن نمارس نفس الصنيع، دون إعلان بالضرورة، ولكن بالخروج من الشروط العامة السابقة والراهنة، والدخول في طور جديد وطريق جديد هو: 1-تدشين إدارة الحرب، واقتصاد ومجتمع الحرب، وثقافة وإعلام التعبئة تدريجيا بالطبع، ولكن بعزم وحسم. 2-العودة إلى التجنيد العسكري للشباب، والكشفي للأطفال والمراهقين. 3-إعادة هيكلة وتفعيل المجلس الوطني للأمن، والمفترض أن تشارك فيه الأحزاب المشروعة شعبيا. وكذا الخبرات العالمة، وسيكون من الأفيد مأسسته، أو تفريع مراكز بحث استراتيجية عنه. ويجب لذلك ولغيره، أن نضع في حسابنا، إمكانية تعديل، أو حتى تجاوز المؤسسات السياسية الراهنة، بما فيها الحكومة، وتأسيس أخرى جبهوية وطنية للإشراف على تدبير تحديات وأخطار المستقبل المنظور. ب-تحفيز المجتمع المدني ورفع الوصاية الإدارية عليه والاختراقات الأمنية لمؤسساته ونخص من ذلك: 1-تحرير الدين ومؤسساته، من عقال البيروقراطية وفقهاء السلطة... والدفع به لممارسة التحصين المجتمعي، والتعبئة ضدا على جميع الأمراض الأخلاقية، والتحريض على مقاومة العدوان، خاصة في صفوف ساكنة الجنوب.. ويقتضي ذلك بالطبع، إطلاق سراح جميع المعتقلين الإسلاميين في إطار ميثاق مشترك على الجهاد الوطني ضدا على العدوان الخارجي.. والدخول في حوار جدي وشامل وفي نفس الإطار، مع الجماعات الممنوعة حاليا من الشرعية القانونية. 2-توقيف حالة الميوعة الثقافية السائدة راهنا، خاصة في المسألة اللغوية: الفرنكفونية وأخواتها. وفي المقابل تشجيع ودعم ثقافة ومثقفي الوطنية والديمقراطية، خاصة في التعليم وفي الإعلام والجمعيات الثقافية الوطنية.. 3-تمكين طلبة التعليم العالي من اتحادهم الوطني العتيد، والذي لطالما لعب في الماضي أدوارا رائدة على المستوى العالمي، وكان عدد طلبته عشر عددهم اليوم، ولكنهم حاليا بدون أثر يذكر سواء داخليا، أو خاصة في الدبلوماسية الطلابية. وسط ملايين الطلاب في جميع القارات... 4-مساعدة الأحزاب على التأهيل الداخلي بالديمقراطية. ولا يكون ذلك بغير رفع وصاية واختراق الأجهزة الأمنية لهيئاتها ومنتخبيها وصحافتها... والنقابات، بالعمل الجدي على وقف تفتيتها، وبالعكس فإن وحدتها تعتبر في مصلحة جميع الأطراف، والأهم اليوم الوطن نفسه وبالذات. ومن ثم بالطبع قيامها بالدور الذي كانت تقوم به في الدبلوماسية العمالية. ولها في ذلك، (مثل الطلاب) ذاكرة وتقاليد ورصيد معتبر، ومعترف به من قبل جميع النقابات في العالم. وذلك بالطبع فضلا عن دور وحدتها في المساهمة في تحصين وتعبئة الجبهة الوطنية الداخلية، بما في ذلك على صعيد الإنتاج والإنتاجية... 5- تطبيق القانون بحزم وبحسم نهائي، في ما يخص ازدواجية النشاط الاقتصادي لموظفي الإدارة، ما يعني تحرير الإدارة منهم، وتغذية المجتمع والاقتصاد... بخبراتهم. ويرتبط بذلك، رفع أيدي الإدارة مطلقا عن التدخل في العمل السياسي، وعلى كل من يسمح له القانون منهم بذلك، أن يلتحق بحزب من الموجود منها، وهم أكثر من الهم على القلب.. والعمل بشكل مستعجل، على تضييق الفجوة العميقة بين الأجور الأعلى والأدنى مع التعويضات. ويقتضي ذلك الآن، تجميدا غير محدد في الزمن، للعليا، في انتظار تدبير العدالة الأجرية استراتيجيا. 6-إصلاح أعمق وأشمل للمنظومتين التعليمية والإعلامية. وذلك في اتجاه ربطهما إلى: الإنتاج / المجتمع / التربية / الجسد (= اليد) / التاريخ / والعصر. وتخفيف موادهما من ثقل المضامين الأيديولوجية. 7-تأهيل واستثمار، الجيش العتيد والعرمرم لجالياتنا المهاجرة في القارات الخمس. وفي المقدمة منهم نخبتها، وهي ليست بالقليلة (مئة ألف) ولا بالأقل حماسا ووطنية. يقتضي ذلك تنظيمهم وتشبيكهم وتوفير مواد العمل والدعاية بين أيديهم، وبجميع لغات الأقوام التي يشتغلون عندها، فضلا عن الوسائط المعاصرة لذلك (=الشابكة...) إن لهم الوقت والإمكانيات والحرية، للتحرك أكثر وأجدى من دبلوماسيتنا الرسمية. 8-تصحيح خطأ التقاعد المبكر لأساتذة التعليم العالي، ودعوتهم إلى العودة للمساهمة في إصلاحه، وأيضا دعوة بقية المدرسين المتقاعدين إلى المساهمة الوطنية في محاربة الأمية. 9-إصلاح وتأهيل قنواتنا التلفزية، والتركيز على أن تقتدي إحداها بالنموذج المهني للجزيرة. وهو أمر ممكن في تصوري ولم لا أيضا صحيفة ورقية دولية.. 10-تأسيس هيئة وطنية قضائية عليا للإشراف على جميع أنواع الانتخابات وتقديم الدعم والمراقبة... لانتخابات هيئات المجتمع المدني (أحزاب، نقابات...إلخ) 11-خوض حرب ضروس وجماعية ضدا على تجار المخدرات في الداخل، ورفع عقوبات مجرميها المحترفين، بما في ذلك الإعدام في الأقصى. كما تصنع الدول والولايات الحازمة. 12-تخفيف، وحتى إلغاء، جميع أنواع الضرائب على التكوينات المهنية الخاصة وعلى خدمات الاتصال والتواصل ومراكز الصحة الإسعافية... على أن ينعكس ذلك على المستفيدين منها. ثانيا: ميثاق الصحراء: ويكون بمثابة تحيين ومأسسة لقسم الصحراء الذي استمر يتيما دون تفعيل، رغم تأكد الحاجة المتنامية إلى بلورته وتطويره أمام تعنت الخصوم والأعداء، يقتضي الأمر لذلك: -صندوق وطني لدعم التنمية والتشغيل في الصحراء، وذلك على سبيل التحاقها المتكافئ بأقاليم الشمال، فالاستعمار الإسباني لم ينجز شيئا في المنطقة. أما البطالة هنالك فهي ضعف حالتها في الشمال. هذا مع أن الإمكانيات الطبيعية والبشرية تسمح بالكثير في هذا الصدد. مصادر التمويل يجب أن تكون مندمجة مع أهداف تنموية أخرى للوطن. من أمثلة ذلك: -سن ضريبة على الرفاه والاستهلاك السفيه، مثل: المساكن والسيارات الفاخرة والخمور والسجائر والحفلات الباذخة... -مضاعفة عدد رخص سيارات الأجرة الصغيرة والنقل المزدوج، وتخصيصها لأبناء الصحراء سياقة، وعرضها للبيع على مستحقيها في الشمال، وتخصيص جميع المداخيل للصندوق. -تخصيص جميع مداخيل المصادرات الجمركية.. للصندوق حصرا، مع استمرار تخصيص المواد الغذائية ومواد النظافة منها للمؤسسات الخيرية في الوطن. والإدارة أولى بالبحث عن مصادر أخرى للتمويل... -النقل المستعجل لمقر «وكالة التنمية» المختصة، إلى مدينة من مدن الجنوب، ونقل أو تأسيس جميع أمثالها مما له علاقة بالجنوب إلى الجنوب، وذلك بجميع مسؤوليه وموظفيه وتجهيزاته. -تأسيس معهد مختص في البحث العلمي حول الصحراء عموما وقبائلها الرحل، مع التركيز طبعا على خصوصيات صحرائنا الجغرافية والأنثروبولوجيا...إلخ. -ممارسات تجريبية وعينية، لآليات ومنطق وأساليب... الحكم الذاتي في عين المكان وذلك قبل ومن أجل إقرارها التشريعي لاحقا. -العمل الدؤوب والمقصود، لتكليف أبناء المنطقة بتسيير شؤونهم المحلية والإقليمية والجهوية. -تشجيع الأحزاب والنقابات والصحافة الوطنية... على أنشطتها المختلفة في الصحراء، بما في ذلك دعم أسعار الصحف كما تدعم المواد الغذائية هنالك. ثالثا: الدبلوماسية، من الدفاعية إلى الهجوم وذلك يقتضي: أ-حركية شاملة لأطرها، وإجراء الفرز داخلها، وتشبيبها وانفتاحها على الكفاءات من خارجها... وتأسيس معهد مختص في التكوين والتكوين المستمر لأطرها. ب-فتح جبهة النضال، وعلى جميع المستويات، لاسترجاع المدينتين والجزر المحتلة، بما في ذلك خاصة، محاصرتها جميعا ومنع الدخول إليها أو الخروج منها إلا على مغاربتها. وفتح ملف جزر الكناري للتفكير، وفتح أبواب المجتمع المدني المغربي على الحركات الاستقلالية الإسبانية... والتوقف عن ممارسة منع الهجرة نحوهم، وإثارة موضوعات: التطهير الديني الإسباني في العصر الوسيط والأسلحة الكيماوية في الريف... ت-الإشهار الإعلامي الدولي لحالة الاختصام والعداء بل وعدوانية الجارتين إسبانيا والجزائر لوحدة واستقرار ومصير الدولة المغربية. ث-وضع جميع حلفائنا أمام مسؤولياتهم، والعمل على إخراجهم من نفاقهم أو ازدواجيتهم أو حتى خبثهم، وفي المقدمة من ذلك الولاياتالمتحدة المعترفة إدارتها بالبوليساريو (وهي حالة فريدة من نوعها في أمريكا) والمستثمرين الإسبان في المغرب... وغيرهما، ذلك لأنه لا يجوز بحال وعند الموازنة، مساواة قضية مصيرية بالنسبة للمغرب، برهان تكتيكي مصلحي جزائري (؟ !). هكذا يجب أن نتحدث إليهم. ج-التحول على المستوى العربي، الشعبي والرسمي.. من موقف التحييد إلى الهجوم، وذلك بالمنطق القومي-الوحدوي، ومدى التخريب الذي تمارسه الإدارة الجزائرية ضدا عليه. والتركيز في ذلك خاصة، على الإعلام بجميع أنواعه وعلى جميع أنشطة المجتمع المدني العلمية والثقافية والحزبية والنقابية والشبيبة والنسائية...العربية...إلخ. ح-تعميق وتوسيع ومضاعفة العلاقة مع موريتانيا والدعم بدون حدود للشخصيات والهيئات المقتنعة والداعية إلى استرجاع الوحدة المغربية الموؤودة. خ-التضامن الاستراتيجي وبدون تحفظ... مع الدول الشبيهة في شروطها مع شرطنا الخاص، أقصد بالذات الصين الشعبية والسودان وفلسطين. فالصين قوة عظمى وصاعدة، وتعاني من ذات ما يراد لنا أن نعاني منه، ولا حاجة معها لذلك إلى إقناع. بل انسجام تام، كما بادرت غانا أخيرا، وستفاجئ الأفارقة. والسودان الذي أوصلنا إليه الإسلام (المالكية...) ثم تخلينا عنه. هو اليوم يعاني مما يراد لنا أن نصير إليه. فهو أكثر من سيدعمنا بدون حدود. أما فلسطين، فلقد اعتبر المغاربة دائما قضيتها قضيتهم، المفروض في إدارة الدولة الاستجابة لموقفهم، وذلك خاصة بالقطع المطلق مع الصهاينة، ووقف جميع أشكال التطبيع مع الكيان الغاصب، والانفتاح على جميع مكونات المقاومة الفلسطينية، وفتح أبواب الوطن أمام استثماراتهم وكفاءاتهم... د-استرجاع رصيدنا الديني الدعوي والمؤسسي في إفريقيا، وخاصة بواسطة الطرق الصوفية المكافحة، ذلك الإرث العظيم الذي تركه لنا الأجداد والآباء، وتخلى عنه الجبناء أو المغفلون الفرنكوفونيون، استجابة منهم لقرارات أسيادهم في المراكز الاستعمارية الأوربية. والحال أن أكثر ملوك وأمراء ومشايخ القبائل في الغرب الإفريقي وجنوب الصحراء ما زالوا ينتظرون توجيهات أميرهم في المغرب، ولعل هذه اليوم تعتبر من أهم وأوكد موجبات الاستمرارية المتجددة ل»إمارة المؤمنين» التي يحتفظ بها المغاربة وحدهم كامتياز توحيدي في العالم الإسلامي. ولعلها استمرت لأجل إنجاز هذه المهمة التاريخية الجليلة والمهملة. والحال أن هذا النمط من الدبلوماسية الدينية، هو أجدى وأنفع في إفريقيا والمهاجر الأوربية ومسلمو أمريكا... من غيرها. وبالطبع، فإن هذا يقتضي الكثير، من ذلك مثلا: -تغيير عميق وشامل لاستراتيجية سياحة بورجوازيتنا، من إسبانيا وما جاورها إلى شعوب وبلدات إفريقيا... -مناهضة جميع مظاهر استمرار الرموز والخطاب العنصري في ثقافت»نا» الموروثة عن الاستعمار، والمشجعة من قبل بورجوازيت»نا» مثل اشتراط السواد في خادمات قصورهم / تأثيثها بتماثيل ل»العبيد» مع شيوع بيعها في «البازارات / شيوع ألفاظ وعبارات التحقير العنصري للسواد (يوصف الأمر السيئ بالسواد بدل حالك أو مظلم) وفي هذا الصدد، فإنه ما كل شيء يقال. والإدارة عندما تتوفر لها الإرادة، هي أدرى بالتدابير، والشعب وممثلوه بالاستراتيجيات. خاتمة: يتمثل المغاربة بما يشبه الحكمة في مثل رائج «من ترك حرفا من السنة يعاقب عليه» والأمل أن نعمل على استرجاع ما تركناه، من مراعاة لسنن الصراع. وأهمها توازن القوة. وقوتنا في شعبنا، وتماسك وحدة إسمنتية لطبقاته الوطنية وقواه الاجتماعية الكادحة والمكافحة والمستعدة للتضحية والبذل، وذلك شرط تنمية مقدراتها واحترام حقوقها ومراعاة كرامتها وقيمها وتراثها وهويتها ولغتها ودينها... الخ. ولعل من أهم مصادر قوتنا الاستراتيجية فضلا عن المعروف أن الشعب الجزائري الشقيق ليس مع من يحكمونه، وليس له من داع لمعاداته أشقائه المغاربة، بل العكس هو المؤكد، وبالطبع فليس له استعداد للانخراط في قضية ظالمة، وهو لذلك يقيس سياسة حكامه في الخارج بسياستهم في الداخل، فتلك تعكس هذه. وهما في الحالتين غير عادلتين وغير ديمقراطيتين. قوتنا ليست ذاتية وحسب، ولا في المتعاطفين والمقتنعين بحقوقنا مغاربيا وعربيا وإسلاميا وعالميا.. بل أيضا في الشعب الجزائري عندما نخاطبه خطابا غير الذي مارسناه حتى الآن، وهذا يتطلب من جهته، معالجة عيوبنا الذاتية الداخلية، ومن أخطرها مصالح المستفيدين من الأزمة، ممن ليس من مصلحتهم أن نلقم الجيران بالحجر مادامت بيوتهم من زجاج (؟!) لنساعد من توفرت لديه الإرادة منهم على إعادة بناء منازلهم من حجر. «يدنا منا ولو كانت من جذام» ما عدا من رفض إصلاح نفسه، فإنه بذلك يكون قد وضع نفسه بالنسبة للشعب والوطن في المكان الخطأ، وعليه لذلك أن يتحمل مسؤوليته. رفع الملك المرحوم شعار «الوطن غفور رحيم» سبيلا للمصالحة مع المغاربة المضللين بأغلوطة الانفصال. ونحن نقول اليوم كما قلنا دائما، إن ذلك الوطن الغفور الرحيم، لن يكون سوى الوطن الديمقراطي والعادل. هذا بترولنا وهذا سلاحنا وهذا امتيازنا الاجتماعي-الثقافي والسياسي و(عسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم) صدق الله العظيم. *** عندما «حمى الوطيس» واختلت صفوف قبيلة عبس، نادى زعيمها شداد على ابنه العبد عنترة: أن كر، فأجابه عنترة: إن العبد، يا سيدي، لا يحسن الكر والفر. فصاح شداد: كر فأنت حر. إذا استعبر حكامنا بشداد، فسيصنع المغاربة المعجزات، وفي جميع الميادين، وليس وحسب، مقاومة العدوان والمحافظة على وحدة تراب وطنهم. [email protected] (انتهى)