اللحظات الوطنية الكبرى تذيب الفرقة وتطفئ التميز والمزايدة، وتطفو على السطح الأسئلة الكبرى المرتبطة بتطور القضية، وتناسل التحليلات. ومن هذه التحليلات ما عبر عنه أحد الأصدقاء الذي عمر مدة في الصحراء المغربية. يعتبر هذا الصديق أن التعثر الذي يعرفه ملف القضية الوطنية يعود في نظره إلى سببين، فمن جهة لم ينهج المغرب استراتيجية للتنمية البشرية ، ومن جهة ثانية فإن التسويق الدولي للقضية لم يكن ناجحا. وفي الحوار الذي أجرته مجلة «القنطرة» مع الناطق السياسي باسم الحزب الشعبي الإسباني، أشار هذه الأخير إلى ضعف التسويق السياسي للتطورات التي عرفها المغرب خلال الخمس عشر سنة الأخيرة، وهو ما يعني أن النخبة السياسية لجارتنا الشمالية تتابع عن كثب التحول السياسي الذي عرفه المغرب منذ قرار الملك الراحل الحسن الثاني سنة 1994 إطلاق سراح المعتقلين، والعفو عن المغتربين. وسنذكر هنا بتلك الندوة التي نظمتها الصحافة المغربية والإسبانية حول الانتقال الديموقراطي في بداية حكومة التناوب بمقر وزارة الخارجية، بحضور الوزير الاول آنذاك عبد الرحمان اليوسفي ورئيس الحكومة السابق فيليبي غونزاليس. هذا الاهتمام الإسباني بما يجري في المغرب أمر مفهوم، لكن الشيء غير المفهوم هو هذا العداء الإسباني لبلدنا: لقد أعطيت تفسيرات متعددة لفهم ذلك، وطالعنا العديد من التحليلات وغالبيتها قدمه صحفيون في الوقت الذي نحن في حاجة ماسة إلى رأي المختصين، وذلك ما يطرح التساؤل المشروع حول مدى متابعة نخبتنا لتطور الأوضاع في إسبانيا، مما يسمح بفهم أفضل ويرسم بشكل صحيح السياسة التي علينا نهجها تجاه جارتنا الشمالية. عادة ما يتحدث السياسيون عن الانتقال الديمقراطي في إسبانيا ابتداء من سنة 1975 وهو انتقال شهدته الدكتاتوريات الثلاث في نفس الوقت. فإضافة إلى اسبانيا، نفس الدينامية السياسية عرفتها كل من اليونان والبرتغال. علينا أن نسجل هنا ملاحظة هامة تتمثل في كون استرجاع المغرب لصحرائه تم خلال مرحلة الانتقال الديمقراطي الذي شهدته إسبانيا. هناك كتاب تحدث بعمق عن الموضوع ،وهو لصاحبه نيكوس بولنتزاس تحت عنوان «أزمة الديكتاتوريات»، وما يعنينا في ذلك الكتاب هو إشارته إلى طبيعة الدولة في عهد الديكتاتورية، باعتبارها دولة استثنائية Etat d›exception يحتل فيها الجيش دور حزب سياسي، وذلك يعني أن الانتقال الديموقراطي الذي حصل كان على حساب العسكر كقوة سياسية ذات ثقافة استعمارية. هل يمكن اعتبار العداء الإسباني للمغرب من مخلفات هزيمة العسكر السياسي وتزامنها مع مبادرة المغرب لاسترجاع صحرائه؟ لقد مضى على ذلك الانتقال إلى الديمقراطية البرلمانية بإسبانيا قرابة خمس وثلاثون سنة، فهل هذه المدة كافية لموت الثقافة الكولونيالية؟ وفي المقابل ألم يكن من مصلحة القضية الوطنية تسريع عملية الانتقال الديموقراطي في بلادنا وتسويق ذلك بشكل أمثل؟ تستدعي المصلحة الوطنية أن يتم الحوار بالهدوء اللازم والابتعاد عن تحميل المسؤولية لهذا الطرف أو ذلك في تعثر هذا الملف. فلاشك أن المناسبة تستدعي نهج استراتيجية جديدة توظف كافة الامكانيات التي يزخر بها الوطن، والقول أن من بين أسباب التعثر كون الدولة جعلت من هذا الملف شأنا يخصها لوحدها ، قول أصبح متجاوزا لانتفاء شروطه. نحن نرى أن الحديث ينبغي أن ينصب على أن هناك «قضية المغرب» وأنه ككل بلد تكالب عليه الاستعمار واقتسمه ومازالت أجزاؤه مستعمرة، وأن مسلسل التحرير لم يستكمل بعد.