كانت جلسة الأسئلة الشفوية بمجلس المستشارين الثلاثاء الماضي لحظة وطنية رائعة، وقفت فيها كل مكونات المجلس، وعبرها مكونات الأمة، بقوة في وجه التضليل الإعلامي والتزييف اللذين تمارسهما وسائل الإعلام الإسبانية. وتبين أن هذه الحملة الشرسة المعادية لبلادنا كان لها جانب إيجابي، وهو إذكاء مزيد من الروح الوطنية وتماسك الأمة في وجه كل من يمس بالمصالح العليا لبلدنا، كما جاء على لسان محمد عذاب الزغاري باسم فريق التحالف الاشتراكي (حزب التقدم والاشتراكية) الذي دعا كذلك إلى ترك الخلافات الداخلية جانبا ويتفرغ الجميع لمواجهة ما يحدق ببلادنا من أخطار، وهو نفس ما أكد عليه خالد الناصري وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة، أثناء تدخله بالمناسبة، خصوصا عندما حاول أن يشرح لرئيس فريق الأصالة والمعاصرة طبيعة المرحلة وقدسية القضية، هذا الأخير أراد تحويل الجلسة من جلسة خاصة للاحتجاج على أداء الإعلام الإسباني ضد بلادنا وقضيتها الوطنية إلى جلسة لمحاكمة الإعلام الوطني العمومي، ربما رغبة في التميز بأي ثمن. وبغضب هادئ ناشد خالد الناصري رئيس فريق الأصالة و المعاصرة ، أن يدع جانبا الخلافات والصراعات السياسوية التي تبقى صغيرة إذا ما قورنت بالقضية الوطنية الكبرى، وبحزم كذلك دعاه إلى الترفع عن المزايدات في قضية مقدسة لدى كافة المغاربة، ولا تحتمل مثل هذه المزايدات لا سياسيا ولا أخلاقيا. قدسية القضية وحساسية اللحظة انتبه إليها بدوره رئيس الغرفة الثانية الدكتور محمد الشيخ بيد الله الذي كان يرأس الجلسة وحاول ثني رئيس فريقه عن التمادي في إفساد هذه اللحظة الوطنية التي كان يعيشها مجلس المستشارين، لكنه لم يكترث بمناشدة رئيسه في الغرفة والأمين العام لحزبه، ولم يتراجع عن مقاطعاته المتكررة لوزير الاتصال سوى بعد تدخل حازم للسيد إدريس لشكر الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان واستياء عدد من رؤساء الفرق والبرلمانين الذين استهجنوا سلوك رئيس فريق الأصالة والمعاصرة. وفي ردهات المجلس، عقب نهاية الجلسة التي خصصت بالكامل لموضوع محوري واحد هو هجوم الإعلام الإسباني على بلادنا وقضيتنا الوطنية، كان السلوك الشاذ لرئيس فريق الأصالة والمعاصرة موضوع حديث وموضع استهجان.. وعلق أحد المستشارين بالقول إن خالد الناصري تحدث بوطنية عالية، وبصراحة وصدق في موضوع الهجمة الإعلامية الاسبانية، وهو أمر طبيعي لأنه مناضل تقدمي خبر مواجهات الدفاع عن القضية الوطنية طيلة عقود، داخل المغرب وخصوصا خارجه، وهو ينتمي لمدرسة سياسية وفكرية حملت دائما هم الدفاع عن القضية الوطنية بالعقل والقلم الوجدان منذ 1975، وليس كمن لحقه الاقتناع فجأة وبشكل متأخر في السنوات الأخيرة عبر مطية مشروع سياسي شخصي، وأبرز المصدر نفسه، أن خالد الناصري كان اليوم ناطقا باسم الأمة برمتها، وليس فقط باسم الحكومة. وأما هذه (الزلكة) التي وقع فيها رئيس فريق البام بمجلس المستشارين، أبدى أغلب من تابع وقائعها اقتناعهم بالفرق الواضح بين رجال ونساء دولة وسياسيين حقيقيين، ومن ضمنهم رجل القانون والمناضل السياسي والحقوقي والوزير خالد الناصري، وبين رجال ونساء المواقع والمصالح الخاصة، في البرلمان، أوفي أقاليم الصحراء، أو في أي مكان...، وهناك القياديون وهناك «القاعديون»..، ومن الطبيعي أن لا يدرك الجميع، وبنفس الدرجة ضخامة المؤامرة ودقة المرحلة وقدسية القضية.. ومن الطبيعي أن لا يكون الجميع أيضا على نفس الموجة، وفي نفس مستوى النضج.. ورغم هذا التشويش الصغير، فقد كانت جلسة الأسئلة الشفوية ليوم الثلاثاء الماضي بمجلس المستشارين جلسة احتجاج وطني على الإعلام الاسباني، ولحظة إجماع على إدانة انزلاقه. وهي مبادرة تستحق التنويه.