خيمت فكرة «مجابهة النمطية» على احاديث مجموعة من الكتاب العرب الشباب، وحتى على اختيار بعضهم للنصوص التي قرأها خلال لقاء مع الجمهور في بروكسيل، اذ يؤكد الكاتب الفلسطيني علاء حليحل انه يحاول اظهار صورة «ضد النمطية» عن الفلسطيني تمنع تحويله هدفا «للحب القاتل أو الكراهية القاتلة»، على ما يقول. في احدى قاعات قصر الفنون الجميلة، التقى الجمهور في بروكسيل خمسة من الكتاب العرب الشباب، ممن فازوا في مسابقة بيروت 39، التي نظمت في اطار احتفالية بيروت عاصمة عالمية للكتاب العام الفائت، وهم الفلسطيني علاء حليحل واللبنانية هيام يارد والمصرية نجاة علي والهولندي من اصول مغربية عبد القادر بنعلي، فضلا عن المغربي ياسين عدنان الذي عرف بالكتاب وحاورهم. وكان خيار الكاتب علاء حليحل، وهو من فلسطينيي الداخل، للنص الذي قرأه «مدروسا». اذا قرأ أمام الجمهور قصة قصيرة يصور فيه شابا يكتب رسالة الى الشيخ احمد ياسين (1936-2004)، مؤسس حركة حماس، ليطلب منه التوقف عن ارسال الشباب «ليفجروا انفسهم في حيفا»، لكن هذه الرسالة تتبخر مع كل مرة يراجعها الشاب، ويحذف منها لكثرة المحاظير، وكي «لا أفهم خطأ» كما كتب. ويقول حليحل انه اراد من هذا النص ابراز «موقف سياسي طبعا»، مشيرا الى انه «لا يوجد اتفاق فلسطيني شامل على العمليات الاستشهادية»، ويضيف ان قصته تظهر «الى اي حد هناك قلق وخوف في قلب البيت الفلسطيني حول نقاش هذه القضية». ويؤكد الكاتب الفلسطيني ان طرح افكار كالتي قدمها يخرج الفلسطينيين من الصور النمطية التي يؤطر وجودهم داخلها و»يجعلنا بني آدميين نحب ونكره ولدينا اختلافاتنا»، مشيرا انه بهذه الطريقة «لا يعود الاخر يستعمل ضدنا ذلك النوع من الحب القاتل او الكراهية القاتلة». ويقول حليحل بلهجة محتجة «عندنا قضية، على عيني ورأسي، لكن في قلب هذه القضية نفعل الكثير من الاشياء». ولقاءات كالتي جمعت الكتاب الشباب بالجمهور في بروكسل، التي نظمها مهرجان «موسم» الثقافي المستمر حتى الخامس من الشهر المقبل، والى جانب ترجمة نصوصهم، كما فعلت مسابقة بيروت 39 باصدار انتولوجيا ضمت نصوصا لهم مترجمة للانكليزية، يجدها بعض الكتاب فرصة لنقل ملامح «كتابة معاصرة وجديدة» في العالم العربي، وهذا برأيهم ما يساعد في كسر «الصورة النمطية» في الغرب عن العرب وأدبهم. وتقول الشاعر المصرية نجاة علي انه لولا وجود نصوص مترجمة لهم «لما كانت هناك هذه الفرصة ليتعرف علينا جمهور غربي»، موضحة ان «الصورة النمطية» عن الادب العربي تاتي ايضا من تركز الترجمات على الكتاب الكبار «الذين صاروا كلاسيكيين»، في مقابل «اهمال» ترجمة الكتاب الشباب. وترى الشاعر الشابة ان ترجمة الكتاب الجدد «تساعد في كسر الصورة النمطية عن العرب»، على اعتبار انها تعكس «الوعي الجمالي والتغيرات الحاصلة وان لدينا كتابة معاصرة ولسنا خارج الزمن»، مشيرة الى انه يمكن التعويل على «الاحتكاك» بالجمهور الغربي عبر الفن والادب لان «الفضاء الجمالي يصلح ما أفسدته السياسة». ويشير بعض الكتاب الشباب الى طبيعة انتقائهم للمشاركة في لقاء بروكسل، ومن قبله اختيارهم بين الفائزين في مسابقة بيروت 39، ليقولوا ان ذلك بدوره يكسر «صورة نمطية» تتحكم باختيار من يمثل الثقافة العربية. الكاتب الهولندي من اصول مغربية، عبد القادر بنعلي، يكتب الرواية والقصة باللغة الهولندية وتشكل قضايا الهجرة موضوعها الابرز، ورغم عدم معرفته باللغة العربية الفصحى، لكن ذلك لم يحل دون اختياره أحد الفائزين في مسابقة بيروت للكتاب الشباب، وها هو يشارك في لقاء بروكسل باعتباره احد «اصوات» الثقافة العربية وتنويعا فيها. ويرى بنعلي ان هذه الطريقة في اختيار الكتاب تظهر «صورة متنوعة» للثقافة العربية، وتجعلها «غنية ومثيرة للاهتمام عندما تظهر كفسيفساء من اصوات مختلفة»، وهو لا يخفي اعجابه بهذه المشاريع اذ يقول «لم اسمع سابقا بمشروع فيه اصوات بعيدة عن بعضها الى هذا الحد، وتتجاوز الحدود وتظهر الغنى الثقافي العربي». وكان وجود الكاتبة اللبنانية هيام يارد بدوره اشارة اخرى الى هذا «التنوع»، فهي كاتبة عربية تعيش في لبنان لكنها تكتب وتنشر باللغة الفرنسية. ويشدد علاء حليحل على اهمية اختيار اثنين من كتاب عرب 48 ضمن لائحة بيروت 39، واختياره كصوت يمثل الكتابة العربية الشابة في بروكسل. فمن جهة يقول ان منحى الاختيار هذا «يفشل كل محاولات الاسر التي مارستها ضدنا اسرائيل»، ويعطي «الشرعية» لعرب الداخل عبر جعلهم جزءا من الفضاء العربي، كما يقول، مضيفا «انا لا اكتب بالعبري وفضائي ليس تل ابيب، فضائي بيروت ودمشق، وهذا (الاختيار) تحول كبير عندي وعند العالم العربي». والى جانب ذلك، يؤكد الكاتب الفلسطيني ان اختيار كتاب الداخل الفلسطيني لتمثيل الثقافة العربية «ينهي مسألة النظرة العربية الينا كعملاء او فلسطينيين متصهينين»، معتبرا ان «عرب الداخل ينظر اليهم الان كاحد رموز القضية الفلسطينية التي لا خلاف حولها».