من المرتقب أن تحدد الانتخابات البرلمانية بإقليم كاتالونيا الإسباني التي ستجري يومي 27 و 28 نونبر الجاري، ملامح الحكومة الإسبانية المقبلة، وبالتالي طبيعة العلاقات التي ستسود بين المغرب وإسبانيا. فرغم أن الحكومة الإسبانية الحالية أفلحت في التصدي للمخاطر التي كادت أن تعرض اقتصاديات دول جنوب أوربا للإفلاس، على غرار ما وقع في اليونان، فإن قدرة اليمين الإسباني، على تسخير وسائل الإعلام في الترويج لخياراته التي غالباً ما تتخذ من معاداة المغرب والمغاربة معبراً لكسب المزيد من أصوات الناخبين، مؤهلة لتعبئة المزيد من المعادين للمغرب وخاصة منهم اللوبيات الممثلة لقطاعات النقل والصيد البحري والفلاحة. إن كل من يتذكر المناخ الذي هيمن على علاقات المغرب مع اسبانيا إبان احتضان بروكسيل لمفاوضات المغرب مع الاتحاد الأوربي حول الصيد البحري، لا يمكنه إلا أن يستعد لمواجهة نفس الوضع في حال ما إذا انتزع اليمين الإسباني الأغلبية التي تؤمن له الفوز بمنصب رئاسة الحكومة. فاليمين الإسباني الذي سبق له أن قاد حملات التعرض لصادرات المغرب من الخضر والفواكه والأسماك تحت التهديد بإتلافها، هو نفس اليمين الذي يقود اليوم الحملات المعادية للمغرب والمساندة لموقف الانفصال الذي يقوده الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة. كل الاحتمالات واردة، ولذلك فإن حرص المغرب على توطيد علاقاته السياسية والتجارية مع المملكة الإسبانية لا يمكنه أن يتحقق إلا بوجود قيادة إسبانية تشاطره نفس الخيار ونفس التوجه. أما إذا تغلبت الخيارات المعادية للمغرب على خيارات التعاون والتقارب، فحينها سيكون من الواجب الاستعداد لمواجهة الأسوأ. لقد حرص المغرب طيلة السنوات الأخيرة على الاستثمار في قطاع الموانئ وفي البنيات التحية المرتبطة باللوجيستيك، كما أنه حرر قطاع الموانئ والنقل الطرقي للبضائع، غير أن الإجراءات المواكبة لهذه الخيارات الاستراتيجية وفرت للمقاولات الأجنبية المزيد من فرص منافسة المقاولات المغربية داخل التراب الوطني، ولنا أن نتساءل عن مصير الصادرات المغربية المعرضة للتلف كالأسماك والخضر والفواكه في حال ما إذا قررت إسبانيا منعها من عبور أراضيها، كما لنا أن نتساءل عن الصيغ المحتمل اللجوء إليها في حال إذا ما قرر الإسبان عرقلة عبور المغاربة المقيمين في الخارج لقضاء عطلهم السنوية بين أهلهم وذويهم. ما من شك في أن الأسطول الإسباني المكون من عشرات البواخر ومئات الشاحنات هو المستفيد الأكبر من البنيات التحتية التي كلفت الخزينة المغربية غالياً، وما من شك في أن الترخيص للإسبان بالاستثمار في الإنتاج الفلاحي الموجه للتصدير يخدم المصالح الإسبانية أكثر مما يخدم المصالح المغربية، كما أن الفوائد التي تحققها إسبانيا من الصيد البحري في المياه الإقليمية المغربية لا تقاس بالأرباح المالية المعلن عنها فقط، وإنما تقاس بمكانة أطنان السمك الممتاز في جلب السياح وفي توفير الغذاء للشعب الإسباني. إن المغرب جاهز لتجسيد خيارات التعاون المثمر مع إسبانيا، فهل هو جاهز للتوفر على بدائل في حال ما إذا قررت إسبانيا إغلاق كل الأبواب في وجهه؟