أسفرت التقنيات الجديدة لزراعة الزيتون عن جني محصول يصل معدله إلى 5 أطنان في الهكتار وإلى استخلاص طن واحد من الزيت العالي الجودة من كل 5 أطنان من الزيتون، أما الشوائب التي لا تدخل في إنتاج هذا الصنف من الزيت فيتم توجيهها إما للعصر من جديد من طرف معاصر عادية أو إلى الاستغلال في إنتاج الطاقة بالمناطق الشمالية. وما دام أن نظام الاستغلال الجديد يخرج عن الإطار الفلاحي ويندرج في سياق الإنتاج الصناعي، فإن المكننة تفرض الاقتصار على عدد محدود جداً من المستخدمين الذين يشترط فيهم أن يكونوا ذوي كفاءة في مجالات نشاطهم وأن يتلقوا تكويناً خاصاً. عندما توجهنا صباح يوم الثلاثاء 9 نونبر الجاري إلى المزرعة التي كانت تابعة في الأصل إلى «صوديا» ثم صارت خاضعة لمجموعة براسري المغرب المختصة أصلاً في صناعة الجعة «البيرة» والخمور، ففي هذه الأراضي الخصبة الواقعة بضواحي مكناس، على الطريق الرابطة بين سبع عيون وبوفكران، والمجاورة للطريق السيار الرابط بين مكناس وفاس، تم زرع 500 هكتار من أصل 600 بأشجار الزيتون من صنف l'arbequina الصغير الحجم والموجه أصلاً لإنتاج الزيت . لقد اختار المنظمون أن يتزامن موعد الزيارة مع موسم الجني، كما أن المدير العام للمجموعة، جون ماري كروبوا، حرص على أن يكون مرفوقاً بكبار الأطر المسيرة للمشروع بمن في ذلك المسؤول عن الإنتاج الفلاحي والمسؤول عن التقنيات الحديثة للعصر والتخزين، وأول ما أثار انتباهنا هو أن عملية الجني كانت تتم بعنصرين إثنين أحدهما يسوق آلة الجني، على غرار الآلات التي تستعمل في حصاد الحبوب، والثاني كان يسوق جراراً يجر مقطورة تزيد قدرتها الاستيعابية بقليل عن 10 أطنان، كانت آلة الجني قد ملأت خزانيها الأيمن والأيسر ب 10 طن من الزيتون، وفي بضع دقائق أفرغت محتواها في المقطورة التي انطلقت نحو معمل العصر، بينما استُؤنفت من جديد عملية الجني حيث تبين أنها تسير تقريباً بنفس سرعة آلة حصاد الحبوب، كما تبين أن كميات هامة من الزيتون تسقط أرضاً أو تبقى عالقة في الشجرة. مصير الزيتون المتساقط سألنا عن مصير الزيتون المتساقط فاتضح أنه يتم الاستغناء عنه لأنه لا يؤثر على المردودية المنتظرة، فمع أن الكميات المتساقطة تقدر بالأطنان ويمكن أن توفر للعشرات من الأيادي العاملة مورداً هاماً للعيش، كما يمكن أن تؤمن الحصول على عدة أطنان من الزيتون، فإن المنطق الصناعي يفضل التخلي عن الزيتون الذي يتعذر على الآلة جنيه على أن يتم اللجوء من جديد إلى الأيدي العاملة التقليدية المنطق الصناعي لإنتاج زيت الزيتون العالي الجودة اقتضى استيراد شجيرات الزيتون الصغيرة من إسبانيا في مبردات، وهي شجيرات يسهل زرعها لأنها لا تتطلب الحفر العميق كما هو معتاد، وإنما تقتصر على وضع حفر صغيرة في صفوف تبعد عن بعضها البعض ب 4 أمتار، بينما الشجيرات تبعد عن بعضها البعض ب 1,5 متر ، وبذلك يستوعب الهكتار الواحد حوالي 1660 شجرة، ومن ميزات هذا الصنف أنه يصبح قابلاً للجني بعد 3 سنوات من زرعه. وإذا كان من بين الفلاحين من يعاتب على هذا الصنف قصر عمره مقارنة مع الصنف المغربي المعتاد، إلا أن المدير العام لمجموعة براسري المغرب اعتبر أنه من السابق لأوانه الحسم في هذه القضية وأنه يجب انتظار نتائج السنوات، بل العقود المقبلة للحكم على مستوى المردودية في كل مرحلة عمرية، ولكنه سجل في نفس الوقت بأن إمكانية تجديد الأشجار، بشكل دوري، مرة كل سبع سنوات تبقى واردة ومربحة. الآلة التي تتولى جني الزيتون ، عوض المئات من الأيادي العاملة، تم شراؤها من إيطاليا، ومع أنها لاتزال تحتاج إلى تطوير نمط الاستغلال، فإنها كلفت 3,5 مليون درهم شاملة لقطع الغيار، كما أنها تمتاز بكونها تستخدم، من جهة، في جني أشجار الزيتون التي يتراوح علوها بين 1,5 متر وبين 4,5 متر، ومن جهة ثانية، تستعمل، بعد استبدال بعض التجهيزات، في جني العنب. واستناداً إلى تصريحات المدير العام، فإن الاستثمار الإجمالي لزراعة الزيتون وبناء المعصرة العصرية كلف 100مليون درهم وقد سمح بالتوفر على معصرة قادرة على معالجة 6 طن في الساعة أو ما يعادل 120 طنا في اليوم، وفضلاً عن كونها تنتج زيتاً عالي الجودة يمكن عرضه مند البداية للبيع في الأسواق الاوربية، وخاصة منها السوق الفرنسية، بسعر في حدود 5 أورو لكل 75 سنتيلتر (3/4 لتر)، فإنها مجهزة بحاويات تتسع لتخزين 1400 طن من الزيت في شروط جيدة وباستهلاك ضئيل للطاقة، لأنها بنيت على عمق 3,5 متر تحت الأرض. وبالنسبة للمدير العام فإن العلامة التجارية التي سيسوق بها المنتوج الجديد لم يحن بعد موعد الكشف عنها، كما أن شكل القنينات التي ستعبأ فيها الزيت لم يحدد بعد بشكل نهائي، ومن غير المستبعد أن يتم خلال السنوات القريبة الاستثمار في محطة للتعبئة، أما بالنسبة لزراعة الزيتون فلاحظ بأنها ستشمل المائة هكتار التي لم تزرع بعد من أصل 600 هكتار، على أن يتم فيما بعد البحث عن حقول جديدة إذا كانت الجدوى التجارية تسمح بذلك. وبخصوص التعاون مع فلاحي المنطقة اتضح بأنه منعدم ، لأن طبيعة الإنتاج الصناعي المعتمدة من طرف براسري المغرب لا تسمح بذلك، أما بالنسبة لسؤال متعلق بما إذا كانت زراعة الزيتون أكثر مردودية من زراعة العنب، فلاحظ أن تجربة الزيتون لاتزال في بدايتها ويجب انتظار بعض الوقت للحكم على مستوى مردوديتها. استراتيجية تنويع الانتاج لقد كان من الواضح أن توجه براسري المغرب نحو إنتاج زيت الزيتون يدخل في إطار استراتيجية تقوم على تنويع الانتاج عوض الاقتصار على المشروبات الكحولية، ورغم تكتم المسؤولين عن خلفيات هذا التحول، إلا أن إقدام العديد من الدول الأوربية على إقرار قوانين تعاقب على السياقة في حالة سكر، قلص كثيراً من معدل استهلاك الكحول، وهذا الوضع صار ينطبق كذلك على السوق المغربية، وبذلك لم يعد من المنطقي رفع إنتاج المشروبات الكحولية في ظل ظرفية متميزة بتراجع الطلب، وعلى العكس من ذلك فإن الطلب على زيت الزيتون في تزايد مستمر، وأمامه فرص واعدة بالتطور وخاصة في الدول الأوربية التي لم تعتد على استهلاك هذا المنتوج الطبيعي العالي الجودة. لقد ظلت صناعة زيت الزيتون معرضة لانتقادات مرتبطة بشكل خاص بمستوى الجودة وبمساهمتها في تلويث البيئة، لكنها في نفس الوقت ارتبطت بسوق مغربية متميزة بتنوع الأذواق وبتضارب مفاهيم ومعايير الجودة، وبإنشاء معمل براسري المغرب لصناعة الزيتون يكون المغرب قد خطا خطوة متقدمة نحو إنتاج زيت في شروط متميزة بالحصول على عدة شواهد تعترف لها باحترام المعايير البيئية، وقد تكون صيغته التصنيعية المعتمدة على عصر الزيتون بعد أقل من 6 ساعات من جنيه دون معالجته بالملح أو بغير ذلك من المواد، فرصة لتطوير المعصرة التقليدية والرفع من جودة إنتاجها، فالتوفر على مراكز عصرية جد متطورة أمر مهم، ولكن تطوير صيغ تحفيز السكان القرويين على الاستقرار في البادية يبقى أمرا أهم.