تكريم العلامة محمد بنشريفة و الفنان الحاج محمد باجدوب عميد السماع و الإنشاد المغربي و عقد مذاكرات حول نونية الششتري و إشارات أبي حيان التوحيدي و ميراث الأنبياء و قضايا المجتمع و الآداب السلطانية و إمتاع الجمهور بوصلات من السماع و الإنشاد و طرب الآلة من أداء فرق مغربية و تونسية و عراقية و تنظيم معرض حول العمل الضخم للشيخ المعطى بن صالح الشرقي « ذخيرة المحتاج « المؤلف في ستين جزءا .. تلك أهم فقرات برنامج مهرجان سماع مراكش الدولي الذي احتضنته المدينة الحمراء من 27 إلى 31 أكتوبر الماضي . المهرجان الذي بلغ دورته الثالثة احتفى بالذوق الجميل ورونق الانتشاء الروحي الموصول بنشوة الإنصات ومتعة التأمل و أريحية الأخوة المسنودة بقوة التسامح . و بالنسبة لجعفر الكنسوسي مدير موسميات سماع مراكش فالخلفية الفكرية لهذه الموسميات تكمن في تصدر كل ما اتصل بالأذن في ثقافة الإسلام «لأن الوحي السماوي جاء على هيئة الكلام الإلهي ، و القرآن يخاطب الأفئدة و يتوجه إلى الألباب عن طريق السمع ، ومنه ترتب سماع السماع و فاض من مواجد الحكماء و الأولياء ، فجلسوا للسماع في زمن متقدم .. « و يضيف الكنسوسي قائلا ففي زمننا هذا لنا كلمة من الكلمات العاليات ، احببنا أن نسمعها من هاته المقامة المتجددة ، مقامة مراكش ، و عن طريق الشعر الصوفي و الإنشاد الشجي .لأن الزمن طفا على سطحه تزاحم الصور ..» و يوضح جعفر الكنسوسي أن أول من جلس لسماع السماع بين كبار الصوفية هو ذو النون المصري من القرن الثاني الهجري الذي زار المغرب و فاوض أولياءه في علوم القوم ، لذلك لا يستبعد أن يكون فن السماع قد دخل بلادنا مبكرا رغم أن المصادر التاريخية لا تشير إلى ذلك. كما أن عمل أهل المغرب اليوم في السماع مدين بالكثير لكبار صوفية المغرب و الأندلس و على رأسهم الإمام ابا الحسن الششتري .. و يؤكد الأستاذ أحمد بن الشرقي أحد القيّمين على تنظيم الموسميات أن هذا الملتقى الدولي يصر على أن يكون محطة لتثمين المشترك البشري الرفيع و منح تذوق الحياة بعمقها الروحي ما يستحقه من اعتناء و جعل المغاربة يقيمون بالقرب مما كانوا دائما على صلة به من جمالية الوجود و حسن المعشر و صفاء الروح و سمو الخلق الذي يحصنه التمسك برونق العيش المنعكس في هناء النفس المتناغم مع قصيدة الوجود المنسابة في فيض المحبة الذي يغمر القلوب . و يتحدث الأستاذ بن الشرقي عن اختيار شخصية العلامة محمد بنشريفة ليكون موضع تكريم فعاليات الموسمية الثالثة معتبرا أن ذلك مرده إلى مكانته العلمية المرموقة و نبوغه الكبير منذ كان بجامعة ابن يوسف حتى صار علامة بارزة في الأدب المغربي و الأندلسي ، و أضحى من الصعب على كل مشتغل بهذا المبحث أن يتجاوز إنجازاته الكبيرة في هذا المجال . و يضيف بن الشرقي قائلا : « كرمنا كذلك عميد الإنشاد المغربي الحاج باجدوب احتفاء و اعترافا بعطائه المتميز بما راكمه عبر مساره الفني الطويل و الغني من إعلاء من قيمة الجمال و التغني الراقي بفن الحياة « و شدد أحمد بن الشرقي على القيمة الرفيعة التي يكتسيها المعرض المنظم بفضاء قصر البديع و الخاص بالعمل الضخم للشيخ المعطى بن صالح الشرقي المتوفى سنة 1180 للميلاد الذي يحمل عنوان « ذخيرة المحتاج «و الذي تشكل إعادة نشره من قبل وزارة الأوقاف لحظة ثقافية مشرقة بحكم أهمية هذا التأليف الضخم المنسوج في ستين جزءا بلوحات باذخة شاهدة على نبوغ الرجل و قوته في مجال العلم و العمل . جمالية الموسمية الدولية الثالثة لسماع مراكش المنظمة من قبل جمعية المنية تضاعفت مع الفضاءات الرائعة التي اجتذبت فقرات برنامجها من جلسات الإنشاد و المذاكرة و السماع ، و هي فضاءات في مجملها ذات عمق ثقافي و روحي كما هو شأن منتزه المنارة و القصر البديع و باحة مسجد الكتبية و قصر أكفاي و غيرها ..