يشكل المشروع المغربي للطاقة الكهربائية الشمسية الذي ترأس جلالة الملك محمد السادس الأسبوع الماضي بورزازات، حفل توقيع إتفإقيات مكملة للإطار المؤسساتي الخاص بإنجاز هذا المشروع تجسيدا لطموحات والتزامات المغرب بخصوص قضايا الطاقة والبيئة التي أضحت محط انشغال متواصل من طرف مختلف البلدان والمنظمات المهتمة بهذه القضايا. فالفاتورة الطاقية بالمغرب شكلت على الدوام هاجسا يلقي بظلاله على إعداد الميزانية السنوية للدولة وذلك بسبب ارتباط المغرب إلى حد كبير بمصادر خارجية في التزود بحاجياته الطاقية بمختلف أصنافها، وهذا ما جعل التفكير في إيجاد موارد محلية بديلة أمرا لامحيد عنه. وإلى جانب هذا الاعتبار, فالمغرب انخرط منذ حوالي عقدين من الزمان في مسلسل متواصل من المشاريع والبرامج الخاصة بالحفاظ على البيئة,منها ما هو ذو طابع وطني محض، ومنها ما يصنف في عداد التزامات المغرب الدولية في مجال الحفاظ على البيئة والتنمية المستدامة. وفي هذا السياق, يمكن التذكير بمشاركة المغرب المتميزة في «قمة الأرض»المنعقدة في ريو دي جانيرو البرازيلية سنة 1992, وما أعقبها من ملتقيات عالمية مماثلة( قمة جوهانسبورغ, وكوبنهاكن ...),إضافة إلى توقيع المغرب منذ سنة 1995 على الاتفاقية الإطار للأمم المتحدة حول التغيرات المناخية, وكذا على بروتوكول كيوطو المتعلق بالحد من الانبعاثات الغازية المسببة للاحتباس الحراري. وضمن هذا السياق أيضا, تجدر الاشارة إلى «الميثاق الوطني للبيئة والتنمية المستدامة» الذي كان موضوع نقاش وطني واسع, كما شكل ترجمة فعلية لجزء كبير من التزامات المغرب على الصعيدين الوطني والدولي في مجال الحفاظ على البيئة, وتيسير سبل التنمية المستدامة. وانسجاما مع هذه الرؤية, فان مشروع الطاقة الشمسية يتيح جملة من الحلول للعديد من الاشكالات الطاقية والبيئية, إذ سيسمح بتنمية المؤهلات الوطنية الشمسية, والتقليص من التبعية الطاقية, إضافة إلى المحافظة على البيئة عن طريق الحد من الانبعاثات الغازية, وتحقيق اقتصاد سنوي من المحروقات الأحفورية بما يعادل مليون طن مقابل نفط سنويا, فضلا عن تجنب انبعاث7ر3 مليون طن من ثاني أوكسيد الكربون. ومن شأن هذا المشروع الضخم الذي يصل حجم استثماراته تسعة ملايير دولار, أن يجعل من المغرب فاعلا مرجعيا على الصعيد الدولي في مجال تسخير الطاقة الشمسية لإنتاج الكهرباء, حيث سيمكن المشروع الذي يضم خمس محطات من إنتاج 4 آلاف و 500 جيغاواط / ساعة من الكهرباء سنويا, أي ما يعادل 18 في المائة من الإنتاج الوطني الحالي. ومن جملة ما يبرهن على أحقية هذا المشروع المغربي الطموح في أن يتبوأ مكانة مرجعية على الصعيد العالمي, هناك الديناميكية المتواصلة التي صاحبت مختلف مراحل رفع هذا التحدي الطاقي منذ انطلاقته, حيث بمجرد ما تم الإعلان على المشروع قبل حوالي سنة في مدينة ورزازات خلال حفل ترأسه جلالة الملك, حتى تم إحداث «الوكالة المغربية للطاقة الشمسية» في دجنبر 2009 التي عهد إليها بإنجاز خمس محطات في كل من ورزازات وعين بني مطهر وسبخة الطاح وفم الواد وبوجدور في وذلك في أفق سنة 2020. وضمن هذه الديناميكية, تم أيضا إحداث «شركة الاستثمار الطاقي « وهي شركة تابعة للدولة تم إحداثها برأسمال يبلغ 1 مليار درهم لمواكبة «المخطط الوطني لتنمية الطاقات المتجددة». كما تم في السياق ذاته إحداث «وكالة تنمية الطاقات المتجددة والنجاعة الطاقية» خلال السنة الجارية والتي ستسهر على تدبير المشروع المغربي للطاقة الشمسية في ما يهم أساسا التصميم والدراسات واختيار المنعشين ومتابعة الانجاز والتدبير وتوجيه وتنسيق مجموع الأنشطة المتصلة بها. وقد اثارت هذه الديناميكية ردود أفعال إيجابية على الصعيد الدولي أبرزها الموقف الصادر عن البنك العالمي في شهر دجنبر 2009, حيث أعلن البنك أنه بصدد دراسة أنماط التمويل الممكنة للمشروع المغربي للطاقة الشمسية, واصفا المشروع بأنه»جد طموح وبمقدوره تحقيق أهداف السياسة الطاقية التي يتبناها البنك, إلى جانب اضطلاعه بدور محرك للنمو ومساهمته في التنمية الصناعية وإحداث مناصب شغل». وإلى جانب البنك العالمي, حلت بالمغرب في شهر مارس الماضي بعثة من ممثلي كبريات المقاولات البلجيكية المتخصصة, حيث عقدت لقاءات مع مسؤولي وزارة الطاقة والمعادن, والوكالة المغربية للطاقة الشمسية قصد الإطلاع على مختلف الجوانب المرتبطة بالمشروع المغربي للطاقة الشمسية, وهي المهمة نفسها التي حل من أجلها بالمغرب في شتنبر الماضي وفد يضم حوالي 50 مسؤولا ورجل أعمال ياباني, وذلك بعدما سبق لوفد مغربي برئاسة وزيرة الطاقة والمعادن أن شارك في الدورة الأولى للمنتدى الاقتصادي اليابان- البلدان العربية الذي انعقد في طوكيو في الفترة ما بين 6 و9 دجنبر الماضي. وبمجرد ما تم إطلاق طلب دولي في مايو الماضي لإبداء الإهتمام بأولى المحطات المبرمجة في إطار المشروع المغربي للطاقة الشمسية, والتي ستنجز في ورزازات,حتى تقاطر على الوكالة المغربية للطاقة الشمسية مائتي طلب من الولاياتالمتحدة والصين وألمانيا وإسبانيا وبلجيكا وفرنسا وكندا , بل لجأت العديد من الشركات العالمية المتخصصة في مجال الطاقات المتجددة إلى إحداث تكتلات(كونسورسيوم) للفوز بصفة إنجاز مركب الطاقة الشمسية بورزازات التي تشكل الوحدة الأولى من هذا المشروع الطموح. ومن المنتظر أن يتم اختيار 19 مجموعة دولية ضمن هذا الزخم من الطلبات,ليتم في أعقاب ذلك توقيع إطلاق طلب العروض قبل متم سنة 2010, ليأتي بعد ذلك اختيار الحائز على صفقة إنجاز مركب الطاقة الشمسية بورزازات الذي سيشيد على مساحة ألفين و 500 هكتار,وتصل قدرته الانتاجية الى 500 ميغاوات.