مسرح محمد الخامس بالرباط، هذه الليلة، سيشهد اشتعال جسد بحمم بركان قصيدة... جسد تدثره حشائش غابات أشعار، حتى وهو شبه عار ... جسد ينتشله الشعر من كل غموضه، حتى وهو منفي في سواد برقع. إذا كان لا بد «للموسم» الثقافي والفني من إعلان انطلاق، فليكن العرض المسرحي» كفر ناعوم» للطيفة أحرار، وهي «تمسرح « فيه قصائد من ديوان الشاعر ياسين عدنان، «رصيف القيامة»، هو الإحتفال الذي يليق بدخولنا أجواء موسم ،»يجسد» توقنا إلى مسرح يصوغه الاحتفاء بالحياة، ويتدفق في أوردته الشعر الذي «يختلس الفرح». أن نكون، الليلة، كثرا في المسرح، ذلك مطلوب، جيد وحرارة الحضور ستكون عالية... وسنرى توهج الموضوع... والموضوع العميق، هو الفن، الذي لا يكون فنا إلا حين ينبع من الحياة... بكل أناتها وآهاتها وبسماتها وضحكاتها... بكل أوجاعها ولواعجها، بكل مخاضاتها وإجهاضاتها، بكل ما تحفل به من غضب، من صخب، من تعب، من سغب، من وجب، من عتب، من حدب و من...حب. الفن بذلك الوزن واللحن، يعود ليصب في الحياة... يجري فيها سمادا يزهرها، يخصبها ويصون يناعة الأمل فيها... ولعلنا الليلة، نكون في موقع الإسهام في إنتاج عمل فني، يحاول أن يكون فنا يصدح بالحياة... أن نسهم بالوجود حوالي الركح في التصدي لفحيح القبح. العرض المسرحي للطيفة أحرار، أو» المسرحة» لقصائد، كان يمكن أن يكون لحظة توهج لتفاعل الأدب مع الفن، توهج يضيئ مسرح العرض، وقد تصيب شراراته بعض الحضور فتومض فيه عشق الفن وعشق الحياة... ولأن الإبداع يستفز الإتباع... حدث ما كان يفترض أن يحدث... قصف « أصولي» للعرض المسرحي، من منصات « حياء عام» افتراضي، بعد أن ضبطت الأضواء الكاشفة للذكورية، اليقظة في الأصولية الفكرية والسياسة، ضبطت جسدا، شبه عاري، ولأنثى. جسد يقول شعرا في مسرح عام، ولا « يستحي» ولا يتردد ولا يرعوي. بات لدينا جسد جامح... يداهم معاقل «السلطة» الإجتماعية للأصولية (من منابعها المحافظة، الإسلاموية واليسراوية)، ويخلخل «نظام» تحرك «الجسد»، في مفاهيمها... ها جسد في غير موقعه، خارج دائرة الشبق، يهدد وجوده هناك، بغير أمر «الرجل»، بإخصاء تلك «الذكورية» التي تقتات من «دونية» نسائية، كرسها تاريخ من الحجز لانفتاح الذات وكبح انعتاق الأنا، في النساء والرجال معا. العرض المسرحي، لم يكن فيه مشهد « الجسد» ،شبه عاري، إلا مشهدا من بين مشاهد... البعد « الذكوري» في الاعتراض على المشهد اختزل كل العرض في مشهد «تمرد» جسد ... في العرض المسرحي ،نفسه، مشهد لإنمحاء جسد داخل برقع...لم يهتم أحد بذلك... إنه المعتاد والمألوف، ويرفع منسوب «الفحولة» وهي تقتحم المبهم والمحكم الإغلاق... أما جسد يختار، هو، ويقرر ماذا يفعل بذاته، فذلك ما يثير حنق « الرجال»، فيطلقوا نيران غضبهم على التي «جرؤت» وكانت بجسدها «حمالة شعر» ... وفي شبه عريها، وشبه عريها فقط، قصف مضاد لأرجحة الجسد مابين التدنيس و التقديس في تعاطي سلطة «الرجولة» معه . تلك السلطة التي تشهر في وجه التمرد عليها، جملة سحرية محشوة بكل ما تشتهي الأنفس من « المحرمات»... جملة « الحياء العام» مسبوقة. بكلمة تجريم هي «خدش»... ومن ثقوب تلك الجملة، «حمالة أوجه»، الريح تهب، حسب الأهواء وحسب من يحركها...تكون نسيما يداعب الجفون حتى تغفو...أو عاصفة تقتلع الشجر وتطوح بالحجر. واقعة هذا العرض المسرحي وما تلاه من «زوبعة»، ضد مشهد الممثلة وهي شبه عارية، عزلاء إلا من شغفها بالمسرح...الطبعة «المزيدة و المنقحة» من الحياة...واقعة العرض، تكشف حقيقة أن «سلطة الدولة» لم تقل شيئا، لم تمنع ولم تحرض ضد العرض... ما يمكن أن نسميه بعض أدوات «سلطة المجتمع» (بعض الصحافة وبعض الجمعيات أو الأحزاب أو بعض الشخصيات المؤثرة في تكييف الرأي العام )، كشرت عن عدوانيتها، وأعلنت اعتراضها على تجريب مسرحي، يحاول التحديث والتجدد، والانبثاق من تفاعل المعاني وتدافع الحيوات... في الحياة... الكثير من الانحباس في أنفاس التقدم، مصدرها اختناقات بغبار الرؤى الرجعية في ممارسات بعض أدوات المجتمع ورموزه. الفئات في المجتمع، تملي عليها «الغريزة» الاجتماعية تصرفاتها وتجد من يعبر عنها بمخزون ثقافة الانغلاق على ذات وعلى إملاءات «الحواس» ،«بينما الدولة اليوم في مغرب اليوم تتجه، و تعيد تشكيل بنياتها لتعقم نفسها ضد الانفعالات «الفئوية الغريزية»، تستبطن قيمة الوطن، و هي أس قيم التقدم والحداثة. لسنوات مضت رفعنا شعارا يختزل كل هذا الوضع ومآله، شعار «دمقرطة الدولة ودمقرطة المجتمع»...اليوم دمقرطة المجتمع وعقلنته وتحديثه أولى بالأهمية وأجدر بالأسبقية التاريخية...غير أنه، فعلا، أفق تاريخي.