اشتغل الوسيط من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان ، في بحث استقصائي ، على موقع الشباب في السياسات العمومية ، وهو البحث العلمي الذي تطلب الاشتغال على خمسة قطاعات حكومية تعنى بحاضر ومستقبل الشباب المغربي يتقاطع فيها مجال التأطير والتنشئة الاجتماعية مع مجالات التربية والتكوين والصحة والتنمية ، فهل توجد سياسات عمومية للشباب، أم أن الأمر لا يعدو أن يكون برامج موجهة للشباب تفتقد إلى الرؤية المندمجة ؟ وهل استحضرت أغلب المخططات انتظارات الشباب و»أحلامهم» أم أن مختلف المشاريع الموجهة إليهم كانت «تنتج» خارج أية مشاورة معهم، حيث يحضر الشباب كفئة مستهدفة ويغيب كفاعل أو كصانع لهذه السياسة العمومية ؟ ..عن إعداد مذكرة ترافعية في الموضوع مع مختلف الفاعلين في سياق حوار وطني من أجل بلورة سياسة عمومية واضحة تجاه الشباب تترجم الإرادة السياسية للدولة تجاه هذه الفئة ، وعن موقع وأدوار باقي المكونات بما فيها الحركة الجمعوية تجيبنا الأستاذة خديجة المروازي في الحوار التالي ... - «الوسيط من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان» جعل من صلب اهتماماته، إلى جانب طبعا تقييم مسار العدالة الانتقالية وتجريب بعض صيغ الوساطة، مراقبة السياسة العمومية، ما هي الاعتبارات التي أملت الانشغال بسؤال قطاع الشباب ؟ - سيكون من غير الطبيعي الاشتغال على السياسات العمومية من دون جعل السياسات العامة المتصلة بالشباب أحد الانشغالات ضمن أجندتنا، وذلك لسببين: فلعلمكم الوسيط وهو يشتغل على بعض السياسات العمومية، يجد نفسه في تمرين لا يسنده فيه أي تراكم ملموس، فمجموع تجربة الاشتغال على السياسات العمومية هو عمل تأسيسي، سواء من زاوية الخبرة المختصة كما هو الشأن لدى بعض القطاعات الحكومية في إطار التقييم الموازي، أو في علاقة بمؤسسة عبد الرحيم بوعبيد، أو في تجربته بهذا الشأن مع مؤسسة فريدريش إيبرت، أو في علاقة بمجلة السياسات العمومية، ومنجزها خلال الثلاث سنوات الأخيرة، مع الأستاذ حسن طارق، أو في علاقة بالمجتمع المدني من خلال تجارب محدودة وضمنها تجربتنا في الوسيط. لدى نعتبر أحد التحديات المطروحة علينا هو أن يخوض التمرين بخصوص هذه السياسات العمومية الشباب الذي نراهن عليه كخلف في مجال جديد هو مجال السياسات العمومية، فبالرغم من تأطير ذوي الخبرة في هذا المجال، فاشتغال الشباب يبقى طموحنا الأساسي. وفي هذا السياق وبعد مساءلة الأداء البرلماني في علاقة بقضايا التعليم، جاء اختيار السياسة العامة في مجال الشباب من خلال خمس قطاعات. - تقرير الوسيط يحاول مساءلة خمسة قطاعات حكومية يتقاطع فيها الاجتماعي بالثقافي والسياسي بالتنموي، ما هي الخلاصات الأولية التي وصل إليها التقرير ؟ - مكن هذا العمل الاستقصائي من استجلاء العديد من المعطيات الهامة التي تؤشر على حضور الشباب في اهتمامات القطاعات الحكومية التي شملها هذا البحث وهي: الشباب والرياضة، والتربية الوطنية والتعليم العالي، الصحة، التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن، التشغيل والتكوين المهني. هذا الحضور تترجمه بالأساس العديد من البرامج الموجهة لفئة الشباب إضافة إلى ما توفره بعض المرافق العمومية من خدمات تكاد تكون حصرية على هذه الفئة ونخص بالذكر قطاعي التعليم بسلكيه الثانوي ،التأهيلي والجامعي وكذا قطاع التكوين المهني. غير أن قراءة لمختلف الوثائق التي تبرز حصيلة عمل كل تلك القطاعات الحكومية، على ضوء المعايير الدولية المحددة لمقومات «السياسة العمومية الوطنية للشباب» تدفعنا إلى تسجيل الملاحظات التالية: من ضمن الخلاصات التي توقف عندها فريق العمل من شباب ومؤطرين هو أنه رغم وجود قطاع حكومي مختص في «قضايا الشباب» بمختلف الحكومات المتعاقبة من الاستقلال إلى اليوم، فإن ذلك لم يمنع من استمرار غياب وجود سياسة عمومية للشباب، يمكن أن نسجل وجود برامج موجهة بالأساس لهذه الفئة، لكن هذه البرامج والمبادرات والمشاريع تفتقد للرؤية المندمجة، إضافة لكونها تسطر بشكل أحادي دون استشارة المعنيين بالأمر مباشرة أو عبر دراسات علمية تقرب أصحاب القرار من تحديد الحاجيات وترتيب الأوليات التي تتجاوب مع انتظارات الشباب. وبالتالي يسجل الطابع الأحادي لمختلف البرامج والمبادرات والمشاريع التي تعتبر الشباب هدفا لها، تتم من منطلقات قطاعية ودون وجود أي آلية للتنسيق والتكامل والانسجام في تدخل كل القطاعات إضافة إلى عدم توفر رؤية إستراتيجية مندمجة. في مستوى ثان يحضر الشباب في البرامج القطاعية كفئة مستهدفة ويغيب كليا كفاعل، إذ لا نتوفر حاليا على أي إطار أو آلية يمكن الشباب من إسماع صوتهم وإبداء أرائهم فيما يبرمج لفائدتهم، وهذا العنصر يعد أحد أهم مقومات النجاعة في كل سياسة عمومية للشباب إذ «لا سياسة عمومية للشباب بدون استشارتهم ومشاركتهم»عبر مختلف التعبيرات ذات الصلة، وبالعمل على تعزيز إحداث الآليات المختصة وطنيا وتعزيز أدوارها. وفي مستوى ثالث يظل إقرار «سياسة عمومية للشباب» إضافة لكونه يعد تعبيرا عن إرادة سياسة تعترف للشباب بوضع اعتباري خاص وتترجم ذلك بقوانين وآليات وإجراءات تخدم تحقيق ذلك الهدف، فإنها تستوجب أيضا، وفي سياقنا المغربي، توافر المعلومات والدراسات المتعددة التخصصات في مجال الشباب ومن هنا ضرورة وجود جسر بين مجال البحث العلمي والهيئات الحكومية وغير الحكومية المعنية بالشباب. - التقرير ليس هدفا في ذاته - كما جاء في خلاصتكم - بل حلقة في مشروع ومحطة في إستراتيجية، والغاية هي إعداد مذكرة ترافعية لفتح حوار مع مختلف الفاعلين من أجل التسريع بوضع قضايا الشباب بما ينتظم في سياسة عامة للدولة تخترق بشكل أفقي كل القطاعات وتحرص على الانسجام الناظم لها ، هل يمكن إطلاع الرأي العام على مضامين هذه المذكرة الترافعية؟ فعلا التقرير ليس هدفا في حد ذاته، ولكن يبقى أساسيا للتشخيص والاستقراء، غير أن خلاصاته و توصياته هي ما سيشكل موضوع ترافع الشباب خلال السنة المقبلة لدى المؤسسة التشريعية والتنفيذية والأحزاب السياسية، سيكون ذلك بموازاة الإعداد للانتخابات التشريعية المقبلة، وستكون الفرصة ملائمة للاقتراح والترافع والتأثير، وفي أفق ذلك يتمرن الشباب في إطار الوسيط على مشروع إعداد الأسئلة الشفوية والكتابية كأحد الآليات الأساسية للعمل الرقابي، وضمنها سيكون سجل الأسئلة ذات الصلة بقضايا الشباب والتي ستكون موضوع جلسات عمل مع أربعة فرق برلمانية. - لكنكم سجلتم غياب الالتزام الحكومي من طرف الوزير الأول وضعف انخراط باقي القطاعات المعنية وغياب أي حوار تشاوري مع مكونات الحركة الجمعوية المغربية، هل يمكن إنضاج تصور واضح لهذه الاستراتيجية في غياب حوار وطني مع الفاعلين في الحقل الجمعوي المغربي؟ - بخصوص غياب أوضعف أو حتى عدم وضوح الالتزام الحكومي من طرف الوزير الأول على هذا المستوى، يكون مقلقا بالنسبة لنا، لأنه يشكل المنطلق أو هكذا يفترض، فالسياسات القطاعية تجد مرجعيتها بخصوص كل قطاع في التوجهات والسياسات العامة المصرح بها من طرف الوزير الأول أمام البرلمان، مع كامل الأسف، مفهوم التصريح الحكومي في السياق المغربي ما يزال رهين النوايا والمبادئ، بينما التصريح يحدده ، منطوق الدستور في الفصل 60، بوضوح طبيعته التوجيهية والعملية. فإذا لم يكن هناك من توجه وتوجيه بخصوص السياسة العامة للشباب في التصريح، فكيف يمكن للقطاعات أن تترجمها، إن الطابع الأفقي المطلوب لقضايا الشباب في مختلف السياسات القطاعية يصعب تنزيله والتأسيس له في غياب توجه وتوجيه واضح على مستوى التزام الوزير الأول. بخصوص التشاور مع المكونات الجمعوية ، في غياب الآليات المؤسسية وطنيا المتصلة بالشباب، وكذا غياب تنسيقيات اقتراحية وترافعية في علاقة بالشباب، على مستوى المجتمع المدني. وفي أفق إحداثها، فينبغي مرحليا بل ومؤقتا، أن يتم ذلك من خلال اللقاءات والحوارات والنقاش العمومي عبر مختلف وسائل الإعلام. لذلك لا ينبغي أن يشكل غياب الآليات المختصة مبررا لتغييب التواصل والتشاور بين مختلف الفاعلين بخصوص قضايا الشباب.