صدر حديثا للباحث المغربي الدكتور الطائع الحداوي كتاب جديد عن المركز الثقافي العربي(بيروت، الدارالبيضاء 2010 ) تحت عنوان»النص والمفهوم» ينضاف إلى الكتب القيمة التي ألفها هذا الباحث المعروف برصانته وجديته التي يعكسها كتابه السابق الصادر عن المركز نفسه «سيميائيات التأويل» الذي وجد صدى طيبا عند طرة من الباحثين في حقول السيميائيات والللسانيات وعلم الدلالة وتحليل الخطاب والسرد الخ. والكتاب الذي نحن بصدده يندرج في سياق اهتمامات البحث الأكاديمي المغربي الذي لا يتوانى عن الحفر في أركيولوجيا إنتاج المعرفة واستقصاء مستوياتها وكيفية اشتغالها سواء كان الحامل نصا وملفوظا أم صورة وأيقونة أم صرحا نظريا وتشييدا مفهوميا.في هذا المنحى اتجه قصد الباحث نحو رصد محصلة التفكير السيميائي في المغرب، باعتباره فضاء خصبا لهذا النوع من المعرفة، وذلك بالاشتغال على بعض النماذج التي أبانت عن كفايتها في هذا المجال من خلل العناصر التالية: الخلفية التاريخية والإبستمولوجية ، الخلفية النظرية والمنهاجية، الجهاز المفهومي، المتن موضوع الدراسة. وقد استغرقت هذه النماذج المختارة الفترة الزمنية التي شهدت البدايات الأولى لنماء المبحث السيميائي والمناهج الجديدة في البيئة العلمية المغربية. ولم يفت الباحث تعزيز هذه المحصلة السيميائية بتحليل عيني لإنتاج الدلالة في نص رحلي سفاري للكاتب الإيطالي إدموندو دي أمتشيس بعنوان «المغرب» بوصفه مؤلفا مشاركا في أول سفارة إيطالية مثلها القائد ستيفانو سكوفاصو في المغرب. إذا كان هذا المدخل في الكتاب يبين إلى أي حد انحاز فئة من الباحثين المغاربة للمناهج المعاصرة في الدراسة والبحث فإن الكتاب يسجل الدور الذي لعبه الشكلانيون الروس في إغناء نظرية الأدب الحديثة وانعكاس آثارها على قضاياه و أجناسه وأدوات تحليل نصوصه. فلفت الانتباه ليس إلى النصوص المترجمة رغم قيمتها ولكن إلى النصوص التي لم تترجم أو وقع إهمالها والتخلي عنها بقصد أو بغير قصد. كما تمت العناية بتحديد مفهوم محوري في المقاربة البنيوية التكوينية هو مفهوم : الرؤية للعالم وتحليل وضعه النسقي داخل المسلمات النظرية التي افترضها لوسيان غولدمان إلى جانب مجموعة من المفاهيم الأخرى التي استند إليها نظرا وبرهنة. في هذا المجموع اللطيف من المباحث أفرد الكاتب قسما من إصداره لاستقراء نصوص أدبية تجمع بين السرد والشعر أو بين الترجمة الذاتية والرحلة. ففي السرد الروائي كان الاحتفاء بالنص الممتع لسلوى النعيمي «برهان العسل» من جهة تشكل الكتابة وصوغ الحكاية وتنضيد المقاطع السردية وسياق الإحالة. وبمعالجة «تكون النص السردي» في رواية «محن الفتى زين شامة» لسالم حميش من حيث المظاهر النصية والحكائية والتأشيرية والاقتضائية المحددة للتركيب السردي. وفي الشعر أبرز العلاقة الجامعة بين الإيقاع الانفعالي والموضوع الشعري وميسم التفضية والتشاكلات الدلالية والخطابية في ديوان «الأنخاب» للشاعرة وفاء العمراني. وعمل الشيء نفسه في ديوان «المتعبون» للشاعرة ثريا ماجدولين بالتماس الدلالة الترميزية والتخييلية بناء على تمفصل المقاطع النصية وتذويت الخطاب. وختم الكتاب ببيان بلاغة الخطاب وأسلبة التلفظ النصي في «التعريف بابن خلدون ورحلته غربا وشرقا» باعتباره نصا جامعا في التبنين والإنتاج . بهذا الترتيب والتبويب جاء تأليف هذا الكتاب المسمى «النص والمفهوم» ليثري خزانة القراء والكاتب معا لأن رقعته تحتوي على أكثر من فائدة فريدة.