في أواخر الخمسينيات من القرن الماضي ، وتحديدا في يوم 15 أبريل 1958 ، احتفل المغرب باسترجاع إقليم طرفاية من المحتل الاسباني بعد سلسلة من المحطات السياسية والكفاح المسلح قام بها أبناء الشعب المغربي تكللت كلها بالنجاح. وقد حضر مراسم هذه الاحتفالات ولي العهد آنذاك الأمير مولاي الحسن ليشارك المقاومين والسكان فرحتهم بهذا النصر التاريخي الذي سيمهد الطريق لاسترجاع ما تبقى من الأراضي المحتلة في منطقة أيت باعمران والساقية الحمراء ووادي الذهب، وبنفس المناسبة عين المرحوم علي بوعيدة كأول عامل على هذا الإقليم بغية تجاوز التهميش والرواسب التي خلفها المستعمر في هذا الإقليم الفتي وتقديم الخدمات الإدارية و الاجتماعية الضرورية على المستويين العمودي والأفقي لكافة سكان الصحراء ، وبناء ما خربه المحتل قبل رحيله، ومع مطلع السبعينيات ستعرف المدينة تحولا سلبيا كبيرا رغم المجهودات المبذولة من طرف الجميع، إذ ستتحول هذه المدينة من عمالة إلى باشاوية ثم إلى قيادة بحكم التوجه العام للسكان إلى الرواج الاقتصادي الذي يعرفه سوق (لكروشي) التجاري في نقطة الطاح المركز الفاصل بين إقليم طرفاية والحدود الوهمية التي أقامها الاستعمار الاسباني ( حوالي 40 كلم جنوب شرق طرفاية ) ، لكن هذه المدينة الصامدة ظلت تلعب نفس الدور المنوط بها في ربط أواصر التواصل ومد مسالك التلاقي بين الشمال والأقاليم المحتلة آنذاك إلى أن جاءت محطة المسيرة الخضراء أواخر سنة 1975 ، لتتحول مرة أخرى إلى نقطة هامة في تاريخ استكمال ما تبقى من الأراضي من يد المستعمر، حيث تمركزت محطة للتلفزة الجهوية للتعريف بقضية الصحراء والوقوف في وجه كل ما من شأنه أن يعرقل التوجه الوحدوي لإخواننا في عيون الساقية الحمراء ووادي الذهب ببرامج وطنية وأناشيد حماسية ونقطة انطلاق أخرى لكل الاجتماعات والعمليات السياسية إلى أن حققت المسيرة الخضراء أهدافها، ويعود التهميش مرة أخرى ليطال اغلب المرافق الحيوية لمدة تجاوزت ثلاثة عقود بحكم ابتلائها بمجالس منتخبة ضعيفة و بمسؤولين دون المستوى لكونهم لم يستثمروا هذا الإرث التاريخي والموقع الاستراتيجي الهام المتميز بشواطئ جميلة وبطقس معتدل طيلة أيام السنة وبثروة بحرية هائلة، و لم يتم الاهتمام بالسياحة الصحراوية الطبيعية وعامل القرب من العيون و الجزر الخالدات. إن هذه المدينة التي نعرفها جيدا ونعرف حجم ما كانت تعانيه ساكنتها من إكراهات ومشاكل طبيعية كزحف الرمال وندرة التساقطات المطرية وملوحة المياه الجوفية إلى جانب انقطاع الماء والكهرباء وانعدام البنى التحتية و المواصلات ، أصبحت اليوم تعانق الأمل وتتطلع إلى غد أفضل خاصة بعد انتخاب مجلس بلدي اتحادي يدبر شأنها المحلي في جو من الشفافية والحزم لتلبية حاجيات السكان رغم الإمكانيات المحدودة وقلة الموارد المالية. وخلال جولة استطلاعية قمنا بها مؤخرا دون أن نتصل بأي مسؤول أو منتخب ، لاحظنا التحول الكبير الذي شمل هذه المدينة على مستوى إنشاء المرافق الاجتماعية ومجموعة من الأوراش والبرامج الناجحة المندرجة في إطارالمبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي مكنت من تعزيز الهندسة الاجتماعية وتحسين ظروف عيش الأسر المعوزة في المجالين الحضري والقروي، وهذا ما أكدته مجموعة من السكان و فعاليات المجتمع المدني الغيورة على تاريخ هذه المدينة لجريدة الاتحاد الاشتراكي ، حيث كان التنويه بعامل الإقليم المعين حديثا كعامل جديد على هذه العمالة الفتية، أو ثاني عامل إن صح هذا التعبير الذي يرجع له الفضل في تسريع وتيرة عدة أوراش وإصلاح المدينة من المفسدات التي طغت عليها في السر والعلن وفتح قنوات الحوار بين مخلتف المسؤولين والمنتخبين ومكونات المجتمع المدني وكل الشرائح الاجتماعية للاستماع إليهم والعمل على حل المشاكل العالقة في الحدود المقبولة والمعقولة... نفس الشعور لمسناه لدى السيدة مريم م من ساكنة المدينة التي التقيناها صدفة خارجة من بهو العمالة بمعية مجموعة من المواطنين وحالة الانشراح بادية على محياهم، لكن مريم كانت حالة خاصة بحيث لم تتمالك نفسها من شدة الفرح نظرا لحل مشكلة اجتماعية انتظرت فك رموزها طويلا إلى أن شاخ ملفها بمرور الزمن كما يؤكد السيد السالك د... تاجر بأن «السكان استبشروا خيرا حين فتح خط بحري بيننا وبين الجزر الكنارية لكن أحلامنا غرقت مع غرق الباخرة، يقول السالك، التي ساهمت إلى حد كبير في إنعاش المنطقة بارتفاع نسبة كراء وبيع العقار وخلق حركة دؤوبة على مستوى المواصلات» وفي في ما يخص العمالة الجديدة أكد بأن بوادر التحسن بدأت تظهر ويتمنى بأن تعطى الأهمية لتشغيل شباب المدينة وبناء الطريق الرابطة بين أمكريو ومنتجع فم الواد في اتجاه مدينة المرسىبإقليمالعيون و إصلاح الميناء الغارق في الرمال الذي أصبح عبارة عن ملعب روماني قديم ، بتعبير أحد الفاعلين السياسيين المحليين. وتبقى المشاريع الكبرى المبرمجة بهذا الإقليم من خلال تعبئة خيراته من أهم التحديات المندرجة ضمن مشروع مندمج ومتطور لإنتاج الكهرباء باستعمال الطاقة الشمسية بسبخة الطاح بطاقة تبلغ 500 ميكاواط، كما سيتم إنجاز المحطة الريحية من 300 ميكواط بنفس الإقليم باستثمار يناهز5100 مليون درهم والطاقة الإنتاجية لهذه المحطة سوف تصل الى 900 جيجا واط ساعة حيث ستنطلق أشغال هذه المحطة على مرحلتين: 200 ميكا واط في عام 2011 و100 ميكاواط في سنة 2012 في إطار المشروع المغربي للطاقة الشمسية، كما أن الإقليم يتوفر على حقل كبير من الصخور النفطية قد يحين وقت استعمالها ذات يوم و محمية انعيلة للطيور المهاجرة على ضفاف المحيط الأطلسي واستثمار تاريخ المعلمة التاريخية كسا مار التي بناها الإنكليز سنة 1882 ، بالإضافة إلى متحف الطيار والأديب الفرنسي دو سانت إكزيبيرى ومجموعة من السبخات ذات الجودة العالية في إنتاج الملح بالإضافة إلى مشاريع أخرى مبرمجة و مشتركة بين المغرب والأردن في مجال السياحة لتشكل بذالك قطبا سياحيا واقتصاديا مهما يربط بين هذه المدينة ونظيراتها بواد اشبيكة بإقليم طنطان والشاطئ الأبيض بإقليم كليميم والجزر الكنارية، وهي مشاريع ضخمة سينتج عنها عدد كبير من مناصب الشغل بالمنطقة علاوة على التصدي للمشاكل والاكراهات الطبيعية السالفة الذكر.