طالب المغرب، مرارا، وبشكل واضح، وعلى أعلى مستوى، السلطات الجزائرية، بفتح الحدود المغلقة بين البلدين منذ 14 سنة؛ وهو الطلب الذي تصر الجزائر الرسمية على رفضه فيه بشكل رسمي، ما دام «نزاع الصحراء» عالقا، ومادام فتح الحدود حسب رأيها لن يفيد سوى المغرب الذي يخسر سنويا ما قيمته 4 ملايير دولار، بسبب الحدود المغلقة. هذا الموقف، وإن كان «مبدئيا» و«حيويا» بالنسبة ل«البومدينيين الجدد» الذين يراهنون على استنزاف المغرب اقتصاديا وتفجير القلاقل الاجتماعية داخله، وخاصة بالمنطقة الشرقية التي كانت تعتمد على «اقتصاد الحدود»، فإنه يدخل في خانة الممارسة السياسوية الفارغة ما دامت انتظارات الشعبين، المغربي والجزائري، أعلى وأكبر من أحلام جينرالات وهران، ومادام المستثمرون الإسبان يطرقون الأبواب، ويطمحون إلى نقل أوموالهم إلى منطقة مستقرة وآمنة سياسيا، وهو ما لا يريد رجال بوتفليقة الانتباه إليه. إن الإسبان، ومعهم مجموعة من الدول الكبرى، ينظرون إلى قضية فتح الحدود بانشغال كبير، لما لذلك من تأثير إيجابي وفائدة اقتصادية على النشاط التجاري الإسباني في المنطقة المغاربية بشكل كبير. ف«فتح الحدود مع الجزائر يقول خبراء اقتصاديون معناه تمرير البضائع من منطقة التبادل التجاري الحر الواقعة بميناء طنجة إلى دول مغاربية أخرى انطلاقا من الحدود الجزائرية وبأقل تكاليف جمركية. أضف إلى ذلك السلع الأوروبية التي يمكن أن تصدر من مدينتي سبتة ومليلية». وقد عبر المستثمرون الإسبان، بشكل صريح، عن دعمهم لفتح الحدود البرية بين البلدين، مما سيمكن، وفق حساباتهم التجارية، من رفع صادرات السلع التي تدخل من سبتة ومليلية إلى المغرب، وقد تصل إلى الجزائر بأقل تكلفة جمركية عبر الحدود البرية في حالة فتحها؛ وهو المطلب الذي مازال، حتى الآن، يواجه بالتجاهل واللعب على الوقت لإرغام المغرب على «رفع الراية البيضاء».. وهي راية غير موجودة في عقل المغاربة بتاتا! وتشير بعض الدراسات التي أعدها خبراء اقتصاديون إلى أن التعاون المكثف بين المغرب والجزائر سيمكن إذا تحقق من إحداث سوق كبيرة في المنطقة تتكون من حوالي 70 مليون مستهلك، وهو ما يمكن من استقطاب الاستثمارات المحلية والأجنبية لتلبية حاجيات هذه السوق في جميع المجالات.. وبين الموقف الرسمي للبلدين حيال مسألة فتح الحدود أو إبقائها مغلقة، وما صاحبها من البيانات والبيانات المضادة، تباينت تصريحات الشارع الجزائري والشارع المغربي حول هذه القضية، التي ساقت ساكنة الشريط الحدودي المغربي الجزائري إلى دائرة الأحداث. جريدة «الاتحاد الاشتراكي» وفي محاولة منها لسبر أغوار هذه الفضاءات الشاسعة بالشريط الحدودي، سبق وأن رصدت واقعها، واستمعت إلى آراء وانطباعات البعض من ساكنة مدينة وجدة (البوابة الرئيسية نحو الضفة الأخرى) وحملت أسئلة وجيهة وتحديات عديدة إلى الشارع الوجدي بمختلف شرائحه وأطيافه وبعض المواطنين الجزائريين ممن تمكنا من مهاتفتهم، فكانت الآراء والتصريحات التالية: يقول عبد الناصر بلبشير، مفتش تعليم أن «فتح الحدود ضرورة إنسانية لبناء صرح المغرب العربي، فإذا كنا نطمح لإعادة فتح الحدود أمام شعبين شقيقين يجمعهما الإسلام والعروبة التاريخ، فإننا نستهدف الجانب الإنساني أكثر من الجانب الاقتصادي، حيث إن على طول 550 كلم من الشريط الحدودي المغربي الجزائري نجد أزيد من 350 ألف نسمة من المغاربة يرابضون على الحدود، ونفس العدد نجده بالجهة الأخرى من ولايات التراب الجزائري. كما أن فتح الحدود سيمكن الدولتين من القضاء على مشاكل اقتصادية واجتماعية وسياسية كثيرة.. وهناك جانب أهم، لابد من مراعاته وهو العلاقات العائلية التي تربط الشعبين المغربي والجزائري». سعيد هادف وهو كاتب جزائري قال إنه «من المؤكد أن السياسة التي ظلت تتحكم في العلاقة المغربية الجزائرية لا يمكن وصفها إلا بالغامضة، إذ ليس من المنطق، ولا من المصلحة، أن يبقى المغرب والجزائر في حالة تنابذ. ومن المؤكد أن البلدين الشقيقين مستهدفان بطريقة ماكرة، فالمغرب بثقله التاريخي وعراقته تم استهدافه لعزله عن محيطه، إن قراءة جيوسياسية تبين لنا استراتيجية التطويق شمالا وغربا، جنوبا وشرقا (مشكل سبتة ومليلية، الجزر، مشكل الصحراء ثم الحدود الشرقية المغلقة) أما الجزائر، فهي مستهدفة أيضا، لعزلها عن المغرب من جهة، ولضرب استقرارها من خلال الإرهاب من جهة ثانية.. أما عبد الله الإدريسي، أستاذ جامعي فقد اعتبر بدوره أن «مسألة إغلاق الحدود البرية عملية تنم عن إرادة الجزائر للضغط على المغرب بخصوص حقوقه الترابية والتاريخية، ويضيف:«إن الحديث عن الحدود المغربية الجزائرية، يجرنا بالضرورة إلى الحديث عن وحدة دول المغرب العربي التي شكلت وتشكل هاجسا وتطلعا استراتيجيا لدى شعوب المغرب العربي، ويأتي السجال بين المغرب والجزائر حول من يتحمل المسؤولية في إغلاق الحدود، في الوقت الراهن، ليذكرنا بالمكانة الاستراتيجية والتنموية للبلدين الجارين، لابد من العمل على تنمية المناطق المغربية الحدودية، والتأكيد على البعد السياسي والعامل الثقافي ذي الصلة بالجيران، ودور العامل الثقافي أكثر من السياسي في خلق جو الثقة المتبادلة، الممهدة للحوار الثنائي والمتعدد حول بناء المغرب العربي وفتح الحدود، وفي غياب هذه المعطيات وعدم اكتمال الشروط، فلا ينبغي أن نعلق الآمال على النسق السياسي الجزائري الحالي، والذي يواجهنا بالرفض والضغط، طمعا في مكاسب وهمية، بخصوص القضايا المطروحة، بل ينبغي التوجه والمضي في تطبيق الاستراتيجية التنموية المخططة والمتبعة منذ مدة، من أجل تأهيل الجهة الشرقية واغتراس النباتات وإنجاز التجهيزات، وخلق الاستثمارات، وإنشاء الأقطاب الاقتصادية اللازمة للتنمية الحضرية والقروية..» يذكر أن نص اتفاق الحدود الموقع سنة 1845 على اسم موقع زوج ابغال، أثناء سرد معالم الحدود التي وقع الاتفاق بشأنها بين المغرب وفرنسا من مصب وادي كيس في البحر المتوسط الى ثنية الساسي الواقعة شرق عين بني مطهر، حيث اعتبر اتفاق الحدود زوج ابغال معلمة حدودية بشرق سهل أنكاد، وقد جاء ذلك في البند الثالث بالصيغة التالية: «.... وسر كذلك الى جرف البارود الكائن بوادي بونعيم، ومنه إلى كركور سيدي حمزة، ومنه الى زوج ابغال (كذا)...». ويستخلص من ذلك أن تسمية زوج ابغال لم تكن في الأصل ترمز الى موقع حدودي بين المغرب والجزائر قبل الغزو الفرنسي سنة 1830، وكما هو معلوم، فإن خط الحدود بين البلدين أيام الحكم التركي بالجزائر كان بوادي تافنا شرق مدينة مغنية. وبعد توقيع اتفاق مغنية سنة 1845 نقل خط الحدود الى جهة الغرب بحكم الغلبة التي كانت للجيش الفرنسي في معركة إسلي سنة 1844، رغم التحفظ الذي أبداه سلطان المغرب آنذاك (عبد الرحمن بن هشام). ولما حان وقت التثبت من المعالم الحدودية المنصوص عليها في اتفاق مغنية وتنفيذ بنوده على أرض الواقع، تبينت صعوبة تطابق مواقف المغرب وفرنسا بشأن المواقع الحدودية الواقعة شمال وجنوب زوج ابغال، نظرا لانعدام معالم طوبوغرافية واضحة (تضاريس أو أودية) تساعد على تمييز خط الحدود، وزاد الأمر تعقيدا كون الموقع الواحد اختلفت تسميته من طرف الى آخر، وكانت السلطات الفرنسية قد أوعزت الى بعض أعيان القبائل الذين أصبحوا يحسبون على الجزائر من أجل التصريح بشهادتهم المخالفة للواقع بعين المكان، فاتخذت ذلك حجة بهدف الضغط على المغرب كي يتنازل عن حقوقه الترابية بشأن المواقع المتنازع عليها. فآل الأمر الى اعتبار تلك الأراضي منطقة محايدة مؤقتا في انتظار الحسم فيها لاحقا.