استقطب قطاع الاتصالات بالمغرب اهتمام الكثيرين من المتتبعين للشأن الاقتصادي، فأمام تضارب المصالح، فإن ما يتم تسريبه من «أخبار» صار يحتاج إلى المزيد من التحقق والتأكد قبل اعتماده كمؤشر يؤخذ به عند اتخاذ القرار أو الإدلاء بالرأي. تزايد الاهتمام بالقطاع على المستويين الوطني والدولي أملته عدة عوامل نخص منها بالذكر: 1 - توجه الحكومة المغربية نحو بيع 8% من حصتها في «اتصالات المغرب». فرغم أن انعكاسات الأزمة الاقتصادية العالمية على اقتصاديات العديد من الدول المتقدمة والناشئة ألحقت أضراراً بليغة ببعض شركات الاتصالات إلا أن النتائج التي حققتها «اتصالات المغرب» في النصف الأول من السنة الجارية أكدت بأن تحسن أوضاعها سمح لرئيس مجلس إدارتها عبد السلام أحيزون بالإعلان عن تعرض أسعار المكالمات الهاتفية إلى التخفيض قبل متم السنة الجارية، وعن الاستمرار في الاستثمار في البنيات التحتية على المستويين المغربي والإفريقي. كل هذه المؤشرات تفسر إلى حد ما خيار الحكومة المتمثل في التخلي عن جزء من الأسهم التي تدر عليه سنوياً ملايير الدراهم على أن يتكبد الاقتصاد الوطني عواقب التدني الحاد لمستوى السيولة، ولعل أولى ردود الفعل العملية تمثلت في مبادلات بورصة الدارالبيضاء التي سجلت انتعاش سهم «اتصالات المغرب». 2 - تزايد الطلب الخارجي على أسهم «ميدتيل»، فمنذ أن تخلت الشركتان الإسبانية والبرتغالية عن حصصها في رأس المال لفائدة مستثمرين مغاربة، مفضلة في ذلك استعمال ما جنته من أرباح في التغلب على الصعوبات التي واجهتها في بعض الدول الأوربية والأمريكية، فإن خبرة الأطر المغربية مكنتهم من الرقي بشركة «ميدتيل» إلى مستويات جعلت بعض الشركات العالمية تراهن على اعتمادها كمنطلق لتحقيق مكاسب هامة في السوق المغربية بالرغم من احتداد التنافسية بها. فكون المغرب يتوفر على نسبة مرتفعة من الشباب والأطفال، ويمتاز باقتصاد متطور ومتفتح على الخارج، يعني أن المستقبل مضمون شريطة مواكبة التطور وتثمين مؤهلات الموارد البشرية. وكون مسيري الشركة لم يستعجلوا في إبرام أي اتفاق رغم بعض العروض المادية المغرية، ورغم أن المفاوضات دامت عدة أشهر وشملت عدة مستثمرين، فهذا معناه أن الشركة في حالة جيدة ويمكنها أن تواصل المسيرة بالوضع الإداري الحالي إذا لم تكن هناك ضغوط خارجية لا علاقة لها بقطاع الاتصالات. 3 - حظيت كل من «فرانس تيلكوم» الفرنسية و«الاتصالات» الإماراتية بمواكبة إعلامية واسعة دفعت إلى الاعتقاد بأن المفاوضات مع مسيري «ميدتيل» على وشك الانتهاء، أما باقي الشركات التي أبدت رغبتها في اقتناء حصة من أسهم الشركة المغربية فلم تحظ بنفس الاهتمام الإعلامي، ومادام أن بعض الأخبار التي اكتست صبغة اليقين أُلغيت بتكذيب صريح من مالكي «ميدتيل» فإن كل الاحتمالات حافظت على نصيبها من التحقق، وإذا كان هناك من تمييز، فإنه سوف لن يتجاوز حدود البحث عن الشريك الذي سيؤمن ل «ميدتيل» وللمغرب فرصاً أكبر في التطور والتوسع، ومن هذا المنطلق، فإن تفادي التبعية شبه المطلقة لفرنسا يخدم مصالح «الاتصالات» الإماراتية، بل إن الاستفادة من الخبرة التي اكتسبتها الشركات المشرقية في الساحتين الإفريقية والعربية، يمكن أن تعتمد ولو بشكل ثانوي، في تحديد المساهم الأجنبي الجديد في رأسمال «ميدتيل». كل هذه العناصر تشكل مؤشرات جديدة عن تزايد الاهتمام بقطاع الاتصالات بالمغرب، وإذا كانت الفترات التي تلت مرحلة خوصصة القطاع قد أمنت انخراط المغرب في العالم الرقمي، فإن تعدد الأنشطة المرتبطة بالقطاع وتزايد دور كل منها في تحقيق نسب عالية من النمو يؤهلها في الفترة الراهنة لاستقطاب المستثمرين ولخلق المزيد من فرص الشغل. ومن هنا يبرز دور الوكالة الوطنية لتقنين الاتصالات لأن الحكامة الجيدة تقوي ثقة المستثمر وتؤمن للمستهلك حق الاستفادة من المنافسة الشريفة.