بعد ثمانية عشر عاماً من الانقطاع عن العمل المسرحي، منذ قدم آخر مسرحياته: «صانع المطر» عام 1992، يعود الفنان السوري دريد لحام إلى خشبة المسرح، ليقدم عملا كوميدياً سياسياً، يمس الواقع العربي الراهن، ويعكس إحاطاته وانهياراته في ظل انهيار كافة أشكال المشروع القومي والخلافات العربية والاحتلال الجديد الذي يحاول رسم خارطة جديدة للمنطقة. كتابة جماعية! العمل الذي يحمل اسما مبدئياً هو «السقوط»، كتب على شكل لوحات ضمن ورشة كتابة جماعية ضمت المخرج علاء الدين كوكش، والممثل عمر حجو، إلى جانب الفنان دريد لحام... الذي آثر العودة إلى أجواء محمد الماغوط وسخريته الهجائية المرة، فاقتبس عددا من لوحات المسرحية عن نصوص كتاب الماغوط الشهير: «سأخون وطني». ورغم أن دريد لحام سبق وأعلن اعتزاله المسرح، بسبب ما قاله حينها عن الأعباء المرهقة للعمل المسرحي... فإن حنينه للتجربة التي صنعت منه واحداً من أبرز نجوم المسرح السياسي في الوطن العربي، دفعته للتفكير مجدداً بعرض شركة «إيكوميديا» القطرية، التي طرحت عليه فكرة إنتاج عمل مسرحي ضخم يقوم ببطولته، ويخرجه المخرج العراقي محسن العلي. وكان التحدي الأبرز الذي واجه دريد لحام إزاء قبول فكرة العودة إلى خشبة المسرح، هو وجود الكاتب المسرحي الذي يعيد له أمجاد تجربته المثمرة والناجحة مع الكاتب محمد الماغوط التي انطلقت بمسرحية «ضيعة تشرين» عام 1974، وبلغت ذروتها بعرض «كاسك يا وطن» عام 1979، إلا أنها شهدت انتكاسة حادة عام 1987، حين اتهم الماغوط دريد لحام عقب تقديم العروض الأولى من مسرحية «شقائق النعمان»، بأنه شوّه نص مسرحيته وحوّل مرثيته لزوجته الشاعرة سنية صالح، وكمال خيربك إلى مجموعة اسكتشات راقصة... الحرب والسلام! ورغم سنوات العداء الطويل، التي جعل فيها الماغوط من دريد لحام مادة لحرب هجائية لاذعة، إلا أنه عاد قبل رحيله بعامين لينهي تلك الحرب بسلام غير متوقع، حين صرح بعد كتابته لنص مسرحي قال إنه يروي فيه سيرته الذاتية والنضالية بأنه «لن يجسد شخصيتي بنجاح إلا الفنان دريد لحام، فهو الوحيد الذي فهم نصي واحترمه ولم يبخسني حقي، صحيح لم يكن حاتم الطائي، ولكنه كان أفضل من الآخرين الذين تعاملت معهم وخذلوني كإنسان ومؤلف». لكن الماغوط رحل من دون أن يظهر نصه الذي دوّن فيه سيرته الذاتية إلى النور، ولئن عادت حبال المودة بينه وبين دريد لحام بعد ذلك التصريح وما سبقه من اتصال هاتفي لإعادة عرى التعاون من جديد... إلا أن دريد لم يعد إلى المسرح، حتى جاء رحيل الماغوط ليطوي الصفحة الأخيرة في سجل هذه التجربة. وهكذا تبدو عودة دريد لحام عبر مسرحيته الجديدة مشحونة بكثير من مشاعر الحنين والاشتياق إلى المسرح بعد ذلك الانقطاع الطويل، ولا أدل على ذلك الحنين، أنها سعت لاستلهام مناخ الماغوط التهكمي المر في فضائها المسرحي بعد كل سنوات القطيعة ثم الغياب... ناهيك عن أن دريد لحام منذ قدم آخر أفلامه السينمائية «الآباء الصغار» عام 2007 لم يظهر في أي عمل فني لا سينمائي ولا تلفزيوني. الافتتاح في الدوحة! يذكر أخيراً، أن شركة «إيكو ميديا» التي تنتج عمل دريد لحام الجديد، هي شركة إنتاج قطرية مملوكة للكاتب والباحث القطري هاشم عبد الرحيم السيد وقد بدأت مشوارها الإنتاجي بمسلسل «سقوط الخلافة»، الذي كتبه يسري الجندي وأخرجه محمد عزيزية، وعرضته عدد من المحطات العربية في رمضان، وهو يتخذ من السلطان عبد الحميد الثاني، آخر السلاطين الأقوياء مدخلاً للتعرف على حال السلطنة العثمانية في أيامها الأخيرة، ويروي كيف حاول عبد الحميد جاهداً أن يتدارك سقوطها في ظل تراكم عوامل التراجع والتخلف والانحدار الاقتصادي وتآكل نظامها الداخلي بفعل فساد بعض الولاة، ناهيك عن تآمر الغرب الاستعماري والصهيونية العالمية والماسونية ضده وضد الخلافة.. بسبب رفضه إباحة فلسطين لإقامة وطن قومي لليهود. كما أنتجت الشركة أيضاً المسلسل الكارتوني «يوميات دينار» بالأبعاد الثلاثية، الذي يستند الى ما ورد في كتاب «حكايات مصرفية» وهي مجموعة تجارب مؤلفه السيد هاشم السيد في الحقل المصرفي. وحال الانتهاء من التدريبات على مسرحية «السقوط»، سيتم افتتاح عروضها في العاصمة القطرية الدوحة، التي ستستأثر باستعادة زمن دريد لحام المسرحي، ثم تتوالى العروض بعد ذلك في الكويت ودمشق والقاهرة في إطار جولتها الأولى على الأقل.