يستقطب المسلسل التلفزيوني الإسرائيلي الساخر «شُغل عرب»، الذي يعرض للعام الثاني على التوالي، مشاهدين من جميع شرائح المجتمع الإسرائيلي يهودا وعربا. ونظرا للنجاح الذي حققه تقرر ترجمته إلى اللغة العربية لتوسيع دائرة مشاهديه. لم يكتف مسلسل «شغل عرب» باستقطاب مشاهدي الشاشة الصغيرة فحسب، بل انتقل الإدمان عليه أيضا إلى الشبكة الاجتماعية (الفيسبوك) والمدونات. وعلى ضوء هذا النجاح المنقطع النظير قرر القائمون عليه توفير ترجمة عربية له لتمكين المشاهدين العرب من متابعته أيضا. وقد كتب سيناريو المسلسل الكاتب والروائي الفلسطيني سيد قشوع، الذي يكتب باللغة العبرية ولمع نجمه في الصحافة والتلفزة العبرية نظرا لأسلوبه الهزلي المتميز. وتدور أحداث المسلسل حول شخصية فلسطينية تدعى أمجد (يؤديها الممثل نورمان عيسى). وأمجد صحفي من عرب إسرائيل عمره 53 سنة يعمل في صحيفة عبرية ويسكن في بلدة عربية في شرقي القدس ينتقل بعدها للسكن في حارة يهودية. أمجد متزوج من عاملة اجتماعية اسمها بشرى، ولهما طفلة تدعى مايا. بين المطرقة والسندان يعاني أمجد من مشكلة الهوية بسبب التناقض بين البيئة العربية التي عاش فيها واستقى منها تقاليده وبين محيط العمل اليهودي بطابعه الغربي. ويركز أمجد جل اهتمامه على الاندماج في المجتمع الإسرائيلي «الراقي» عن طريق شتى الأساليب. ولا يتورع عن استخدام بعض الأساليب السطحية، كاستخدام «آفتر شيف After Shave» يستخدمه الإسرائيليون أو ركوب السيارات المفضلة لديهم كي تساعده على المرور عبر الحواجز دون تفتيش. ولا تتوقف جهود أمجد الاندماجية عند هذه المحاولات بل يحاول إرسال طفلته إلى روضة أطفال إسرائيلية لتكتسب كل ما هو إسرائيلي. غير أن مساعيه تذهب أدراج الرياح ولا تتعدى كونها محاولات عقيمة، غير قادرة على اختراق الآراء المسبقة في محيطه الإسرائيلي. ليس هذا فحسب، بل تتسبب في إثارة المزيد من المشاكل له في محيطه العربي. وبذلك يجد أمجد نفسه بين المطرقة والسندان. فالمجتمع العربي ينظر بريبة إلى كل اقتراب من نظيره الإسرائيلي وكأنه انتقال إلى الجبهة المعادية !! أما الإسرائيلي فيجد نفسه غارقا في البلبلة نتيجة محاولة أمجد الاقتراب منه. ويرى كاتب السيناريو سيد قشوع أن «محاولات الترحاب المبالغ فيها من قبل الجيران اليهود ما هي إلا نوع من العنصرية أيضا». واستوحى قشوع المداخلات بين العرب واليهود في إسرائيل من تجربته الشخصية مع إضفاء عنصر المبالغة عليها لتكون ترفيهية وساخرة. وفي حين نجد أن أمجد يسعى للاقتراب من المجتمع الإسرائيلي والتماهي معه، فإن زوجته بشرى (تقوم بدورها الممثلة كلارا خوري، بطلة فيلم العروس السورية) شخصية مستقلة، قائمة بذاتها ومقتنعة بأصالتها العربية وتحظى بتقدير واحترام المشاهد. آراء مسبقة ومواقف متحفظة ولأمجد صديق إسرائيلي يدعى مئير، وهو يعمل مصورا في الصحيفة العبرية التي يعمل فيها أمجد. ويقوم مئير بدور المرشد في توجيه أمجد إلى كيفية الاندماج في المجتمع اليهودي، غير أن النتيجة هزلية ومثيرة للشفقة. ويقع مئير في غرام أمل (تقوم بدورها الممثلة ميرا عواد) صديقة بشرى زوجة أمجد. وتظهر أمل في المسلسل كشخصية متحررة تعمل في جمعية لحقوق المواطن بعد أن عادت من الولاياتالمتحدة حيث كانت تدرس الحقوق. غير أن الآراء المسبقة لدى الجانبين، أمل ومئير، تحول دون تطور العلاقة بينهما إلى قصة حب. وقد أسند المخرج معظم الأدوار إلى ممثلين عرب مشهورين وأكفاء. فإلى جانب الفنانة ميرا عواد (في دور أمل) التي استحوذت على قلوب الجماهير بغنائها في اليوروفيجن مع المغنية الإسرائيلية المشهورة افينوعم نيني، يقوم سليم ضو بدور والد أمجد. وهو مدرس متقاعد قليل الصبر وهمه الأكبر تحقيق الصفقات المربحة، حتى لو كانت على حساب ابنه أحيانا. أبو أمجد يختلف مع أم أمجد، وهي سيدة رزينة وربة بيت وديعة ومتفانية، حول معظم المواضيع، باستثناء محاولات أمجد تقمص شخصية يهودية على حساب أصله العربي. وعشية العرض الجديد للمسلسل، أجرى معهد ملورد براون دراسة شملت 500 إسرائيلي حول مواقفهم تجاه العرب. وأشارت الدراسة إلى أن المواقف تشتد تطرفا كلما تعلق الموضوع بحياة الفرد الخاصة. إذ يعارض 53 بالمائة فكرة انتقال عائلة عربية للسكن في عمارتهم مثلا، بينما يعتقد 50 بالمائة من المشاركين أن العرب يعانون من التمييز في مجالات البنية التحتية وفرص العمل، فيما تؤمن البقية بأن العرب في إسرائيل يتمتعون بحقوق كافية. الكوميديا أفضل من المظاهرات «هذا مسلسل لكل من يريد العيش هنا ومستعد أن يتقبل شيئا من الانتقاد وأن تكون لديه دعابة حقيقية» ؛ بهذه الكلمات وصف سيد قشوع مسلسله. وتقول المشاهدة نادية الحمد إن الكوميديا سلاح مهم في دحض الآراء المسبقة. وتضيف لدويتشه فيله بأن «المسلسل أفضل بكثير من المظاهرات وأتمنى أن نواجه المشاكل المشتركة سوية وأن نتعلم التعايش». أما داني كات الذي يتابع المسلسل أيضا، فيقول لدويتشه فيله إن «اليهود غير مسؤولين عن الوضع الحالي بعد سنوات من الإرهاب والقتل. أنا متأكد أنه لولا هذه الخلفية الدامية لاستطعنا العيش سوية بوئام». وبالرغم من أن التعايش في الواقع يبدو صعب المنال فإنه قد تحقق في الأستوديو. إذ يقول مخرج المسلسل الإسرائيلي شاي كفون «إن أجواء التصوير اتسمت بالمرح وأن العمل مع سيد قشوع مشوق جدا». وإذا كان الصراع العربي الإسرائيلي يلقي بظلاله على فرص اختراق حواجز الآراء المسبقة بين الجانبين، والتي تغذيها المشكلة الفلسطينية بلا شك، فإن النجاح الذي حققه سيد قشوع في هذا المسلسل يبقى مدعاة للتفاؤل.