توّج المشهد التلفزيوني لعام 2008 قناة »ام بي سي« على عرش الفضائيات العربية. ليس لكونها الشاشة رقم واحد في مقاييس المشاهدة فحسب، بل لأنها القناة التي استطاعت ان تطبع العام ب «ظاهرة» أو «موضة» تلفزيونية سارت على خطاها فضائيات كثيرة. والمقصود طبعاً، الدراما التركية التي سال حولها حبر كثير، وأفردت لها مساحات واسعة في المجلات والجرائد، تتراوح بين مرحب ومستهجن. فبينما اعتبرها بعضهم »متعة فنية بصرية ترضي العقل والقلب«، رأى فيها آخرون «خطراً على مجتمعاتنا، وعاملاً حاسماً في إفلاس الدراما العربية». ولم تقف الآراء عند حدود الشارع العربي، بل وصلت الى السياسيين. وهنا أيضاً انقسمت المواقف: تنويه من الجانب التركي - خصوصاً لدور مسلسل »نور« في ارتفاع عدد السياح العرب الوافدين الى تركيا -، تقابله مواقف مستهجنة من بعض النواب العرب الإسلاميين ل »ما يحتويه المسلسل من عادات بعيدة من تقاليدنا«. وإذا كان مهند - بطل مسلسل »نور« - قطف هذا النجاح أكثر من أي شخص آخر، إذ انهالت عليه عروض الاعلانات والفيديو كليبات... بالتالي آلاف الدولارات في البلدان العربية، فإن الأخبار لم تتوقف عن بيوت عربية هُدمت كرمى لعينيه الزرقاوين. فهذا الذي طلّق زوجته بعدما فوجئ بصورة »مهند« تتصدر غرفة نومه بدلاً من صورته، وتلك التي أبدت استياءها من طريقة معاملة زوجها لها مقارنة بما تشاهد من رومانسية في المسلسلات التركية... وذاك الذي أقسم يمين الطلاق بعدما رأى صورة »مهند« على خليوي شريكة حياته... حتى وصل الأمر بأحد الأئمة السوريين للإعلان عن تحمل نفقات العمرة لمن يقاطع من طلابه مسلسلي »نور« و »سنوات الضياع«. فيما اعتبر داعية سعودي أن الحضور الجماهيري الذي حققه هذان المسلسلان يعود إلى افتقار الأسر إلى »المودة والرحمة«... ولأن السعوديين هم الهدف الابرز للفضائيات العربية نظراً لقدرتهم الشرائية الكبيرة، فإن التقرير السنوي الذي يصدره »غوغل« يقدم صورة عملية عن الاهتمامات التلفزيونية لهذا العام، إذ اظهر أن المسلسلين التركيين على «ام بي سي» ( مسلسلا «نور» و «سنوات الضياع» ) أحرزا المرتبة الأولى بين المواضيع التي بحث عنها السعوديون على الشبكة العنكبوتية. لكنّ ظاهرة «نور» لم تكن كل شيء على شاشة 2008. هناك أيضاً أولمبياد بكين الذي استقطب أنظار الملايين. وأيضاً، الانتخابات الرئاسية الاميركية التي جذبت العالم كله في شكل يعدّ سابقة. قد يقول قائل: وما علاقة هذين الحدثين بالمشهد التلفزيوني، فالأول رياضي، والثاني سياسي؟ سؤال مشروع يقابله سؤال آخر: ولكن ألم تصبح الحياة كلها على الشاشة؟ ثم، هل كانت الألعاب الأولمبية لتحقق كل هذه الشعبية والمتابعة لو لم تكن منقولة على الشاشات؟ وهل كانت الانتخابات الرئاسية الأميركية لتثير اهتمام كل هذه الجماهير لو لم يهتم بها التلفزيون الذي لا يزال، بحسب الإحصاءات، في المرتبة الأولى من حيث إيصال المعلومات، متقدماً على الصحف والانترنت. وبلغة الأرقام، يطلّ تقرير نشره موقع technewsworld ليظهر أن نحو 90 في المئة من متابعي الألعاب الأولمبية هم من مشاهدي التلفزيون، بينما تابعها 9.8 في المئة من طريق التلفزيون والإنترنت معاً، فيما اكتفى 0.2 في المئة من المشاهدين بمتابعتها من خلال الانترنت. في السياق ذاته، افادت وسائل الإعلام الاميركية بأن معدل مشاهدة التلفزيون في شبكة »ان بي سي« الاميركية وصل الى اعلاه اثناء نقل اخبار اولمبياد بكين منذ 18 سنة. وأظهرت مؤسسة »نيلسن للبحوث الاعلامية«، ان 34.2 مليون متفرج شاهدوا مراسم الافتتاح، محطمين بذلك الرقم السابق الذي بلغ 27.3 مليون مشاهد لتغطية الشبكة في اولمبياد صيف 2000 في استراليا. ولا تختلف الانتخابات الاميركية عن اولمبياد بكين من حيث نسب المشاهدة، إذ أظهرت الإحصاءات أن انتصار باراك أوباما تابعه عدد قياسي من المشاهدين عبر شاشات التلفزيون على الهواء مباشرة وصل إلى 70 مليون شخص في اميركا فقط. ويمثل هذا الرقم ارتفاعاً كبيراً مقارنة بعدد الذين تابعوا نتائج انتخابات الرئاسة الأميركية التي أجريت عام 2004، إذ بلغ 60 مليوناً، بحسب «مؤسسة نيلسن». وإذا أضفنا صور الموت الآتي من غزة، لا يعود هناك شك في صحة القول ان الحياة صارت أكثر وأكثر على الشاشات؟ وليس هذا جديداً. لكن الجديد هو ان حركة العالم والتاريخ تزداد حضوراً في شكل لا سابق له على التلفزيون، ما يطرح السؤال: اي حدود للعلاقة بين المشاهد وهذا الجهاز الصغير؟