1 الفرق التي تمارس الريگبي معدودة على رؤوس الأصابع في المغرب، وهي في غالبيتها العظمى لا تنتمي لأندية الصفوة (الرجاء، الوداد، الجيش، المغرب الفاسي، الكوكب المراكشي، أولمبيك خريبكة، إلخ)، باستثناء مولودية وجدة التي ظلت محافظة على تقليد الانتماء ل «قبيلة الريگبي»، ومن حين لآخر، أولمبيك آسفي، أما باقي المنتمين لهذه القبيلة فهي فرق يمكن أن نقول عنها إنها«مستقلة»، إلا من دافع الغيرة على هذه الرياضة، علما بأن فرق الريگبي المغربية لا تحظى بالعناية المطلوبة. 2 ما مناسبة هذا الكلام؟ قبل الإجابة عن السؤال، أطرح سؤالا آخر: هل تتوفر تلك الفرق على أقسام صغرى شبان مثلا مناسبة هذا الكلام هو تواجد فريق مولودية وجدة للريگبي في الدارالبيضاء وسط الأسبوع تحديداً فاتح يوليوز لإجراء مقابلة إقصائية لكأس العرش ضد فريق من الدارالبيضاء. الشبان الوجديون انتصروا، فهم ذوو خبرة مقارنة مع غيرهم من الأقران في هذه الرياضة. وماذا بعد؟ قد يقول قائل. 3 بعد انتهاء المقابلة التي لم أحضرها ولا عرفت في أي ملعب أجريت، سيأتي وقت «عتق الروح»، أي تناول وجبة طعام بعد المجهود الذي بذله اللاعبون الريگبيون لمولودية وجدة، وجبة طعام تكون فعلا في مستوى الجهد، وجبة بالمقبلات والمحليات. هذا هو المفروض صحيا .. 4 ساقتني الصدفة الى مطعم يقدم الأكلات المغربية بكل أنواعها في شارع علال بن عبد الله شارع لورلوج في عهد الاستعمار سابقا كان وجودي في المطعم من أجل «عتق الروح» كما نقول في محْكينا اليومي، أي تناول طعام في لحظة جوع. وإذا لم أشاهد مقابلة المولودية الوجدية للريگبي شبان، فإنني شاهدت مقابلة أخرى في الأكل وما بعد الأكل. كيف؟ 5 كان شبان المولودية الوجدية في حالة يرثى لها من العياء الظاهر على سحناتهم. لم يكونوا يرتدون بذلات موحدة تحمل اسم الفريق ونوع الرياضة التي يمارسونها. فهذا يرتدي قميصا لريال مدريد، وهذا قميص يحمل اسم اللاعبين البارصي ميسي، وآخر يرتدي قميص المنتخب الإسباني. هذا اختيار شخصي بالطبع، لأن المشرفين على الفريق، وعلى الأصح المجموعة الإدارية والفنية المرافقة للفريق لم تقدم لهم بديلا، أي قمصانا تحمل اسم فريق مولودية وجدة (الريگبي) باللونين الأخضر والأبيض. 6 قد يسأل سائل: كيف عرفت أن هؤلاء الشبان ينتمون للمولودية الوجدية للركيبي؟ لأن شخصين أو ثلاثة من المرافقين كانوا يرتدون قميصا مكتوب عليه (المولودية الوجدية الريگبي) بغير حروف عربية. كان أفراد الفريق مشتتين هنا وهناك داخل المطعم. كانوا ثلاثة أو أربعة في كل مائدة متحلقين حول صحن (دجاج بالفريتْ). كانوا ينهشون الدجاج من فرط الجوع أولا، ثم لأن رحلة إلى وجدة تنتظرهم في نفس المساء بلاشك بواسطة القطار . 7 لأن الرحلة عبر القطار، وهي طويلة، ولأن هؤلاء الشبان لم يكونوا يتوفرون على مصروف الجيب يخول لهم شراء ما يريدون داخل القطار، فقد قاموا جميعهم بأخذ أنصاف الخبز ودكِّها بما تبقى من الدجاج والفريق تحسباً للجوع داخل القطار. نعم جميعهم بدون استثناء. فقد كانوا فرادى يطلبون من المشرفين على المقهى أن يمكنوهم من أنصاف الخبز وورق ألومنيوم والميكا ليلفوا فيها ساندويتشات «ما بعد الوجبة». 8 هكذا إذن تعامل فرق الشبان التي من المفروض أن توفر لها وجبة محترمة وكاملة (مقبلات في حد أدنى من المنفعة، وجبة رئيسية، زجاجة ماء، محليات، أي الديسير مهما كان نوعه، إلخ)، بل إن المرافقين أنفسهم مثل اللاعبين لجأوا إلى «عملية» ملء أنصاف الخبز بما تبقى من الدجاج والفريت، بالإضافة إلى تناول الحريرة في النهاية. 9 ما معنى ذلك؟ إن الميزانية التي خصصها المسؤولون عن الفريق للقيام بالرحلة الى الدارالبيضاء أقصد ميزانية الأكل والإطعام كانت ضعيفة، بل مختلة، لذلك وهذا ما أتصوره فإن المرافق المكلف بصرفها تعامل معها كما هي. هذا معناه أنه لم يكن مبرمجا فيها تقديم ساندويتشات على متن القطار (أو الساتيام) مساء في اتجاه وجدة. لذلك كان لابد لهؤلاء الشبان من «الديباناج» حتى لا يقضوا الليل جوعاً داخل القطار وصولا صباحاً الى وجدة. وإذن، ألم يكن ممكناً ومحموداً حجز أربع موائد أو خمسة في نفس المطعم أو غيره بطريقة حضارية وتقديم وجبة طعام فردية يتلذذ بها كل لاعب على «گانته» بدل ذلك الصحن الجماعي الذي وضعت فيه دجاجة وافريت لثلاثة أو أربعة لاعبين؟ 10 ما شاهدناه بالصدفة بخصوص تعامل الفرق مع أقسامها الصغرى ما هو إلا مشهد مصغر لما يعانيه لاعبو هذه الفئات (شبان، صغار) في جميع الأندية المغربية، عدا استثناءات، ومع ذلك. وما نقلناه بأمانة هنا لا نقصد به المولودية الوجدية للريگبي، بل عرض نموذج عام لما هو عليه «الاهتمام» بالفئات الصغرى، خاصة في رياضات لا تسمن ولا تغني من جوع، مثل الريگبي، مثل الملاكمة، مثل بعض رياضات فنون الحرب. إن فئات الصغار، الفتيان والشبان هي النافذة التي يجب أن تطل من خلالها الرياضات المغربية على المستقبل. كما أن التعامل الجيد أو السيء مع ممارسي هذه الفئات، سواء في الريگبي أو غيره هو الذي يحدد درجة الفكر المسؤول والتعامل المنصف مع صانعي الفرجة الرياضية، خاصة إذا كانوا من فئات الشبان الذين لا نرضى لهم تعاملا في درجة الصفر تقريباً، مثلما وضعناه بخصوص مولودية وجدة للريگبي.