احتفاء بجزء من ذاكرتنا الثقافية المشتركة ، واستحضارا لعطاءات مبدعينا وإسهامهم في إثراء رصيدنا الابداعي الوطني والعربي، نستعيد، في هذه الزاوية، أسماء مغربية رحلت عنا ماديا وجسديا، لكنها لاتزال تترسخ بيننا كعنوان للإبداعية المغربية، وللكتابة والفن المفتوحين على الحياة والمستقبل. قبل توديعنا، ترك وصية لعائلته بأن يدفنوه جنباً لجنب قبر صديقه ورفيقه في المسيرة الفنية التي دامت أكثر من أربعين سنة: الراحل عبد الرزاق حكم. وإذا زرت اليوم المقبرة القديمة لوداية بالرباط، تجد قبرين ملتصقين لا يفرق بينهما إلا بعض العشب... في الحقيقة، تألم الدغمي كثيراً بعد فقدان عبد الرزاق حكم، وطال ألمه، ولم يكن يستطيع إخفاءه، حسب المقربين، وأثر هذا الرحيل على نفسيته ومعنوياته... العربي الدغمي: أكثر من أربعين عاماً من العطاء، من بيته بديور الجامع، انطلقت شرارة العمل الدؤوب في مجال التلفزة والمسرح والسينما المغربية والدولية. وكانت آخر أعماله شريط «معركة الملوك الثلاثة»للمخرج سهيل بن بركة إلى جانب أكثر من ثلاثين ممثلا من جميع أنحاء المعمور. وقبل ذلك، برهن على علو كعبه في شريط «الرجل الذي يريد أن يصبح ملكاً»، مع شين كونري في أواسط السبعينيات. أما في حقل الإذاعة والتلفزة، فحصيلته تتجاوز 300 عمل إذاعي مع فرقة الإذاعة للتمثيل يديرها عبد الله شقرون، ثم الراحل فريد بن مبارك وإبراهيم الوزاني. امتهن الراحل التعليم قبل ولوج عالم الفن، وكان من الفنانين المحبوبين بصوت متميز تعشق سماعه عبر الأثير. كان رحمه الله مغامراً لا يعرف المستحيل، شأنه في ذلك، شأن صديقه محمد عصفور، وكنتُ أطلق عليه اسم «قاهر الظلام». من أهم مغامراته، إنتاج ملحمة وطنية جمعت ممثلين ومطربين وجوق لتقديم أول سهرة فنية بمناسبة أول عيد العرش بمدينة العيون. كنا نأتي من ديور الجامع إلى مسرح محمد الخامس كل صباح للتداريب في الطابق الثالث، وقبل وصولنا، كنا نعرج على سوق الورد والأزهار بساحة بلاص بيتري لاقتناء الورود، وما كادت عقارب الساعة تشير الى العاشرة صباحاً، حتى يكون الطابق الثالث مليئاً بكل المشاركين في الملحمة. وما كنت أجهله هو أن المرحوم الدغمي رهن بيته الذي يقطنه بديور الجامع من أجل توفير كل شروط الإنتاج للعمل. أتذكر أنه قال لي بالحرف: باسطوف! لابد من الرحلة إلى العيون! وهكذا كان، وقدمنا الملحمة بنجاح، وإلى الرباط عدنا. وتوقفت المغامرة. ومرة ثانية، قال لي: «باسطوف! خذ هاد البركة، وعنداك تغامر بحالي! حنا ما عمّرنا نكونو سماسرية على حساب الفن». الحاج العربي الدغمي يا سادة، يا كرام، فنان قلَّ أن يجود به الزمان، أحببته، وتبعت طريقه، والحمد لله، كلما سمحت لي الظروف، أقصد قبره، وأترحّم عليه خصوصاً في المناسبات الدينية. كان الراحل وقوراً في مشيته، رزينا وخفيف الظل، وكان معروفاً بأناقته ورشاقته. لم يكن يحب النميمة في الزملاء، وكان فاعل خير دون أن ينتظر الرد. كان رائعاً في دور «ميمون الهجّام» في الأزلية الحسنة الذكر، وكان متألقاً في جميع الأدوار التي تقمّصها في الفن السابع. ومن أعز أصدقائه إلى جانب الراحل عبد الرزاق حكم، هناك حمادي التونسي الذي أبدع معه في تمثيلية «البسطيلة ولمحينشة» التي أضحكت المشاهدين وقتها، وحميدو بن مسعود، وحبيبة المذكوري، وجميلة شقرون، وبديعة ريان، والمرحوم محمد البصري، والهاشمي بنعمر، وطبعاً مصطفى منير صاحب هذه الكلمة المتواضعة في حقه. هذه الزاوية يعدها الزميل حسن نرايس