قالت وزارة الدفاع الامريكية (البنتاجون) ان تحديد حجم الضرر الذي ألحقه تسريب ويكيليكس لوثائق عسكرية عن الحرب في أفغانستان بالامن القومي الامريكي قد يستغرق أسابيع، لكن معرفة تأثير ما حدث على طريقة الحصول على الاخبار لا يستغرق سوى دقائق. ونشرت ويكيليكس على موقعها الالكتروني حوالي91 ألف وثيقة لكنها أرسلتها أولا الى صحيفتي نيويورك تايمز الامريكية والجارديان البريطانية ومجلة دير شبيغل الالمانية لتضمن أن تحظى بالانتباه والانتشار الكبير. ويؤكد ما حدث أن شبكة الانترنت والاعلام الاجتماعي يعطيان جماعات لم تكن موجودة قبل عدة سنوات أدوارا رئيسية في الصحافة، وأن المنافذ الاعلامية المعروفة مازالت تلعب دورا في تحليل ونشر الاخبار. كما يظهر أن الاسماء المعروفة لهذه المنافذ الاعلامية وعلى الرغم من خفوت بريقها في عصر الانترنت، يمكنها أن تضخم الاهمية الملحوظة للحدث وفقا لطريقة تغطيتها له. والسؤال هو : هل يمكن اعتبار ما قامت به ويكيليكس عملا صحفيا؟ اختبرت مرونة تعريف الصحافة حين نشرت منظمات الاخبار على المدونات وعلى موقع تويتر للتدوين المصغر في وقت يتحدى فيه الانترنت المنافذ الاعلامية التقليدية ويخفف من قبضتها على من ينشر الخبر. وقال بول شتايجر رئيس تحرير موقع «بروبوبليكا» المتخصص في الصحافة الاستقصائية ومدير التحرير السابق لوول ستريت جورنال « لا أعرف ماذا تسمون ما فعلته ويكيليكس ولا أقصد بذلك أي حط من قدرها.. انها ظاهرة جديدة.» وبينما تتبع الصحف مثل نيويورك تايمز ارشادات صحفية من قديم الزمن « لنشر كل الاخبار الصالحة للنشر» ونقل الاخبار «دون خوف ولا محاباة» فان جوليان أسانج مؤسس ويكيليكس قال لدير شبيغل « أستمتع بمساعدة الضعفاء وأتلذذ بسحق الاوغاد.» : ونشرت ويكيليكس آلاف الوثائق من مصادر تقول انها تكشف الفساد في الشركات والحكومة. وبتت على الانترنت شريط فيديو لهجوم شنته طائرة هليكوبتر أمريكية في العراق عام2007 وأسفر عن مقتل 12 شخصا بينهم صحفيان من رويترز. وتعلن ويكيليكس رأيها على الموضوع وتصف الهجوم الذي عرضه الشريط بأنه « جريمة قتل غير مباشر.» وتعرضت ويكيليكس بسبب الفيديو لحجم انتقادات يماثل ما تعرض له الجيش الامريكي بسبب الهجوم. واتهم بعض المنتقدين ويكيليكس بانتقاء المادة التحريرية لدعم وجهة نظرها لكن المنافذ الاعلامية التقليدية تتعرض لانتقادات مماثلة منذ مئات السنين. وفي واقعة التسريب الاخيرة جذبت ويكيليكس انتباها كبيرا لوثائق الحرب في أفغانستان عن طريق قصر توزيعها الاولي على المنافذ الاخبارية التقليدية المشهورة على مستوى العالم في مجال الصحافة والتي تحظى بثقة دولية. وضمنت ويكيليكس بقرارها نشر الوثائق أن تحدث تأثيرا عالميا حتى وان كان بعض المراقبين قالوا انها لا تحتوي على كثير من المعلومات. ففي غضون دقائق من نشرها على شبكة الانترنت ظهرت موضوعات ذات صلة على تويتر وبدأت المناقشات على المدونات وتناقلت المواقع الاخبارية التقارير. وقال أسانج النحيف البالغ من العمر39 عاما في مؤتمر صحفي بلندن أول أمس « كلما زادت أهمية الخبر المسرب وحجمه كلما قلت فرص تناقله بالشكل الملائم اذا نشر مرة واحدة للجميع.» وأرسلت ويكيليكس المادة الى الصحف قبل شهر من نشرها لتعطيها وقتا لدراسة الوثائق. ولا يملك أسانج بيتا ويقول انه يقيم عند أصدقائه حول العالم. وأضاف أن شبكته تضم 800 متطوع يعملون بدوام جزئي وعشرة الاف مؤيد. وذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن ويكيليكس تعتمد على أجهزة خوادم في العديد من الدول التي توفر قوانينها المزيد من الحماية للتسريبات. وتشير صفحة ويكيليكس على موقع تويتر الى أن موقعها هو « كل مكان.» وأفاد مقال نشر في يونيو بصحيفة ذا نيويوركر بأن أسانج الاسترالي وزملاءه يستخدمون اتصالات مشفرة وهناك اشتباه في وجود مراقبة. وبشكل ما تطيح ويكيليكس بالافكار التقليدية لنقل الخبر الصحفي. واستخدام شبكة من الاشخاص العاديين للحصول على الاخبار هو ما يطلق عليه خبراء الصحافة اسم « صحافة المواطنة» وتعني استخدام العديد من الاشخاص لمعرفة الامور بدلا من الاعتماد على الصحفي الاستقصائي وحده. واستخدمت ويكيليكس شبكتها لفرز الوثائق لكنها تركت مهمة التأكد من الحقائق لصحفيتي نيويورك تايمز والجارديان ومجلة دير شبيجل على اعتبار أنها أختام موافقة معترف بها لجودة المعلومة. وهذا النوع من التعاون لم يحدث قبل عصر الانترنت أو حدث نادرا. وقال ادوارد واسرمان وهو أستاذ في أخلاقيات الاعلام في واشنطن وجامعة لي في لكسينجتون بولاية فرجينيا « لو كانوا (ويكيليكس) نشروا كل المادة التي لديهم ببساطة لاتهموا بالاستهتار الشديد... ولفشلوا في تحقيق هذا القدر من الشهرة والرواج.». رويترز