يرصد البروفيسور›جون بيير فيليو›،هذا الكتاب مراحل متعددة عاشها تنظيم القاعدة على مر عقدين من الزمن. فقبل وقوع أحداث الحادي عشر من شتنبر 2001، كان تنظيم بن لادن يبني نفسه في المرتفعات الأفغانية، مواصلا ما تم إنجازه في السودان. كما استفاد بشكل كبير من الدعم والتأييد الذي لقيه من لدن أفراد حركة طالبان، مما جعله يتبوأ مكانة متقدمة على مستوى التنظيمات الجهادية في العالم، إن لم نقل إنه استفرد بالمقدمة، وتمكن من استقطاب باقي التنظيمات وضمها إلى صفوفه. ورغم اتساع رقعة نشاط القاعدة، التي امتدت من آسيا وأوربا إلى أمريكا وإفريقيا، إلا أن الملاحظ في الفترة الأخيرة تعرضه لضربات موجعة، أثرت بشكل كبير على مكانته في البلاد العربية. ولقد اعتمد واضع هذا الكتاب على العديد من المصادر سعيا منه لاستيضاح الخيارات الاستراتيجية التي كانت وراء نجاحه في فترة الفترات، كما يضعنا أمام الفرضيات الممكنة لنهاية محتملة قد لا تضع، رغم ذلك، نهاية للخطر الإرهابي في العالم. في الرابع من فبراير 1994، شنت مجموعة مسلحة هجوما على المسجد الذي تؤمه أكبر جالية سعودية في السودان، بضواحي العاصمة الخرطوم. وأسفرت العملية، التي قادها الجهادي السابق ببيشاوار والحامل للجنسية الليبية محمد الخليفي، عن مقتل حوالي عشرين شخصا. تتميز شخصية الخليفي بالعنف وعدم الاتزان، حتى أنه وجه اتهاما للمقاتلين في أفغانستان بأنهم خانوا الإسلام زأصبحوا من «الكفار». لذلك كانت مواقفه تتجه كلها إلى أقصى حدود التكفير، معتمدا في ذلك على موقف أيمن الظواهري الذي يبيح بالتكفير دم كل من اتهم بذلك. لكن الخليفي حمل هذا السلاح حتى في وجه الجهاديين، وكانت البداية بالسعوديين، حيث تمت مهاجمة مكاتب أمير القاعدة. ورغم أن بن لادن تمكنا من الرد على الهجوم وقتل المهاجمين وأسر بعضهم، لكنه أصيب بالصدمة في كان يعتقد فيه أنه وجد الحماية في السودان، فإذا به يتعرض للهجوم فوق تلك الأرض. حينها اتهم بن لادن الاستخبارات المصرية بالوقوف وراء ما حدث، معتبرا ذلك الهجوم محاولة لاغتياله. ومن جهته، استغل أيمن الظواهري الفرصة، وقام بتعيين علي محمد، الذي يخلص له، مكلفا بالأمن الشخصي لقائد تنظيم القاعدة. وما زادت هذه الخطوة إلا من الإجراءات الصارمة التي يعتمها التنظيم في كل تحركاته. وفضلت القاعدة العودة إلى نواتها الأولى من الجهاديين، سيما السعوديين والمصريين، وأصبحوا يناولون تعويضات أفضل من باقي العناصر عربية كانت أم لا. وعلى صعيد آخر، كانت السلطات السعودية تحاول بكل قوة التقليص من حجم تنظيم القاعدة، حتى أنها قررت تجميد حصص أسامة من أملاك عائلة بن لادن. كما أن والدته، وعمه وأحد إخوته الصغار زاروا كلهم الخرطوم تباعا في محاولة لإقناعه بالتراجع وطلب العفو من السلطات السعودية من أجل العودة إلى البلد. غير أن أمير القاعدة ظل مصرا على موقفه، مما أصاب أهله بخيبة أمل كبيرة. وفي العشرين من فبراير 1994، أي بعد أسبوعين منم هجوم الخليفي، سيعلن بكر بن لادن عن إدانة عائلة بن لادن الشديدة لكل تصرفات أسامة. ولم يمض وقت طويل حتى تم إسقاط الجنسية السعودية عن أمير القاعدة. وهناك سينتقد الأسرة الحاكمة في بلده، كما سيكلف أحد رجال الثقة في تنظيمه، خالد الفواز بشن حملة شعبية ضد النظام السعودي من خلال إحداث «لجنة الرأي والإصلاح». ومن هناك انتقل الفواز إلى كينيا ثم إلى لندن. كان الشيخ الأردني أبو قتادة والشيخ السوري أبو بصير الطرطوسي قد فرا من المضايقات الأمنية في بلديهما، وانتقلا إلى بريطانيا من اجل تطوير نظريتهما الثورية التي ظلت تستقطب المزيد والمزيد من المؤيدين. وأضحت بعض المساجد البريطانية المعروفة بتوجهها المتطرف ملاذا للجهاديين الثوريين، الذين كانوا يتشكلون من العرب وجنسيات أخرى قادمة من جنوب آسيا. ظلت بريطانيا متساهلة مع نمو الحركات الإسلامية على أراضيها، حيث ظلت مركزة اهتمامها على التهديد الإرهابي الذي كانت تشكله إيرلندا الشمالية. وفي تلك الأجواء، التقى خالد الفواز بأبي مصعب السوري، المؤطر السابق بمعسكرات القاعدة في أفغانستان، والكلف بالدعاية للجهاديين الجزائريين. وهناك سيعمل الفواز، ممثل بن لادن في لندن بجمع المشورة والآراء من المحيطين به ثم إنشاء شبكة قوية من أجل نشر الأخبار والتأثير على الأشخاص. كما أن التصريحات النارية التي أطلقها بن لادن ضد النظام السعودي جاءت متوجة لكل الوثائق التي تصدرها «لجنة الرأي والإصلاح». ظل بن لادن يعاني من الحصار والمقاطعة، لذلك لم يجد أفضل من فتح أبواب الجهاد في كل مناطق العالم دون أن يضع حدودا لذلك، والأكيد أن أراضي «لندنستان» توفر له الأرضية المناسبة لتطوير أفكاره ونشرها وترسيخ تلك الكراهية الموجهة للرياض.