يرصد البروفيسور›جون بيير فيليو›،هذا الكتاب مراحل متعددة عاشها تنظيم القاعدة على مر عقدين من الزمن. فقبل وقوع أحداث الحادي عشر من شتنبر 2001، كان تنظيم بن لادن يبني نفسه في المرتفعات الأفغانية، مواصلا ما تم إنجازه في السودان. كما استفاد بشكل كبير من الدعم والتأييد الذي لقيه من لدن أفراد حركة طالبان، مما جعله يتبوأ مكانة متقدمة على مستوى التنظيمات الجهادية في العالم، إن لم نقل إنه استفرد بالمقدمة، وتمكن من استقطاب باقي التنظيمات وضمها إلى صفوفه. ورغم اتساع رقعة نشاط القاعدة، التي امتدت من آسيا وأوربا إلى أمريكا وإفريقيا، إلا أن الملاحظ في الفترة الأخيرة تعرضه لضربات موجعة، أثرت بشكل كبير على مكانته في البلاد العربية. ولقد اعتمد واضع هذا الكتاب على العديد من المصادر سعيا منه لاستيضاح الخيارات الاستراتيجية التي كانت وراء نجاحه في فترة الفترات، كما يضعنا أمام الفرضيات الممكنة لنهاية محتملة قد لا تضع، رغم ذلك، نهاية للخطر الإرهابي في العالم. جاء عبد الله عزام بتصور جديد للجهاد، إذ جعل مما كان واجبا جماعيا فرض عين، بل أكثر من ذلك، فقد قرر قطع تلك العلاقة التاريخية التي تربط بين شعب وأرض ومبدأ الجهاد. كما اعتبر العالم بأسره مسرحا يمكن أن يحتضن أنشطة الجهاد. أما شاه مسعود، فقد ظل يشكل أحد الرموز التي تركت بصمتها في مسار المقاومة الأفغانية سيما في إقليم بانشير، بعيدا عن بيشاوار، حيث كان تحاك بعض المؤامرات. ولقد حافظ عزام على علاقات طيبة مع مسعود، عبر أنس. لكن النزاعات بين مختلف الطوائف الأفغانية بدأت تطفو إلى السطح مع ظهور ملامح الانسحاب السوفياتي من المنطقة. غير أن النزاع الأكبر اقتصر في النهاية بين شاه مسعود وحكمتيار. وسيدخل أيمن الظواهري في خضم هذا الصراع بتوجيهه الاتهام إلى شاه مسعود بأنه «عميل للفرنسيين». وسيعمل هذا المثقف الفرنسي على التقرب أكثر من أسامة بن لادن من أجل إبعاد عبد الله عزام. وستؤثر هذه الصراعات على سير عمل «مكتب الخدمات»، حيث لم تعد الأجواء صافية بين مؤسسي هذا المكتب،عزام وبن لادن الذي يتميز بسلطة أكبر على اعتبار تحكمه المباشر في الأموال القادمة من السعودية. ولم يمض وقت طويل حتى أصدر بن لادن عريضة يعبر فيها عن معارضته لشاه مسعود، بمبادرة من أيمن الظواهري، مما شكل أول إعلان أمام العلن عن تخليه عن الشخص الذي كان يؤيده منذ البداية. ولقد انعكس هذا الخلاف بين القادة حتى على المتطوعين العرب، فوقع شرخ بين مؤيدين للانضمام للمقاومة الأفغانية ودعاة المقاطعة. كان موقف عزام رافضا لفكرة الحديث عن وجود كيان عربي على حدة وسط المجاهدين، في حين ظل بن لادن يؤيد مبدأ وجود رمزي لقوات عربية مستقلة. ولذلك أخذ بن لادن تلك المجموعة العربية، المتشكلة أساسا من السعوديين والمصريين، إلى منطقة «جاجي»، ونصب نفسه أميرا عليها، واختار الكولونيل العراقي السابق، ممدوح محمود سالم (المعروف عسكريا بلقب أبو هاجر العراقي)، مساعدا له، وأتم هاته التشكيلة العسكرية بضم مصريين كانا في السابق يعملان في أسلاك الشرطة، وكانت تربطهما علاقة بأيمن الظواهري، ويتعلق الأمر بكل من: أمين علي الراشدي (الملقب بأبي عبيدة البانشيري) ومحمد عاطف (الملقب بأبي حفص المصري). كان الظواهري يرى في الاستقلالية على مستوى العمليات العسكرية وسيلة لإبراز الخصوصية العربية على ساحة الجهاد وليؤكد على الحضور العربي في مواجهة الحركات الأفغانية. وبعبارة أخرى، فهو يسعى لتشكيل نخبة من المقاتلين، في انتظار خوض مواجهات أخرى مستقبلا تتجاوز الحدود الأفغانية. كان سيد إمام الشريف (الملقب بالدكتور فاضل) قد حل ببيشاوار قبل أيمن الظواهري، وعمل على إعادة تشكيل الجهاد الإسلامي المصري، معتمدا في ذلك على مبدأ التكفير. وعمل الدكتور فاضل على جعل معسكرات التدريب هناك «نموذجا مصغرا للجهاد الإسلامي الجماعي، لأن ما القواعد الدينية التي تسري داخل المعسكرات يمكن أن يتم تطبيقها في المجتمع الإسلامي»، حيث اجتمعت العوامل المساعدة على ذلك، التجهيزات والتداريب العسكرية، ثم الفكر الإيديولوجي القائم على الجهاد والثورة. وبالتالي إعداد المقاتلين لمواجهة «الكفار» و»الخونة». سيتعمق الخلاف بين بن لادن وأبو عزام عندما أعلن السوفيات عن انسحاب وشيك في أبريل 1988. وذلك ما سيعجل بوقف نشاط مكتب الخدمات المكلف باستقدام المتطوعين العرب. وهناك شجع أيمن الظواهري بن لادن على إنشاء تنظيم خاص به، مستوحيا فكرة إقامتهم «قاعدة عسكرية» لذلك التنظيم في منطقة ‹جاجي›، فتم اختيار تسمية «القاعدة» لذلك التنظيم.