يرصد البروفيسور›جون بيير فيليو›،هذا الكتاب مراحل متعددة عاشها تنظيم القاعدة على مر عقدين من الزمن. فقبل وقوع أحداث الحادي عشر من شتنبر 2001، كان تنظيم بن لادن يبني نفسه في المرتفعات الأفغانية، مواصلا ما تم إنجازه في السودان. كما استفاد بشكل كبير من الدعم والتأييد الذي لقيه من لدن أفراد حركة طالبان، مما جعله يتبوأ مكانة متقدمة على مستوى التنظيمات الجهادية في العالم، إن لم نقل إنه استفرد بالمقدمة، وتمكن من استقطاب باقي التنظيمات وضمها إلى صفوفه. ورغم اتساع رقعة نشاط القاعدة، التي امتدت من آسيا وأوربا إلى أمريكا وإفريقيا، إلا أن الملاحظ في الفترة الأخيرة تعرضه لضربات موجعة، أثرت بشكل كبير على مكانته في البلاد العربية. ولقد اعتمد واضع هذا الكتاب على العديد من المصادر سعيا منه لاستيضاح الخيارات الاستراتيجية التي كانت وراء نجاحه في فترة الفترات، كما يضعنا أمام الفرضيات الممكنة لنهاية محتملة قد لا تضع، رغم ذلك، نهاية للخطر الإرهابي في العالم. بعد أن استقر عبد الله عزام وأسامة بن لادن بمدينة بيشاوار الباكستانية في أكتوبر 1984، لاحظ الرجلان أن فقط بضع عشرات من المتطوعين العرب استجابوا للدعوات الموجهة للمشاركة في الجهاد ضد القوات السوفياتية بأفغانستان. وهناك خطرت لهما فكرة إنشاء مكتب يحمل اسم «مكتب الخدمات»، يتكفل بإيصال الأموال والمتطوعين إلى مختلف المحافظات الباكستانية المتواجدة على الخط الحدودي، قبل تمهيد الطريق لهم للعبور إلى مسرح الأحداث في أفغانستان. ولقد حدد عبد الله عزام التوجه الإيديولوجي الذي يعتمده مكتب الخدمات عب صفحات مجلة «الجهاد» التي توزع على مستوى خمسين بلد. كما أن الولاياتالمتحدة أضحت مجالا واسعا لنشاط المكتب بعد أن تم فتح عدة تمثيليات له في مختلف الولايات. ومن جهته، تكلف أسامة بن لادن بالجانب التمويلي للتنظيم، حيث تولى مسؤولية استقبال أسر المتطوعين العرب، مستفيدا في ذلك من الدعم الذي تقدمه له مصالح الاستخبارات السعودية وكرم الشيوخ في الخليج العربي. كما ساهمت الكاريزما التي يتمتع بها عبد الله عزام بين أتباعه باعتباره «إمام الجهاد»، كما يلقب بذلك، في إنجاح حملات بن لادن لجمع الأموال واستقطاب الدعم خاصة على مستوى شبه الجزيرة العربية. ساهم هذا النفوذ الكبير الذي أصبح يتمتع به «مكتب الخدمات» في المنطقة في تهميش دور تنظيم الإخوان المسلمين، الذي يرفض تقديم الدعم العسكري للجهاد الأفغاني. كما أن أسامة بن لادن لم يعد بحاجة إلى هذا التنظيم من اجل تعزيز شبكته في المنطقة، بل أصبح يمثل رمزا لمثلث الربط بين العرب، باكستانوأفغانستان. وفي حدود سنة 1984، سيظهر اسم آخر قادم هذه المرة من الجزائر، ويتعلق الأمر بالناشط الإسلامي عبد الله أنس (اسمه الحقيقي بوجمعة بونوا)، حيث سيعبر عن تأييده لفتاوى أبو عزام التي تؤكد على أن الجهاد فرض عين. سينضم عبد الله أنس إلى مكتب الخدمات بباكستان سنة 1984، وسيتكفل بالخصوص بإنجاز مهام داخل الأراضي الأفغانية، بل وأضحى عنصرا مقربا من القائد شاه مسعود، الذي كان يفرض سيطرته على منطقة ‹بانشير› رغم الحملات المتكررة التي كان يشنها ضده الجيش الأحمر السوفياتي. ولقد كان شاه مسعود بطلا حقيقيا في تلك الحرب، رغم أنه ينحدر من أصول تادجيكية، إلا أن الاستخبارات الباكستانية ظلت تتعامل معه بنوع من الحذر والتوجس. وسرعان ما كسب أنس ثقة عبد الله عزام، وتعززت تلك العلاقة بعلاقة مصاهرة، بعد أن تزوج عزام من إحدى بنات أنس. لم يكد يمر عام على إحداث مكتب الخدمات، حتى التحق مئات المتطوعين العرب بمدينة بيشاوار. وما أن يتم استقبالهم، حتى يتم إلحاقهم بمعسكرات يشرف عليها عبد الرسول سياف أو غلب الدين حكمتيار، اللذان يقودان الحزب الإسلامي. وفي تلك الفترة سينتقل أيمن لظواهري إلى باكستان، حيث سيلتقي أسامة بن لادن، غير أنه سيرفض تقديم الولاء لعبد الله عزام كإمام للجهاد. كان الظواهري متخوفا من الجانب الأمني، ولم يمض وقت طويل على مقامه في باكستان حتى وجه الاتهام إلى أنس وباقي المتطوعين الجزائريين بكونهم عناصر عميلة أرسلها جهاز الاستخبارات الجزائري للتجسس عليهم. وستكون سنة 1986 حاسمة في تاريخ أفغانستان، حيث سيتخذ ميخائيل غورباتشوف قرارا يتعلق بانسحاب القوات السوفياتية من أفغانستان، بهدف التركيز على أمور البلد وتعزيز الإصلاحات التي باشرها، حيث تزامن ذلك مع تأكيد الرئيس الأمريكي رونالد ريغن عن تقديم أمريكا لصواريخ «ستينغر» للمقاومة الأفغانية، مما يشكل عاملا حاسما في التصدي للقوات الجوية السوفياتية. وفي نفس الوقت، عرف مكتب الخدمات الذي يقوده الثنائي بن لادن وعزام تطورا كبيرا إذ أضحى يستقبل المئات، بل الآلاف من المتطوعين العرب، وبلغ ذلك الرقم ما بين سنتي 1987 و1989 حوالي ثلاثة أو خمسة آلاف متطوع عربي، لكن عشرهم فقط كانوا يتمكنون من الالتحاق بمسرح العمليات داخل الأراضي الأفغانية. جون بيير فيليو