يرصد البروفيسور›جون بيير فيليو›،هذا الكتاب مراحل متعددة عاشها تنظيم القاعدة على مر عقدين من الزمن. فقبل وقوع أحداث الحادي عشر من شتنبر 2001، كان تنظيم بن لادن يبني نفسه في المرتفعات الأفغانية، مواصلا ما تم إنجازه في السودان. كما استفاد بشكل كبير من الدعم والتأييد الذي لقيه من لدن أفراد حركة طالبان، مما جعله يتبوأ مكانة متقدمة على مستوى التنظيمات الجهادية في العالم، إن لم نقل إنه استفرد بالمقدمة، وتمكن من استقطاب باقي التنظيمات وضمها إلى صفوفه. ورغم اتساع رقعة نشاط القاعدة، التي امتدت من آسيا وأوربا إلى أمريكا وإفريقيا، إلا أن الملاحظ في الفترة الأخيرة تعرضه لضربات موجعة، أثرت بشكل كبير على مكانته في البلاد العربية. ولقد اعتمد واضع هذا الكتاب على العديد من المصادر سعيا منه لاستيضاح الخيارات الاستراتيجية التي كانت وراء نجاحه في فترة الفترات، كما يضعنا أمام الفرضيات الممكنة لنهاية محتملة قد لا تضع، رغم ذلك، نهاية للخطر الإرهابي في العالم. سيعود بن لادن إلى بيشاوار بباكستان بعد قضائه عاما ونصف في السعودية، غير أن هذه العودة جعلته يشعر بالغربة في المكان الذي شهد على أولى خطواته في عالم الجهاد، إذ لم تعد علاقته بغلب الدين حكمتيار متميزة كما في السابق بسبب دعم حكمتيار للغزو العراقي للكويت. كما أن المتطوعين السعوديين واليمنيين كانوا قد غادروا باكستان، ونفس الشيء بالنسبة «للكتيبة» الجزائرية، في ظل انخراط الجبهة الإسلامية للإنقاذ الحراك السياسي الذي عرفته الجزائر خلال التسعينات بعد أن تم الاعتراف بالجبهة كحزب سياسي ودخولها الانتخابات البلدية والتشريعية في بداية التسعينات من القرن الماضي. وتبعا لذلك، ظلت الفئة العربية التي بقيت في بيشاوارا تحت هيمنة المتشددين المصرين، حيث كانت بصمات أيمن الظواهري بادية بوضوح، حتى أنه عمل على نشر إيديولوجيته الخاصة والتي تقول بضرورة الجهاد حتى في أراضي المسلمين ضد «الحكام المرتدين» كما هو الحال في «بلاد الكفار». تم إعداد معسكر التداريب العسكرية الذي يحمل اسم «فاروق» في محافظة «خوست» الأفغانية، غير بعيد عن الحدود مع باكستان. وكان الملتحقوقن الجدد يخضعون للتكوين على يد جهادي مصري يدعى علي محمد، العنصر السابق ضمن القوات الخاصة الأمريكية، لذلك كان يطلق عليه لقب «أبو محمد الأمريكي». أما المجهودات التي طالما بذلها أيمن الظواهري من أجل زرع عناصر داخل صفوف أجهزة الأمن أعطت ثمارها، وهذه المرة ليس فقط في مصر. وكان هناك شخص آخر يعمل على تأطير المجاهدين في المعسكر، يدعى مصطفى ستماريان نصار. حيث اختص هذا الخبير السوري ذو الشخصية القوية، المكون في العراق والمعروف بلقب أبو مصعب السوري، في التعامل مع المتفجرات. في حدود شهر يوينو 1989، تولى الجنرال عمر البشير الحكم في السودان، ملغيا التعددية السياسية والنقابية، غير أن الوجه النافذ في الساحة السودانية لم يكن سوى حسن الترابي، الإيديولوجي الخطير والمناور المحنك. تخرج الترابي من جامعة لندن ثم جامعة السوربون، وعمل على إدارة فرع تنظيم «الإخوان المسلمين» في السودان، قبل أن يوسع مطامحه إلى فضاء أوسع يعطي الأولوية للطابع الكوني للحركة الإسلامية، حيث رأى في ذلك سبيلا لإخراج السودان من عزلتها الجيوسياسية. وبعد التدخل الأمريكي في الخليج سنة 1990، سينظم الترابي في أبريل 1991 «المؤتمر الشعبي العربي والإسلامي»، الذي انضم إليه السنة والشيعة، واعتبر ذلك بديلا لمنظمة المؤتمر الإسلامي. وحينها رحب بن لادن بالتنديد السوداني بنشر قوات «الكفار» في السعودية. وعندما تلقى دعوة من الترابي للقدوم إلى السودان، لم يصخب معه أيا من حرسه، لذلك تكلف بذلك أحد التنظيم السودانيين، الذي كان قد تم تجنيده من خلال «مكتب الخدمات»، ويدعى علي محمد. وما أن استقر بن لادن بالسودان، حتى انخرط في مشاريع اقتصادية. وهناك سمع بسقوط النظام الشيوعي بكابول أبريل 1992، وهو الأمر الذي حفز حوالي خمسمائة من المجاهدين الأجانب على الانتقال من باكستان إلى السودان، علما أن وجود القاعدة بأفغانستان ظل محدودا ولا يتجاوز معسكر فاروق على الحدود مع باكستان. وخلال السنوات الأربع التالية، أضحت الخرطوم تشكل مركزا لتنظيم القاعدة. ورغم أن بن لادن ظل محافظا على صمته، إلى أن أيمن الظواهري سرعان ما شرع في التعبير علنا عن إيديولوجيته في ما يتعلق بمجموعة من القضايا والمناطق بما في ذلك البوسنة والهرسك، الولاياتالمتحدة، الفيليبين، الأرجنتين. وعمل بذلك على تهميش دور الدكتور فاضل الذي انتقل ليستقر في اليمن، متخليا عن دوره القيادي في تنظيم الجهاد الإسلامي بمصر. وبذلك، ظلت قيادة الفرع العسكري لتنظيم القاعدة موكلة لأبي عبيدة البنشيري، يساعده في ذلك محمد عاطف، المعروف بلقب أبي حفص المصري. وكلاهما كانا عنصرين ضمن الأمن المصري، والتحقا ببن لادن في الخرطوم.