سافرت منذ يومين إلى باريس، في رحلة علاج دقيقة، الشاعرة المغربية الأخت عائشة البصري، رفقة زوجها الشاعر حسن نجمي، وذلك بعد الوعكة الصحية الخطيرة التي كانت قد تعرضت لها منذ أسابيع بالرباط، التي تطلبت دخولها إلى إحدى المصحات لأيام. بعد التحاليل الأولية تبين أن الأمر يتعلق بمشاكل في القلب والرئة والدورة الدموية، تتطلب تدقيقا للحالة التي وصفت بالمقلقة، خاصة وأن الأخت عائشة كانت حينها قد دخلت في غيبوبة. الشاعرة الصديقة عائشة البصري، التي صدر لها مؤخرا ديوان شعري جديد، بالعاصمة السورية دمشق، عن دار منشورات «ورد»، تحت عنوان «خلوة الطير»، تعتبر خلال العشر سنوات الأخيرة، من أهم أصواتنا الشعرية النسائية بالمغرب. حيث إنها تمارس شغبها الشعري، من خلال قاموس صور وتراكيب، تغرف من موروث تجربتها الإنسانية الغنية، في امتداد سهول قبائل أمزاب وعاصمتها مدينة «بن أحمد»، وكذا رحلتها الطويلة ضمن مسار التجربة الصحفية لمدرسة «الإتحاد الإشتراكي»، فهي لم تكن فقط زوجة للأخ الشاعر حسن نجمي، بل ظلت دوما رفيقة طريق، تغوص في كل أسئلة قلقنا المهني، وكذا في تلاطمات أسئلة الإبداع الشعري والأدبي المغربي. عائشة البصري، قوتها الأدبية في أنها لم تقلد أحدا، حتى وإن كان من هامة رفيق حياتها الشاعر حسن نجمي، بل إنها أغنت التجربة الأدبية للعائلة (حتى ابنتهما البكر ريم نجمي، المقيمة بألمانيا، ابتليت بذات الحرقة ولها صوتها الشعري الخاص، الذي كانت باكورته ديوانها الأول «أزرق سماوي»)، بل إنه أساسا، من خلال ذلك، تشكل نصوصها إغناء للمشهد الشعري المغربي. وتكفي العودة إلى نصوصها الشعرية التي تواترت من خلال دواوينها الأخيرة، خاصة «صديقي الخريف»، و «خلوة الطير» وكل نصوصها ودواوينها السابقة التي ترجمت إلى العديد من اللغات (الإيطالية، الإسبانية، السويدية، الإنجليزية، الفرنسية والتركية)، لتلمس مدى طراوة صوتها الشعري وتمايزه وإضافته النوعية. إذا القلق حقيقيا على وضعها الصحي، الذي نثق أنها ستتجاوزه بذات القوة التي كانت لها حين انتصرت على مرض آخر كانت قد أصيبت به خلال العقد الماضي، وشفيت منه ولله الحمد، فإن الأكيد أن روحها الشعرية لن نقلق عليها قط، كونها خزانها الهائل الذي به تشحذ أسباب المقاومة لتحدي أعطاب الحياة. أكيد أنها بذات ابتسامتها المنطلقة، ستعود عائشة البصري من رحلة علاجها الباريسية، كي تكمل قصيدتها التي تكتبها منذ أكثر من ثلاثين سنة مع رفيق حياتها الشاعر حسن نجمي، قصيدة الحياة، الأجمل والأبقى، سلوكا مثاليا لزوجين أديبين وشاعرين هائلين في فعلهما الإنساني البكر، الصادق. في أحد حواراتها الصحفية الأخيرة بمناسبة صدور ديوانها «صديقي الخريف»، تقول عائشة البصرى: «منذ شهور جلست الى مكتبي لأرسم خريفي، وبما أن خريفي كان معطاء ومتوهجا فقد قررت أن أعطي لونا ذهبيا ولما لا أخضر لهذا الخريف. الخريف لا يتسم دائما بما يشاع عنه من ذبول واصفرار ونهايات، فقد يكون بداية حياة أخرى..هذا ما قررته.».