رغم سخونة الأحداث في الساحل الإفريقي والحروب الأهلية المستمرة هناك منذ سنوات، وتفشي ظاهرة القرصنة البحرية على السواحل الصومالية، إلا أن الاهتمام الدولي بهذه المنطقة يكاد يكون شبه منعدم، رغم أنها استراتيجيا أخطر وأهم بكثير لدول العالم، من أفغانستان المحصورة في وسط آسيا، ولا تشكل أية تهديدات على التجارة الدولية. تعد دول الساحل الإفريقي إحدى أفقر المناطق في العالم، وتضم السنغال وموريتانيا ومالي وبوركينا فاسو والنيجر ونيجيريا وتشاد والسودان وأريتريا، وظاهرة القراصنة ليست سوى قمة الجبل الجليدي الإفريقي، والأحداث التي تشهدها المنطقة، بما في ذلك الصومال، تمثل تهديدا أكثر خطورة من القراصنة. وقد عبرت الدول الكبرى عن قلقها الشديد من تطور الأوضاع في هذه المنطقة، أما واشنطن فكان موقفها مستغربا بعض الشيء، فقد صرحت بأنها لن تنوب عن أحد من هذه الدول في مكافحة الإرهاب. الواقع أن المنطقة تشهد تعاظم النشاط الإرهابي منذ ظهور «فروع» لتنظيم «القاعدة» في إفريقيا، إذ أعلن تنظيم »القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي« وجوده في يناير 2007، ليشن هجمات إرهابية تستهدف الجهات الحكومية والقوات المسلحة في دول المنطقة (القواعد العسكرية في الجزائر مثلا)، وكذلك ممثلي الدول الأجنبية بما فيها روسيا. لم يكتف تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» بذلك، بل وصل المقاتلون التابعون له إلى دول الساحل جنوبا وشرقا، حيث تخلق الأوضاع في السودان والصومال تربة خصبة لتعاظم النشاط الإرهابي. وتكتسب الجماعات الإسلامية الراديكالية نفوذا متزايدا في الصومال، التي تعيش حربا أهلية منذ سنوات عديدة. وتعد حركة «شباب المجاهدين» من أكثر الجماعات نفوذا في البلاد، وهي على اتصال دائم مع «القاعدة». وفي التاسع عشر من أكتوبر 2009 أسقط مقاتلو «شباب المجاهدين» طائرة أمريكية بدون طيار، كانت تحلق فوق ميناء «كيسمايو» الصومالي. تهدد حركة «شباب المجاهدين» الدول الإفريقية الأخرى أيضا، مهددةً بشن هجمات إرهابية في عاصمتي أوغندا وبوروندي، حيث يدعم جنودهما الحكومة الصومالية المعترف بها دوليا في مقديشو، وذلك ضمن قوات حفظ السلام الدولية، ووجّه الإرهابيون تهديدات لهاتين الدولتين الإفريقيتين. وقد سبق لمسلحي «شباب المجاهدين» أن شنوا حرب عصابات ضد القوات الإثيوبية التي قامت بدعم الحكومة الصومالية المعترف بها أيضا. تتنامى شعبية الجماعات الإسلامية على خلفية فشل الحكومة الصومالية المعترف بها في تعزيز سلطتها. ولقد أدى غياب سياسة اقتصادية واضحة في البلاد إلى الفقر والمجاعة، مما يدفع بالمزيد من الأشخاص إلى الانضمام إلى الحركات المتطرفة. واشنطن تمتنع عن التدخل المسلح، لكنها تقدم مساعدات، حيث قدمت مثلا لدولة مالي مساعدات مالية تقدر بخمسة ملايين دولار، لاقتناء سيارات «الجيب» العسكرية ووسائل الاتصال. إلا أن هذا الدعم لا يسمح بتغيير الوضع الراهن، شأنه في ذلك شأن إمدادات الأسلحة للحكومة الصومالية المعترف بها. وعلاوة على ذلك، فإن مساعدات كهذه لا تأتي بنتائج ملموسة، بل تساعد على تغذية الموقف المعادي الذي يتخذه السكان المحليون إزاء الدول الأجنبية، مما يزيد بدوره التساؤلات حول قدرة المجتمع الدولي على تحقيق الاستقرار في الصومال وغيره من الدول المتأزمة في الساحل الإفريقي. من البديهي أن الطريقة الواقعية الوحيدة لمكافحة الإرهاب، تتمثل في التنمية الاقتصادية لهذه الدول، حيث يساعد ذلك في قطع مصادر تغذية الإرهاب. ولكن الدعم الاقتصادي لا يوجه لمنطقة تعيش حربا أهلية، حيث تتعرض للهجوم حتى الحافلات التي تنقل المساعدات الإنسانية من الأغذية والمواد الطبية. إن عملية حفظ السلام المتكاملة في هذا البلد، تقتضي إرسال ما لا يقل عن 25 30 ألف جندي يحملون أسلحة ثقيلة، وذلك بدعم جوي مناسب من أجل الاستمرار في القتال إذا اقتضى الأمر. إن الولاياتالمتحدة وحلفاءها ليس لديها القدرة لتنفيذ مثل هذه العملية، بسبب تشتت قواتهم في أفغانستان والعراق، وربما ليست لديهم الرغبة في استقرار الأوضاع في إفريقيا، خشية دخول منافسين آخرين لهم على ثروات القارة السوداء.. ولا يوجد طرف آخر قادر على تحمل مثل هذه المسؤولية.